تعد صناعة اللباد في محافظة "الحسكة"، واحدة من الحرف التقليدية العريقة التي توارثها الأبناء عن الآباء والأجداد، حيث لا يزال لها مستخدموها حتى وقتنا هذا، ولعل توافر قطعان الأغنام وصوفها الذي يعد المادة الأولية والرئيسية في هذه الصناعة، أسهم في تطويرها والحفاظ عليها كصناعة تقليدية في المحافظة.
موقع eHasake التقى الحرفي "سعد الدين حسن" أحد المزاولين لهذه الحرفة في مدينة "عامودا" والذي تحدث عن صناعة اللباد قائلاً: «اللباد يصنع بشكل أساسي من صوف الغنم مع إمكانية تصنيعه من وبر الجمال أو شعر الماعز وغيرها، بطريقة الضرب أو بطريقة الضغط الآلي، ولون اللباد المصنوع يدوياً أو آلياً يأخذ لون الصوف الطبيعي إن كان أبيض أو أسود أو بني، فيما تستخدم الصبغات الصناعية لزخرفة اللباد، ورسم الأشكال الهندسية والصور والنماذج الطبيعية».
حتى هذه اللحظة استعمل اللباد في فرش أرض بيتي وغرفة الجلوس، كنا نستعمل اللباد قبل عقد من الزمن في أغطية السرج للخيل، وصناعة سجاد الصلاة، وبطانة الألبسة أيام الشتاء خاصة لرعاة الغنم كونها تعطي حرارة طبيعية للجسم
عن عملية التصنيع يقول "سعد الدين": «اللباد عبارة عن أنسجة من الصوف ترص مع بعضها بعضا بالضغط العالي، بطول حوالي 4 أمتار وعرض 1 متر، أما مدة العمل لصناعة لبادة واحدة فتستغرق نحو ست ساعات، يتم خلالها فصل الصوف الأبيض عن الصوف الأسود كلاً على حدة بعد تنظيفه من المواد العالقة به، ثم يمشط بأمشاط حديديّة، وتكدّس الألياف على شكل طبقات منتظمة بعد إدخال الرسومات والأشكال الهندسية حسب رغبة الزبون، ورش الصوف بالماء والصابون وفرشه على قطعة قماش بالطول، ثمّ تبدأ عملية الضغط على الألياف بتمرير تيار من البخار الساخن خلال طبقات الألياف، واستخدام مكابس أو اسطوانات ثقيلة وساخنة ثم ندفه بالندافة ليتماسك بشكل جيد ويتم قص الرسم بواسطة مقص خاص لإعطائه الشكل المطلوب ووضعه على الصوف قبل لفه.
الحرفي "سيف الدين حسن" أضاف: «يتم لف قطعة اللباد بشكل محكم بعد الندف ووضع الرسوم على شكل اسطوانة، ثم ربطها بواسطة حبلين بأطراف عود خشبي، يليها وضع اللباد على آلة تقوم بلفه على الشكل الأسطواني والضغط عليه بمطرقة مصنعة خصيصاً لهذه العملية، ثم يدعك جيداً ويعاد وضعه على الآلة مرة أخرى ويضرب من جديد، وفي نهاية العمل يتم فرش اللباد على الأرض وتعريضه لأشعة الشمس حتى يجف من الماء، وعملية التصنيع هذه تتم في فصل الصيف للاستفادة من حرارة الشمس في التجفيف.
ويتميز اللباد بالمرونة وسهولة القص وقابليته للتشكيل في قوالب، وعدم تسيب الخيوط من الأطراف إضافة إلى قدرته على عزل الصوت والحرارة وامتصاص الصدمات إلى جانب قيمته الجمالية، لذلك فالكثير من الناس يفضلونه من الناحية الصحية على الإسفنج الاصطناعي، حيث يستعمل لأمراض العمود الفقري والظهر بالنوم على اللباد، وكذلك لفرش غرف الجلوس "الربعة" وصناعة سروج الخيل وتزيين جدران المنازل به».
الحاج "بشير حج علي" المقيم في قرية "جوزات" التابعة لناحية "الدرباسية" وأحد المستعملين للباد حتى الآن يقول: «حتى هذه اللحظة استعمل اللباد في فرش أرض بيتي وغرفة الجلوس، كنا نستعمل اللباد قبل عقد من الزمن في أغطية السرج للخيل، وصناعة سجاد الصلاة، وبطانة الألبسة أيام الشتاء خاصة لرعاة الغنم كونها تعطي حرارة طبيعية للجسم».
السيدة "خجي عيسو" ربة منزل مقيمة في قرية "كولا" التابعة لناحية "الدرباسية" تقول: «في كثير من الأحيان كانت النساء تستعملن اللباد في أعمال الزينة المنزلية، حيث كنا ندخل بعض أعمال التطريز اليدوي في زوايا اللباد، والتي كانت تعطي منظراً جميلاً، ومن ثم تعلق على جدار غرفة الضيوف أو في صالون المنزل، أيضاً كانت تصنع من اللباد جوارب وأحزمة للرجال، بالإضافة إلى صناعة الدمى والألعاب للأطفال».
الباحث في التراث الجزراوي الأستاذ "صالح المسلط" قال: «لابد من دعم هذه المهن التقليدية، وذلك بإقامة دورات تدريبية وندوات بحثية، بمشاركة حملة التراث الثقافي وأصحاب الحرف التقليدية والمهتمين بها، والباحثين فيها لجمع المادة العلمية والمعرفية حول هذه المهن، وتعليم الدارسين إمكانية استمرار ثقافة المهن التراثية، كون هذه المهن باتت في طريق الانقراض، كذلك لابد من إحداث أسواق لها، وإقامة معارض، ومهرجان سنوي للتراث الشعبي في المحافظة، لأهميتها في ترويج السياحة في المحافظة».