فنون جديدة حضرت في حديقة "القشلة" لطلبة جامعة "القلمون" الخاصة تمثل نماذج فنون ما بعد الحداثة، تحمل أفكاراً وطرقاً غير متداولة في التعبير الفني لتشمل قضايا اجتماعية وسياسية معاصرة تعبر عن انتماء مبدعيها وتأكيد هويتهم العربية رغم أن الغرب مصدر هذه الفنون.

«إن تنامي الحركة الفكرية والتشكيلية السورية وتنامي دور مؤسسات الخدمات وتعرض أمتنا لتداعيات كثيرة كان السبب الأبرز في تقبل هذا الفن الذي يقوم على التعبير بأساليب بسيطة ذات معانٍ معقدة تحمل على التفكير والتأمل وتقوم على مشاركة الجمهور كأحد مكونات هذا الفن الذي يتخذ نماذج متعددة من عروض التجهيز والفيديو والصوت والأداء الحي والتي تعرف بمصطلح "الفن الآن"». هذا ما حدثنا به الدكتور "فصيح كيسو" أستاذ في الفنون البصرية بجامعة "القلمون" ومشرف المعرض والذي أضاف:

أكتب أية كلمة سلبية تشعر بها على حبة البطاطا وستلاحظ أنها مع الزمن سوف تتجذر وتتفاقم كما تتكاثر الجذور نتيجة الرطوبة، لذلك يجب التخلص من المشاعر السلبية ليبقى الفرد منتجاً ذا قيمة مع المحيط

«ليس الهدف محاربة أو إلغاء فنون أخرى كالنحت والتصوير بل التأسيس لجيل من الفنانين يواكبون التطور العالمي في ميدان الفن من الناحية النظرية والعملية وتعريفهم بكل التيارات الفنية المعاصرة خاصةً مع التداخل بينه وبين ميادين المعرفة من الفلسفة والعلوم الأخرى، فكان المعرض حصيلة جهد أربعة عشر طالباً لتطبيق مقرر "الفن الآن" بمختلف المواضيع وأشكال العروض».

د. فصيح كيسو

أفكار ركزت على قضايا اجتماعية وقيم واقعية نتعرض لها كل يوم، منها المكعب الدامي للطالب "فراس معروف" الذي قال: «جاءت فكرة التكوين من الكتلة الهندسية الفراغية للمجرة الكونية، المكعب الأسود هو نتاج أعمال الإرهاب ضد الطفولة والبراءة والشعوب الآمنة من قتل وإراقة دماء، وتدل المسامير في الصندوق والأسلاك الشائكة على الممارسات اليومية والقيود التي تحكم تلك الشعوب، وحين يدخل المتفرج رأسه داخل الصندوق يرى اللون الأحمر إضافةً إلى الصور الدموية في كل جوانبه ليرى أخيراً نفسه على المرآة وكأنه يعيش وسط هذه الدوامة من الأحداث».

المحاكاة الذاتية كانت من أداء الطالبة "رغد حيدر" التي تحدثت عن ثوب النقود الذي ترتديه فقالت: «عملت على إخاطة هذا الثوب وإلصاق صور العملات عليه ليرى الجمهور أن المال أثمن ما في الحياة وأحمل عبارة "هل تنكر أنني أهم شيء في حياتك"، فإن كانت إجابة الجمهور بلا فعليه أن يضع كل ما في جيبه في قبعتي، هذا النوع من الفن قائم على التفاعلية ويسمى "الأداء الحي" فالفكرة تصل مباشرةً إلى الجمهور».

الطالبة رغد حيدر

ولتفريغ الشحنة السلبية اتخذت الطالبة "دانة دعبول" من حبات البطاطا مادة لعملها "لؤم" والذي حدثتنا عنه: «أكتب أية كلمة سلبية تشعر بها على حبة البطاطا وستلاحظ أنها مع الزمن سوف تتجذر وتتفاقم كما تتكاثر الجذور نتيجة الرطوبة، لذلك يجب التخلص من المشاعر السلبية ليبقى الفرد منتجاً ذا قيمة مع المحيط».

وتحدث الطالب "حسين الحصيني" عن فكرته "إشاعة": «تعالج فكرتي موضوع الانتشار بالمعنى السلبي باستخدام مواد متنوعة للتجهيز من حبات البن والورق والخشب والأرضية الحمراء ليصبح الشكل عبارة عن فم ينطق بالكلمات التي تتجمع وسرعان ما تتحول إلى كرات كبيرة ككرات الثلج التي تسيء إلينا، حبات القهوة تدل أن مثل هذه الأحاديث تكثر مع فنجان القهوة وأحاديث النسوة، أما مشاركة الجمهور فتكون في لصق كلمة على كرة الكلمات حتى تكبر وتصبح في النهاية بحجم الحديث الصغير الذي يصبح إشاعة تتناقلها الألسن».

من العمل لؤم

ولم تغب التجربة التقنية في المعرض من خلال أعمال الطالب "سعد سعد" الذي قال: «اعتمدت استخدام تقنيات الفيديو والصوت لتسليط الضوء على الهروب من الواقع، وتشويه صورة شخص باستخدام التقنيات إضافةً إلى وجود السمكة التي تضع رأسها في الماء وجسدها في الهواء لتهرب من واقعها لكنها محكومة بالقيود الطبيعية التي لا يمكن الهروب منها للتحول إلى الخوف الذي لا يمكن الهرب منه».

وإضافةً لهذه الأعمال كان العرض الموسيقي للطالب "بشار صالحة"، وتناغم الصوت والصورة للطالب "حسان زحيمان"، و"تاريخ يجب ألا يكون" للطالب "جرجي ميسي"، والمشنقة للطالبة "سهى ابراهيم".

ويرى "غازي اسحق" أحد زوار المعرض وطالب كلية الفنون الجميلة بجامعة "دمشق" أن هذا النوع من الفن أكثر فاعلية وجذباً من الفنون الأخرى فيقول: «نحن بأمس الحاجة لمثل هذه الفنون التي تجعل من الجمهور جزءاً من العمل ليطلق حكمه رافضاً أو موافقاً عليه، هذا الفن يطلق العنان للأجيال الجديدة التي تختلف بتفكيرها عن الأجيال الأخرى وذلك بتطوير الأفكار والأخذ بيد الطلبة ليسيروا في الطريق الصحيح والمسير في طريق الإبداع».

يشار إلى أن "فن الآن" دخل إلى سورية منذ عام /2005/ على الدكتور "فصيح كيسو" بعد عودته من مدينة "ملبورن" الأسترالية والذي أقام ثلاثة معارض في دمشق ومعرضين في "بيروت" تتناول موضوعات التجهيز والفيديو آرت والأداء الحي.