حظيت "حوران" وعلى مر العصور بكل مؤهلات وأسباب الحياة ورفاهها مما جعلها تحتضن حضارات أمم وشعوب رحلت محملة السنين جميل ما أشادت وصنعت يداها إرثاً حضارياً ارتسم معالماً وأوابد استوطنت كل بقعة في "حوران". وفي منطقة "الأشعري" المتوضعة في الجهة الغربية من سهل "حوران" وحيث كان وما زال وادي "الهرير" أحد فروع "اليرموك" يحنو عطاءً ويشكل حصناً منيعاً فقد شهد عبر التاريخ استيطان عدة حضارات.

موقع eDaraa زار "تل الأشعري" والتقى الآثاري "قاسم المحمد" الذي حدثنا عن هذه المنطقة الأثرية بالقول: «تعتبر منطقة "الأشعري" في محافظة "درعا" من المناطق السياحية والأثرية المهمة في المحافظة وذلك لاحتوائها على شواهد ولقى أثرية كثيرة أغنت المعلومات عن تاريخ الاستيطان في منطقة جنوب سورية والحضارات القديمة التي شهدتها والشعوب التي سكنتها منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا.

وقد لفت "تل الأشعري" أنظار الرحالة والباحثين الغربيين الذين مروا بمنطقة جنوب سورية في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين فقد قال عنها "غ شوماخر" بأنها مصدر قيم للمعلومات حيث زار التل خلال الأعوام 1884-1897-1913 وأيضاً زاره "ج.ا سميث" في عام 1900. أما عن المكتشفات فقد قام في عام 1931 السيد "هنري سيرج" بالتنقيب في بعض القبور فيما يدعى بالمقبرة والتي أسفرت على العثور على مجموعة من العملات الهامة، ومنذ عام 1998 وحتى 2004 تركزت أعمال التنقيب في /القسم الشمالي/ للتل وقد نتج عنها الكشف عن بقايا أبنية أثرية تؤرخ إلى الفترات "الرومانية"، وفي عام 2005 فتحت منطقة تنقيب جديدة في القسم الغربي من التل المشرف على الوادي أسفرت على الكشف عن مبنى يمثل الحمامات التي تؤرخ للفترة "الرومانية" وكانت الحمامات "الرومانية" تعتبر إحدى النقاط الرئيسية التي ركز عليها "الرومان" في الحياة اليومية إذ كان الرومان يستحمون عادة مرة واحدة في الأسبوع ولكن بسبب أذرعهم وسيقانهم التي كانت مكشوفة فقد كانوا يستحمون يومياً وكان العديد من هذه الحمامات خاصة

وتقع منطقة "الأشعري" في الجهة الغربية من سهل "حوران" وإلى الشمال الغربي من مدينة "درعا" وتبعد عنها حوالي 14 كم، كما يبعد "تل الأشعري" عن "المزيريب" وإلى الشمال منها بمقدار /5/ كم.

الاثاري قاسم المحمد

وتتميز هذه التلة بموقعها الجغرافي وبإطلالتها الجميلة على وادي "اليرموك" الغني بالمناظر الطبيعية الخلابة والشلالات الصغيرة التي تنساب من بين الصخور مشكلة منظراً طبيعياً بديعاً، ويعتبر "تل الأشعري" غنياً بكنوزه الأثرية التي تعود لحضارات وفترات زمنية موغلة في القدم، يبلغ طول التل نحو 400 ‏متر وعرضه 200 ‏متر وارتفاعه ما بين 20 ‏و 25 ‏متراً، حيث يروى أن هذا التل كان عبارة عن دير يتألف من ثلاث طبقات يحوي ما بين 300 و400 غرفة وهو محصن بشكل جيد من إحدى جهاته بالوادي الذي يبلغ عمقه نحو 300 متر ومن الجهات الأخرى بحجارة متدرجة ضخمة مرصوفة تعجز أعتى الجيوش عن اختراقها».

ويضيف: «وقد لفت "تل الأشعري" أنظار الرحالة والباحثين الغربيين الذين مروا بمنطقة جنوب سورية في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين فقد قال عنها "غ شوماخر" بأنها مصدر قيم للمعلومات حيث زار التل خلال الأعوام 1884-1897-1913 وأيضاً زاره "ج.ا سميث" في عام 1900.

تل الأشعري

أما عن المكتشفات فقد قام في عام 1931 السيد "هنري سيرج" بالتنقيب في بعض القبور فيما يدعى بالمقبرة والتي أسفرت على العثور على مجموعة من العملات الهامة، ومنذ عام 1998 وحتى 2004 تركزت أعمال التنقيب في /القسم الشمالي/ للتل وقد نتج عنها الكشف عن بقايا أبنية أثرية تؤرخ إلى الفترات "الرومانية"، وفي عام 2005 فتحت منطقة تنقيب جديدة في القسم الغربي من التل المشرف على الوادي أسفرت على الكشف عن مبنى يمثل الحمامات التي تؤرخ للفترة "الرومانية" وكانت الحمامات "الرومانية" تعتبر إحدى النقاط الرئيسية التي ركز عليها "الرومان" في الحياة اليومية إذ كان الرومان يستحمون عادة مرة واحدة في الأسبوع ولكن بسبب أذرعهم وسيقانهم التي كانت مكشوفة فقد كانوا يستحمون يومياً وكان العديد من هذه الحمامات خاصة».

ويتابع الآثاري "قاسم المحمد": «أما البعثات الوطنية فقد بدأت عام /1943/ على يد رائد الآثار السوري "جعفر الحسيني" وأسفرت خلالها على العديد من اللقى والمكتشفات الأثرية الهامة وشملت المكتشفات أقراطاً ذهبية مرصعة بالأحجار الكريمة تعود إلى العصر "الهيلينستي" و"الروماني" أي إلى الفترة ما بين القرن الثاني قبل الميلاد وحتى القرن الثالث ما بعد الميلاد وهي موجودة حالياً في قسم الحلي في المتحف الوطني بـ"دمشق"، كما عثر في المرحلة الثانية من أعمال التنقيب التي بدأت في العام /1992/ على مدافن "كنعانية" محفورة بالصخر وعثر داخلها على قدور وأوان وأباريق وزبادي ودوارق فخارية من مختلف الأشكال والأحجام وعلى حراب وقواطع نحاسية على شكل بلطات مقوسة ونبال نخامية.

شاهد حضاري

كما عثر في المرحلة الثالثة من أعمال ‏التنقيب التي بدأت في العام /1998/ وشارك فيها عدد من طلاب كلية الآثار بجامعة "دمشق" على مجموعة غرف ذات أبعاد مختلفة تفتح بعضها على بعض طليت جدرانها الداخلية بطبقة من الكلس الأبيض وتعود هذه الغرف إلى المرحلة الإسلامية المبكرة، وتم العثور في داخلها على خاتم مسطح مصنوع من اللازورد الأزرق مثقوب في الجزء الأعلى منه عليه أسدان واثبان يتوسطهما رجل واقف يرتدي رداء طويلاً يغطي رجله اليمني أما الرجل اليسرى فبقيت مكشوفة ولم يعرف تاريخه ويعتقد أنه من عصر البرونز الحديث /1600-1200/ قبل الميلاد.

وعثر أيضاً على دولاب لتصنيع الأواني الفخارية وعلى مجموعة مصنوعات عاجية منها مشط مزخرف بطريقة الحفر على شكل دوائر صغيرة وعلى ملعقة متوسطة الحجم ومسلة خياطة ونماذج فخارية من النوع المشوي والمزجج تعود للفترة المملوكية.

‏كما عثر خلال موسم التنقيب السابع الذي نفذته دائرة آثار "درعا" في الموقع على مجموعة من الأبنية والأقنية الفخارية وعلى مجموعة كبيرة من اللقى الفخارية شملت أباريق وصحون وأسرجة وبعض اللقى المعدنية والبرونزية وأجزاء من أعمدة وغيرها الكثير وقد تم تصوير اللقى والمكتشفات وتوثيقها أصولاً، كما تم الكشف في هذا التل على القواطع والنصال ورؤوس السهام الحجرية التي تعود إلى العصور الحجرية والتي ألقت الضوء على فترة مهمة من فترات تاريخ هذه المنطقة وقدمت معلومات وافية لواقع عصور ما قبل التاريخ في جنوب "سورية".

أيضاً أكدت اللقى الأثرية التي عثر عليها في المغارات الواقعة في الجانب الغربي من التل بداية السكن البشري المبكر لهذه المنطقة ومستوطنة بشرية عريقة تعود لأكثر من عشرة آلاف عام على الأقل.

أيضاً لفترات فجر التاريخ وعصر البرونز وجود في هذا التل ودل على ذلك النماذج الفخارية المتناثرة في محيط التل والتحصينات والأسوار ولاسيما تلك القائمة في الزاوية الجنوبية الغربية والتي تتطابق مع بعض المدن كمملكة /إيبلا -تل مرديخ /والتي تعود إلى فترة البرونز الوسيط ما بين عامي 1600-1200 قبل الميلاد.

وكانت مدينة "الأشعري" موجودة بقوة أيضاً في فترة عصر الحديد الذي يبدأ من العام 1200 قبل الميلاد ويدل على ذلك وجود الأسوار الضخمة القائمة حتى الآن والتي كانت تشكل خطاً دفاعياً للمدينة مشيراً إلى أنه في أواخر الألف الأول قبل الميلاد قامت في مدينة "الأشعري" حضارة عربية هامة، ودل على ذلك الوثائق التاريخية التي أشارت إلى أن هذه المدينة كانت تحمل اسم "ديا" أو "ديون" أو "ديابولس" باللغة "الرومانية" كما ورد ذكر هذه المدينة في معرض الحديث عن حروب القائد "اسكندر ياناوس" مع "العرب الأنباط" خلال الفترة ما بين 103 و76‏ قبل الميلاد وأن هذه المدينة كانت من حلف المدن العشرة "الديكابوليس" وهو حلف عسكري يهدف إلى وقوف هذه المدن إلى جانب بعضها في حال تعرضها لخطر خارجي وكانت "ديون" جبهتها الغربية وتضم مدن منها "أتارعا" و"درعا" و"جدارا" و"أم قيس" و"كناثا".

‏إلى أنه يوجد في مناطق كثيرة من التل شواهد للحضارة "النبطية" وأن المدينة وصلت خلال الفترتين "الرومانية" و"البيزنطية" إلى مراحل متطورة لكثرة الدلائل واللقى الفنية والمعمارية التي تم العثور عليها وتعود لتلك الفترة والمتمثلة ببقايا الأبنية والنماذج الفخارية والقطع النقدية المتنوعة.

‏وأشارت المصادر إلى أن السكن الإنساني في منطقة "الأشعري" ظل مستمر وأنها أخذت اسمها من القائد الإسلامي "أبو موسى الأشعري" ولم تنقطع الحياة في هذه المدينة بدليل وجود أبنية سكنية وإدارية تعود لمختلف الفترات الإسلامية كالحمامات والأفران والمعابر والنماذج الفخارية "الأيوبية" و"السلجوقية" و"السلوكية" و"العثمانية" وهذا ما يؤكد أهمية هذه المدينة التي يضاف إلى ما تقدم خصوبة تربتها وكثرة ينابيعها ووفرة المياه فيها وإطلالتها الجميلة على وادي اليرموك.

‏أما عن الأسماء التي عرف بها "تل الأشعري" قديماً وحسب ما ورد في المصادر التاريخية أنها عرفت باسم "عارونة" وأن اسمها تغير إلى "خلوني" دون معرفة الأسباب».

‏وذكر "المحمد": «إن مدينة "الأشعري" كانت قد بنيت على حافة وادي الهرير العميق بشكل يوازي الانحناء الطبيعي من الجنوب باتجاه الغرب والذي يبدأ من الانهدام الطبيعي القائم إلى الشمال حيث يزداد عمق الوادي بشكل مفاجئ الأمر الذي وفر لأهالي المدينة جهة محصنة بشكل طبيعي من جهة الغرب ولذلك تركزت أعمال التحصين على الجهات الثلاثة الأخرى فتم بناء أسوار متدرجة مؤلفة من كتل حجرية ضخمة وزودت هذه الأسوار بأبراج للدفاع والمراقبة موزعة في محيط المدينة بشكل منتظم شكلها مربع ويمكن من خلالها مراقبة مناطق شاسعة من الاتجاهات كافة ويمكن من الجهة الشمالية رؤية مسافة لا تقل عن /50/ كم بشكل مريح وذلك لانبساط الأرض.

فيما يصل مدى الرؤية من باقي الجهات إلى حوالي /5/ كم فمن الجهة الشرقية يمكن رؤية مدينة "طفس" ومن الجنوبية مدينة "المزيريب" كما يمكن من الجهة الغربية متابعة تحرك أي شيء على امتداد وادي الهرير وما يشمله من مواقع، وللمدينة مدخلان رئيسيان الأول في الزاوية الجنوبية الشرقية والثاني يقع إلى الغرب منه أي في الزاوية الجنوبية الغربية ويقوم في الجهة الشرقية من التل وعلى مسافة تقدر بحوالي /50/ متراً حمّام إسلامي في غاية الجمال والأهمية تم إزالته في فترة قديمة مجهولة وجمعت عناصره ومكوناته ووضعت على شكل سور ضخم وعلى بعد منه بعدة أمتار مقبرة قديمة على طرف سيل ماء وقد تعرضت هذه المقبرة للحفر السري في فترات قديمة وفي وسطه باتجاه الشمال قليلاً مقبرة أخرى تعرضت هي الأخرى للحفر والتخريب.

يشار إلى أن محافظة "درعا" والجهات المعنية في المحافظة تولي أهمية كبرى لهذه المنطقة نظراً لغناها بمصادر المياه ولتميز موقعها وإطلالته الجميلة على وادي "اليرموك" وتسعى إلى جذب الاستثمارات السياحية لهذه المنطقة من خلال فتح مشروعات سياحة هامة».