حالات إنسانية ونفسية امتزجت مرّةً بألوانٍ وأخرى بالقهوة..لتكون لوحة تنطق هموم ووجدان صاحبها وعلى الأغلب هو هم مجتمع بأكمله، إبداع عربي لأربعة فنانين "رياض نعمة" العراق، "أيمن بعلبكي" لبنان، "كاظم خليل، و"رنا حتمل" سورية، تلاقى ضمن جدران غاليري "رفيا".
موقع "eSyria" بتاريخ 2/8/2009 خلال زيارته للمعرض التقى الفنان التشكيلي "رياض نعمة" مواليد 1968 بغداد، والمقيم في دمشق منذ /12/عاماً عن رؤيته للوحة حدثنا: «في السنوات الثلاث الأخيرة بحكم الظرف الذي يمرّ به العالم عامة والعراق خاصة، التفت إلى مجموعة أسئلة من بينها، ماذا نريد من العمل الفني، ولماذا نحمّله أكثر من طاقته؟ لماذا نهرب من الواقع الذي يستطيع أن يمدنا بالكثير من الأفكار والمواضيع؟، فوجدت الواقعية التعبيرية هي الأسلوب الذي يناسبني من خلال العودة للواقع، حيث وجدت أن الفن صار فيه تطرف من خلال ابتعاده عن الواقع الأمر الذي خلق فجوة بين الثقافة والشارع، وأرى أن مسؤوليتي كما أي فنان أن أختصر المسافة بين الشارع والثقافة».
إن اللون الغالب البنفسجي جاء عفوياً، لكن الغير عفوي كان الأبيض وهنا أفتعل التضاد اللوني لكي أشد إليه النظر
أقام "نعمة" حوالي عشرة معارض فردية، /20/ معرضاً جماعياً، وحاصل على العديد من الجوائز، كما أن أعماله مقتناة في /17/ دولة عربية وأوروبية. عن أعماله التي اختارها لمعرضه الحالي يحدثنا: «اخترت لمعرضي الحالي ثلاث لوحات تصور البورتريه والجدار، إذ أعتبر أن تهميشاً طرأ على واقعنا ووصل الأمر حدّ التماثل بين الجدار والإنسان، ووجه الإنسان صار من الجمود بما يقارب جمود وسكون الجدار، لهذا استخدمت اللون الرمادي في اللوحات الثلاث فهو لون يجمع أخطر متضادين من المستحيل أن يلتقيا الأبيض والأسود».
بضربات فرشاة قوية وقلقة وإبداع تعبيري في الإضاءة وتشخيص المشهد يشوه "أيمن بعلبكي" -مواليد قرية العديسة اللبنانية 1975- أبنية ويهدم أخرى عاكساً التشويه والتدمير الذي طال نفوساً تأثرت بواقع المنطقة: «أدين من خلال لوحاتي واقعي بشكل مباشر في الجانب المظلم منه تاركاً للمتلقي فرصة إسقاط الحالة وفهمها على مبدأ صدمة الخراب التي ترجع بالإنسان للعقلانية والتفكير معتمداً على التكثيف الانفعالي في خطوط مقصودة وعابثة تتساقط على مساحات لونية بغية مضاعفة التأثر معتمداً على مسافة بين الواقعية والتجريد تماماً كهالة متبدلة بين الأرض والسماء».
لا يمكن قراءة لوحات "بعلبكي" في تصويره للخراب إلا من خلال الشعور بإنسانية عميقة وميل إلى الحنان البصري مع إشباع بالأذى الذي لمسه، والتباعد الذي عاشه: «رغم أني استمديت لوحتي من نتيجة العدوان الإسرائيلي الأخير على "لبنان" 2006، فإني لا أسعى لتسجيل الكارثة أو توثيقها بل أعمل على قتل التفاصيل وإلباسها لبوس الهم والنهاية غير السعيدة. ولا شك أنّ ثقل الحرب جعل ذكراها واقعاً ثقيلاً لا مجرد ذكرى هائمة، حتى إن تفسخاتها ورائحة الموت تنضح من جدران أبنيته الألية للسقوط ونوافذها التي اختفت معالمها».
يذكر أن "أيمن بعلبكي" خريج كلية "الفنون الجميلة" في الجامعة اللبنانية 1998، وحائز شهادة دكتوراه في "فن الصورة والفن المعاصر" في جامعة "باريس 8". شارك في حوالي /10/ معارض جماعية في الشرق الأوسط وأوروبا والأرجنتين ونيجيريا. كما نال جوائز عدة في لبنان ونيجيريا وفرنسا.
الفنانة التشكيلية "رنا حتمل" مواليد دمشق 1976 تحدثنا: «لا أذكر تاريخاً محدداً لزمن اهتمامي بالفن التشكيلي، لكني أذكر جيداً أني خُلقت وفي يدي فرشاة وعلبة ألوان، فلا أتذكر إلا أنني كنت أرسم منذ بداية حياتي، وحتى إنني ما زلت أحتفظ بكروكيات و(شخبرات) بسيطة رسمتها ولونتها منذ أيام الطفولة، ربما أكون محظوظة أكثر من غيري، لأن فرصة ذهبية تهيّأت لي للولوج إلى عالم الفن التشكيلي واستغوار جوانبه الفنية العميقة، ومن بين هذه الفرص النادرة أني عشت في كنف عائلة عرّابها الفنان التشكيلي الراحل "ألفريد حتمل"، حيث تأثرت بوالدي من ناحية العجينة اللونية والطريقة، مع الحفاظ على خصوصية تميز عملي عن عمله، والفرق واضح بالألوان والمواضيع».
يظهر من خلال اللوحات الثلاث تأثر "رنا" بقصة الخلق والبداية، وكيف كانت الألوهة في الأنثى، وقد ينبئ هذا الأمر بشعورها بغبن وظلم المجتمع للأنثى التي لم تأخذ حقها بعد: «في معرضي الحالي أشارك بثلاث لوحات تندرج ضمن تسلسل واحد، فقد وضعتها ضمن مسميات "الخَلق"، "المدينة"، و"التقاطع"، أريد من هذه العناوين وفق تسلسلها التعريف بكيفية نشوء الحياة وتطورها، حيث تكون فكرة الخلق ثم يأتي كل شخص ليتميز بشيء معين من خلال تقاطعه مع عنصر آخر قد يكون إنساناً أو أي شيء آخر».
عن التضاد اللوني الظاهر في لوحاتها الثلاث تقول "رنا": «إن اللون الغالب البنفسجي جاء عفوياً، لكن الغير عفوي كان الأبيض وهنا أفتعل التضاد اللوني لكي أشد إليه النظر».
يشار إلى أن "رنا حتمل" أقامت حتى الآن معرضاً مشتركاً واحداً في خان "أسعد باشا" ضم لوحات زيتية إلى جانب أعمال لوالدها الراحل.
المشارك الرابع بالمعرض الفنان السوري "كاظم خليل" مواليد اللاذقية 1965 يعد من أوائل من استخدم القهوة مادة لإنجاز لوحة متكاملة، وهو أسلوب بدأ به عام 1983 وطوره على مدى سنوات قبل أن يتحول إلى مشروع فني عند انتقاله للعيش في باريس عام 2000، وهناك أقام العديد من المعارض الفردية والمشتركة مستخدماً تقنية (Lavis) التي تعتمد الحبر والماء الغزير، لكنه استبدل الحبر بثفل القهوة، وأبدع من خلال تمديده بالماء تدرجات في حساسية لون البني مضيفاً إليها أشياء كثيرة من إنسانيته.
هنا في "رفيا" كان الفنان التشكيلي "شورشفان إبراهيم" يتأمل أعمال "كاظم" وعنها حدثنا: «في لوحات "كاظم" رموزاً وصوراً متنوعة أرادها الفنان رسماً لماضي الإنسان وحاضره وحتى المستقبل، يتجلّى فيها الجسد مادةً للممكن والمستحيل حاضناً لكل ما قد يعترينا من حزن وكآبة وبوح داخلي، وما يميز هذا الفنان في تعاطيه القهوة نفساً للحياة والفن أنه يستخدم أصابعه المشحونة بالأفكار أداةً طيعةً لتشكيل مفرداته الغنية بالتعبيرية من خلال خطوطه المتداعية حيناً والمكثفة أحياناً، كما تميزه مقدرة غير قليلة على تحرير القهوة من قيمتها اليومية ليخلق منها قيماً بصرية ذات جمالية».
والجدير بالذكر أن "كاظم خليل" عضو في اتحاد الفنانين التشكيليين العرب، وفي جمعية الإمارات للفنون الجميلة، والرابطة الدولية للفنون (الأكاديمية) في اليونسكو، عضو في النقابة الوطنية للفنانين المحترفين "بفرنسا"، قد أقام حوالي /40/ معرضاً جماعياً حول العالم، و /11/ معرضاً فردياً في عدة دول من العالم، كما نال الى الآن /6/ جوائز من "الإمارات العربية"، ومن "فرنسا".
يشار إلى أن المعرض قائم إلى تاريخ 25/8/2009.