كَثُرَ الحديث مؤخراً عن استخدام المواد التقليدية، وأشهرها مادة اللِّبن في البناء كبديل عن مادة الاسمنت لضرورات وأسباب متنوعة منها ما يندرج ضمن الحالة النفسية، والشعور بالعودة إلى تاريخ الأجداد، ومنها ما هو جدير بالدراسة والبحث لكون البناء التقليدي الذي تستخدم فيه مادة اللِّبن يطرح نفسه بقوة كبديل لا بد منه نتيجة قرب نضوب الطاقة، وزيادة تلوث البيئة.

مراسل موقع eDeiralzor التقى الأستاذ "ياسر شوحان" رئيس دائرة الآثار والمتاحف بـ"دير الزور"، الذي تحدث للموقع عن تاريخ استخدام مادة اللبن قائلاً: «أسلافنا وأجدادنا عرفوا البيوت الطينية منذ آلاف السنين، وتحديداً في الألف الخامس قبل الميلاد، حيث بدؤوا باستخدام اللبن في العمارة واليوم هناك طرق ونظريات جديدة أدخلت على العمارة الطينية بعد أن أثبتت جدارتها مقارنة بمواد البناء الحديث من حيث عزلها للحرارة، والصوت ما جعل كثيرين من الأشخاص يفكرون بالاستعانة والاستفادة من خواص مادة اللبن».

أسلافنا وأجدادنا عرفوا البيوت الطينية منذ آلاف السنين، وتحديداً في الألف الخامس قبل الميلاد، حيث بدؤوا باستخدام اللبن في العمارة واليوم هناك طرق ونظريات جديدة أدخلت على العمارة الطينية بعد أن أثبتت جدارتها مقارنة بمواد البناء الحديث من حيث عزلها للحرارة، والصوت ما جعل كثيرين من الأشخاص يفكرون بالاستعانة والاستفادة من خواص مادة اللبن

وعن ميزات مادة اللبّن التي تميزها عن باقي مواد البناء تحدث "شوحان": «يتكون اللبن من مجموعة من العناصر وهي التراب، والماء والتبن، وهذا الأمر أكسبه ميزة جيدة، فهو يعتبر المادة الحيوية المتوافرة في كل زمان ومكان كما له ميزة تتعلق بالبيئة بحيث يكون من نفس طبيعة الأرض أو الموقع على خلاف الإسمنت أو غيره من مواد البناء والشيء الأكثر أهمية قدرته على التحمل بحيث يمكن بناء ثلاثة طواق بلا أعمدة استنادية لكونه يدخل في تركيبه التبن، وهو ما يجعل قوياً ومتماسكاً».

وللتعرف على مادة اللبن مراسل موقع eDeiralzor التقى المهندس "خطاب السايج" رئيس شعبة الهندسة في دائرة آثار ومتاحف "دير الزور" والذي قال: «على الرغم من التطور التقني والعمراني الذي نشهده، ودخول مواد بناء حديثة من حيث عزلها للصوت، والحرارة إلا أن تلك المواد لم تستطع أن تحل وظيفياً محل مادة اللِّبن، والتجارب التي أجريت على عدد من المواقع الأثرية في "دير الزور" تثبت ذلك، ومن خلال العمل بالترميم الأثري والتعامل مع المادة المبنية منذ آلاف السنين والعائدة لمختلف الحضارات في المنطقة للقيام بأعمال ترميم نموذجية، وبالاستفادة من الخبرات الأجنبية المختصة كانت هنالك تجارب حقلية وعلى مدى سنوات لتطوير مادة اللِّبن وجعلها أكثر فاعلية ومواكبة لتطور العصر».

وتابع "السايج" حديثه حول طريقة صنع مادة "اللِّبن": «يتم تحضير الخلطة الطينية (تربة وماء وتبن) من مواد سليمة خالية من الأملاح والحجارة والرمل ويتم خلطها بواسطة الأرجل وتغطى بالنايلون وتبقى فترة لا تقل عن ثلاثة أيام مع إضافة الماء إليها باستمرار، كما يجب أن يكون الجو مناسباً للقطع حيث يتم تحضير قوالب خشب وحسب المقاسات المطلوبة، ويتم تقليب "اللِّبن" بعد قطعه بثلاثة أيام وتعريضه لأشعة الشمس من جميع الأوجه، ويتم خلط كمية من التبن لا تقل عن /30/ كغ لكل متر مكعب من التراب، ويتم البناء على أساسات حجرية وتستخدم مونة رابطة من نفس نوع مادة اللِّبن والبناء، ويجب أن يتم بشكل متشابك ما بين قطع اللِّبن مع فواصل تقريبية ما بين /3–4/ سم"».

وبين "رئيس شعبة الهندسة": «تم القيام بتجارب بالتعاون مع البعثات الأجنبية لتطوير مادة اللِّبن، ففي موقع "دورا أوربوس" وبالاستعانة ببعض أعضاء البعثة الفرنسية ممن درسوا خصائص مادة اللِّبن كانت هنالك محاولات لزيادة فاعلية تركيب هذه المادة عن طريق إبدال مادة القش والتي تعتبر عنصراً هاماً في التركيبة تضمن تماسك قطعة اللِّبن وتمنع الشّد، إلا أنها تقوم بجلب الحشرات داخل اللِّبن وتؤدي إلى فساده، وكانت التجارب لاستبدالها بمادة من نوع /الفيبر/ وهي مادة قريبة من قطع القش من نوع صناعي مع إضافة /5%/ من الاسمنت، وقليل من الجص الأسمر مع بقاء قطع "اللِّبن" مغطاة لمدة أسبوعين في الظل لكن لم تكن النتائج إيجابية، ولم تنجح التجارب المتنوعة، وباختلاف نسب التركيب تمت العودة إلى الطريقة التقليدية في تصنيع اللِّبن مع الاعتناء بالمداميك العلوية وإضافة نسبة من الجص الديري إليها، وهذه التجربة أعطت نتائج جيدة».

وأضاف "السايج": «تم في موقع "تل الشيخ حمد" إجراء تجارب مماثلة قامت بها البعثة الألمانية التي تعمل في التنقيب وترميم الموقع عبر الاستعانة بخبراء في هذه المادة، وكانت النتيجة هي استخدام الطريقة التقليدية في تصنيع اللِّبن مع تغيير في طبقة الحماية- الوجه الخارجي- حيث تم إضافة مادة صناعية عازلة /الأكرونال/، وتقوم هذه المادة بعملية عزل اللِّبن الداخلي وتحميه من الرطوبة، حيث تُمزج هذه المادة مع خلطة التغطية، وعلى ثلاثة أوجه تكون آخرها الطبقة المخلوطة بالأكرونال، لقد نفذت بشكل موسع عام /2008/م ومازالت النتائج مرضية، أما في موقع "ماري" الأثري، حيث تعمل البعثة الفرنسية فتمت تجارب عديدة على هذه المادة وتجريب أنواع متعددة من الأتربة وبمختلف الأجواء المناخية وتم اختيار الأفضل من هذه الشروط، واعتماد الطريقة التقليدية في التنفيذ».

وختم "السايج" بالقول: «من خلال التجارب تبين لنا أن الطريقة التقليدية في تصنيع اللِّبن هي طريقة ناجحة وعمليّة، وإن تحسين استخدام هذه المادة لا يتم عن طريق إضافة أو تغيير في تركيب مادة اللِّبن، وإنما يكمن بتفاصيل البناء المراد بناؤه، وهذا ما ينطبق على المشروع الذي سيُنفّذ في موقع ماري الأثري بإنشاء مركز للزوار يعتبر الأول من نوعه في المنطقة، حيث سيقام بمواد تقليدية باستخدام أحدث الطرق الهندسية، كما يعتبر البناء الذي سيقام نموذجاً للعمارة الطينية الحديثة، كما أنه يمكن الاستفادة من الخبرة الأجنبية المتوافرة والتنفيذ الفعلي على أرض الواقع لدعم تجربة البناء الطيني الجديد في تخديم المنظومة العمرانية للمنطقة الشرقية والتي تحل مشاكل الطاقة والمصاريف المرتفعة وتمكن من الاستفادة من توافر الأراضي الواسعة واليد الخبيرة في البناء».