الحطب في اللغة ما أعدّ من الشجر شبوباً للنار، حطب يحطب، كضرب يضرب، وحطباً المخفف مصدرُ، وإذا ثقل فهو اسم جمعه كاحتطب احتطاباً، وحطب فلاناً يحطبه واحتطب له: جمعه له واتاه به، وحطبني فلانُ إذ أتاك بالحطب، قال "ذو الرمة":
وهل أحطبن القوم وهي عريةٌ/ أصول آلاء في الثرى عمد جعد
وقال الراعي:
هلاَّ سألت هداك الله ما حسبي/ إذا رعائي راحت قبل حُطّابي
ورد ذكر الحطب في القرآن الكريم يقول سبحانه وتعالى: "وامرأته حمالة الحطب".
والحطب وقود الشتاء، ذلك الذي يشبه فاكهته، في تلك البيئة ذات الشتاءات القاسية ببردها، فطالما جمعتنا "التعاليل" معه، بأحاديث وحكايات وأغانٍ وأحاجٍ، كثيراً ما حيرتنا، والقهوة المرة، وكان حينها الصديق الأقرب والمحب الأوفى.
لم يكن ذلك سبباً لصلة الشاعر الفراتي فيه، ورابطة للشاعر الشعبي الرقي معه، وإنما جمعه وإياه يد الحبيب التي جمعته.
فقد كانت تحطب في وادي "الزور"، ذلك الوادي الحطيب، ثم يصفها لنا كيف جمعت الحطب، وكيف حملته، وكيف أمسى حينما خطبت لغيره:
بالزور حطابه بالـزور حطابه/ حاشت حطبها وكوت قلبي بعطابه
اليوم الاكشر يايوم لفوج خطابه/ لا قط راسي واخمش الوجه بيديه
وكان هذا أروع ما قيل في لون "الموليّا" الرقية.
أما شاعر "النايل" فإنه رآهن يجمعن الحطب، وكن قد أطلقن ضفائرهن، وكان بوده أن يساعدهن على حمل الحطب، لكنه كان يخشى لومة اللائم:
شالن حزم الحطب دلن جدايلهن/ ولولا حكايا الربع لامر اشيّلهن
ورآهن حين كنّ يحملن الحطب، وكانت أسنانهن ذات وميض تشبه "المجيديات"، وعندما فجعه البين بفراق الحبيبة تمنى ألاّ يسمع جامعات الحطب، وهن يغنين بينما تدفن جدائل حبيبته تحت الثرى:
ريت العذيمي لاهب ولا غنت حطابه/ بالحيف زلف الغالي ويصير جوّا الطابه
أما في "القصيد"، الشعر "النبطي"، فتطلب الشاعرة أن يوقدوا النار، وتتوسل إليهم ألاّ يحرقوا تلك الشجيرة، والتي تحمل اسم الحبيب:
حطم حطب على النار عودان/ سمي الترف لا توجدونه
ومن المعروف أن الحطب في مدينة "الرقة"، يجمع من "الغرب" و "الطرفاء"، التي قال فيها الشاعر:
واصعدت الحطاب حين تقاربوا/ على خشب الطرفاء فوق العواقر
و"الشيح" و"الرمث" و"الصّر" و"الروثه" و"العجوة".
تلك هي "الحطابة" التي جمعت الحطب ليقاوم برد الشتاء، وأعجبت الشاعر الشعبي الرقي، فقدم لنا تلك الصورة التي رحلت مع الذاكرة وأمست ذكرى، تشب لنا أملاً افتقدناه، وحكاية جمعتنا ذات مساء، وفرقتنا ونحن نشدو بها.
المراجع:
1. القرآن الكريم
"تاج العروس من جواهر القاموس"
"شعراء الموليّا في القرن العشرين"، تأليف "محمد الموسى الحومد"، دار "الغدير"، "السلمية" عام /2000/.