يعتبر "اللكاحي" من أبرز ألوان الشعر الشعبي الرقي، وتميل النسوة إلى نظمه أكثر من غيره من الألوان الأخرى، فهو شعر نسوي إلى حدٍّ ما لسببين أساسين: الأول: رقة مواضيعه، وعاطفته العابرة والخاطفة. والثاني: سهولة نظمه إذا ما قورنت بالألوان الأخرى.
"اللكاحي": شكله: هو بيت منفرد بشطرين موحدي القافية، ولا ينظم على وزن أي بحرٍ من بحور "الفراهيدي"، وإنما يقاس وزنه غنائيّاً فقط، ومن نماذجه:
شوقي يا نجمٍ ساري حدّر على مغيبو/ ابن العرب شندلني يا ريتني نصيبو
مواضيعه: ينظم "اللكاحي" بمدينة "الرقة" بكثافة، لذلك تتكثف معانيه، ففيه وصفُ للزي الرقي حيث "الزبون" و"الهباري":
يا بو زبين لب الجوخ يا بو هباري عراقي/ الحكم عايد لايدك دخيل بيض وراقي
وفيه وصف العفة، فهي كالناقة بعفتها، ولا تقبل بأيٍّ من الناس زوجاً لها إلا حبيبها الذي أخلصت لحبه:
بكرة عفا ما شالت والناس لجت بيها/ ما هي خيالة عفنين تتنى وعد راعيها
ولعفتها اشتعلت نيران قلبه حباً، ولا تطفئ أمطار شهر نيسان نيران هذا الحب:
بكرة عفا ما شالت ألا الندى بذراها/ نيران قلبي وجت نيسان ما طفاها
وفيها الشكوى، فلقد أومت لحادي الضعن كي يتمهل، لأن قلبها أمسى بلون الحجر المحروق بالنار، والذي كرر حرقه بسبب فراقهم:
أوميت لك برداني رد الضعن يا حادي/ أسود عليهم قلبي مثل لون الهوادي
ولقد شعر بأن الحب يؤلم، كما تؤلم لسعة "العقرب"، حيث يصل ألمه للعظام، فيطلب ممن يحيطون به، أن يأتوه بشيء من ريق الحبيب، علّه يستطيع النوم:
آني لدغتني العقرب سمها سطا لعظامي/ هاتم ريجو بالقطنة بلجي اغفى وانامي
ولقد رحلوا وقلبه بهواهم، لكنه لا يستطيع الوصول إليهم:
حجل الرجل مدقوقة طبت شرايع طاوي/ والرجل ما تصلهم والقلب الاكشر هاوي
ولتأمل "الفرات" نصيب منه أيضاً:
لا قعد على شط مراد واتعجب بالجاري/ خدًّ على محبوبي أنعم من الهباري
وكذلك للسّفان:
سفان دير المردي لايا ولد يا ديري/ ربيتهم شلايل صارم وليف لغيري
كذلك لعود "البردي" الذي يشبه بطوله قامة الحبيب:
شوقي ياعود البردي ومن الهوى مسدوحي/ هاتم من ريجو الغالي بلجي ترد الروحي
ولسور "الرقة" كان منه نصيب، وذلك الذي تحيط به الصبايا اللائي يشبهن الغزلان:
فزيت من منامي حسيت ذابل ريجي/ ريام الرقة يتخطت عند السور العتيجي
كما ورد ذكر الأديب الدكتور "عبد السلام العجيلي" فيه:
فهي تستنجد فيه، وهي تسمع صوت أداة سحن الهيل تدق في أحد مواقع "الرقة"، والتي تعود لأهل حبيبها الذي لم يوافقوا على زواجها منه:
غربي طاحونة عياش دق النجر بالليل/ وآني دخيل الدكتور عبد السلام عجيلي
ولا يسعنا هنا إلا أن نقول، أننا لا نستطيع الحديث عن مواضيع "اللكاحي" كاملةً، لأنها كثيرة ومتنوعة وشيقة أيضاً، وما أوردناه كان على سبيل الذكر لا الحصر.
أصل التسمية "اللكاحي": يكاد أن يتفق الباحثون على أن أصل تسمية "اللكاحي"، تعود لصوت الدف الذي يرافق هذا اللون أثناء أدائه من قبل المغنين، حيث تشبه موسيقاه أصوات وإيقاعات حوافر الخيل، وهي مسرعه راكضة، وتلقي بأرجلها أمامها أي أن هذه التسمية لحنية.
وللكاحي مسميات أخرى كالـ"الساجوري" و"اليايوم".
و"الساجوري": أحد أسماء "اللكاحي"، وينسب إلى "نهر الساجور"، وهو نهر صغير يرفد نهر "الفرات" في موقع بين "الرقة" و"منبج".
أما "اليايوم"، فهي تسمية لحنية أيضاً وتعني يا أماه، وسمي بهذا الاسم لكثرة تكرار كلمة "يايوم" مع الغناء ممزوجة بصوت الربابة.
من خطمتك نادولي ما خلوني تاشوفك/ علام حالك رديان والزعل ساطي لجوفك
غناء "اللكاحي": يغني هذا اللون من أغلب أهل "الرقة"، ومن مختلف الأعمار، وعلى مقامات عديدة، وذلك لمرونة لحنه، وسهولة معانيه، ولكثرة ما نظم منه، ويميل الشباب إلى الألحان السريعة، كـ"اللكاحي"، و"الساجوري"، بينما يميل كبار السن إلى الألحان الهادئة والبطيئة ومنها "اليايوم".
هذا هو "اللكاحي" شكلاً سهل النظم، وموضوعاً حمل ألوان الخدود وقامات الصبايا الممشوقة، والزبون والهباري، ولحناً طالما أطربنا، ونقلنا من الشكوى إلى الأمل فحياةً أحببناها، ذكرى، وحاضر ومستقبل.