جهود مجتمعية حثيثة ومبادرات خيّرة تعكس روح المسؤولية، نفذها عدد من أبناء مدينة بصرى الشام، ساهمت في تأهيل بعض القطاعات الخدمية، وأبرزت الوجه الحضاري للمدينة. ومن بينهم رجل الأعمال المهندس عبد السلام المقداد، الذي تربى على حب العلم والقيم النبيلة والأخلاق الحميدة من والده المرحوم **منصور**، ليعكس مرآة تلك الجذور الراسخة في عمل الخير وحب الناس ومساعدتهم.
بداية الطريق
لم تكن حياة عبد السلام، خريج الهندسة من جامعة بيلغورود الروسية، تسير وفق نسق عادي. فقد حمل منذ صغره شغفًا مختلفًا عن أقرانه، ورأى أن للعالم أبوابًا كثيرة، لكنه كان مصرًّا على الدخول من أوسعها. يقول في حديثه لمدوّنة وطن:
"كانت أولى خطواتي في دولة الإمارات العربية المتحدة، في عالم الأعمال والبناء العقاري. لم أعمل كموظف يؤدي مهامه، بل كنت أؤديها بحب وشغف، ونجحت في تأسيس شركتي الخاصة وبدأت رحلتي في ركب الأعمال اليومية التي لا تنتهي."*
إرثه لم يكن مجرد إنجازات مادية، بل قيَم ومبادئ ستبقى في ذاكرة كل من عرفه، كما يروي المدرّس عبد الحميد الدوس المغترب الذي عمل في الكويت، لمدونة وطن قائلاً: "يطرح حلولًا للمشكلات بشكل مبتكر بعيدًا عن التقليد، ويهوى التحديات ويركب الصعاب في سبيل تحقيق هدفه. قد يسعفه الحظ أحيانًا فيستأنف رحلة حياته من حيث توقف قطارها بيسر وسلاسة، وقد يجبره الواقع الجديد على بدء المشوار من الصفر، دون أن يشكل ذلك عائقًا لمواصلة مسيرته."
من الحلم إلى الإنجاز
لم تكن سنوات عمله مجرد روتين، بل مقدمة لملاحم من الإنجاز. لم يكن صاحب ثروة بقدر ما حمل همّ أهله وناسه في قلبه. لقد كان مثالًا للجندي المجهول مع بدايات الحرب السورية عام 2011، إذ قدّم الدعم للأسر المحتاجة، وخاصة في أشهر رمضان من كل عام. وعاد هذا العام إلى بلده حاملًا فرحًا لا يوصف بتحقيق حلم راوده منذ أيام دراسته الثانوية، وهو المشاركة في عملية البناء والإعمار.
يقول المقداد: "اشتريت العديد من العقارات للإسهام في حل مشكلة الإسكان، وخاصة بعد عودة المهجرين، وتدمير بيوت الكثيرين منهم وعدم قدرتهم المادية على تأهيلها، حيث وضعت هذه العقارات تحت تصرف المحتاجين بأبسط الشروط وأيسرها."
كما قدّم المقداد دعمًا للنادي الرياضي في مدينته بصرى، الذي وصل إلى مصاف الدرجة الأولى. وشارك في تأهيل وتجهيز مركز للدفاع المدني، بالإضافة إلى المشاركة الفاعلة في حملات حفر الآبار الجوفية وتركيب منظومات الطاقة الشمسية لها، وإنارة العديد من الشوارع بمنظومات الطاقة البديلة في أرجاء المدينة. كما تعهّد ضمن حملة "أبشري حوران" بالعمل على إعادة تأهيل طرقات المدينة، سواء الحجرية الأثرية أو الإسفلتية.
وفي الجانب الإنساني، قدّم المقداد المساعدة لمرضى القلب عبر التكفل بنفقات العمليات الجراحية أو تركيب الشبكات الدوائية الشريانية، إضافة إلى تأمين نقل طلبة التعليم الفني ومدرسيهم إلى امتحاناتهم النهائية ذهابًا وإيابًا.
رحلة عطاء متجدد
رغم زخم النجاح، بقي حريصًا على أن يمنح أهله ومدينته الأولوية، لأنها تمثل نبض قلبه ودافعه الأسمى للاستمرار في رحلة التميز، فالعائلة والأهل ومحيطه الاجتماعي بالنسبة له هم المحرك الذي يغذي طاقته ومسيرته.
المهندس عبد الله المقداد، رئيس مجلس مدينة بصرى الشام، أوضح لمدونة وطن قائلًا:
"عندما نتحدث عن عبد السلام فإن قصته ليست مجرد حكاية نجاح عادية، بل هي رحلة عطاء متجدد. كل محطة في حياته تروي قصة مختلفة من العمل. إنه رجل يترك أثرًا أينما حل، وإنسان لن يتوقف عن الحلم والإبداع. في كل وقت تجده متجددًا وعنوانًا للهمة العالية والإقدام على فعل الخير."
وأضاف: "قدّم الكثير لمدينته، ومنها مساهماته في ترميم وتأهيل مبنى قديم، ليصبح مركزًا للدفاع المدني ومقرًا لعمليات الإطفاء والإسعاف المتنوع والخدمات المجتمعية. كما موّل إنارة العديد من الطرق، ومنها طريق القلعة الأثرية بمنظومة تعمل بالطاقة الشمسية. وساهم أيضًا في دعم واقع النظافة في المدينة من خلال تقديم مبالغ مالية لتأمين المحروقات لتشغيل آليات جمع القمامة."
وتابع عبد الحميد الدوس حديثه قائلًا: "عرفت عبد السلام إنسانًا يؤمن بالعمل الجماعي ويرفض التقييد، يخوض شتى مجالات العمل الخيري والإنساني بحب وصدق، كما يحافظ على الحياة الاجتماعية والعادات والتقاليد الحميدة ويحرص على تنميتها وتمتينها."
وأشار "حامد السعد"، رئيس نادي بصرى الرياضي، إلى أن وقوف السيد عبد السلام كان له أثر كبير في تحفيز اللاعبين والمدربين، من خلال تقديم الدعم الفني والمادي لإعادة تأهيل المنشآت والملاعب والعمل على إنارتها، إضافة إلى تكريم اللاعبين الذين حصلوا على مراتب متقدمة في ألعاب القوى على مستوى الجمهورية.
أما "زكريا الدوس"، من فعاليات بصرى المجتمعية، فتحدث مؤكدًا استعداد المجتمع المحلي الكامل للعمل في كل ما يسهم في النهوض بالواقع الخدمي والاقتصادي للمدينة، ومنهم عبد السلام المقداد، الذي وقف إلى جانب أبناء مدينته في كل "فزعاتها" ومن ضمنها مشروع الإسكان الذي أضاف عنه الدوس: "يعمل عبد السلام على تخفيف أزمة السكن الحاصلة ولو لعدد قليل من الأسر، من خلال البيع بسعر مناسب وبالتقسيط المريح. وأعتقد أنه لو قام كل رجل أعمال ببناء بناية واحدة، فسيتم حل مشكلة تأمين سكن للأسر العائدة من النزوح، وتشجيع المهجرين على العودة، كما ستُذلَّل الصعاب أمام الشباب المقبلين على الزواج."