«يعد الخط العربي منذ بداياته الأولى إلى يومنا هذا رمزا من الرموز المهمة في بناء الحضارة العربية والإسلامية والإسهام في الحضارة الإنسانية، والخطاط المتمكن يبدي تفوقه في هذا المجال لدرجة جعلت كل دارسي الخط العربي يجمعون على أن الخطاط فنان جعل للكلمة وظيفة جمالية مرئية إلى جانب وظيفتها القرائية».

هذا ما قاله الخطاط "معصوم محمد خلف" لموقع eHasakeh في زيارتنا له في مشغله لفن الخط العربي، في حي "العزيزية" في "الحسكة" ثم حدثنا عن بداياته مع فن الخط العربي قائلاً: «بدأت عندما أحسست بأن هناك تآلفاً يشدني نحو صميمية الحرف وفي داخلي حوار ينتشلني بين ما أكتبه وبين فن الخط فتطورت المحاورة وذلك التآلف إلى محاكاة حقيقية ما بين التدريب والإحساس بالتطوير ما جعلني أذوب في متاهات شاسعة من القاعدة الأصيلة للحرف والكلمة حيث شاركت لأول مرة في معرض جماعي بعنوان تحية إلى الشاعر "أحمد السالم" الذي كان مديراً للمركز الثقافي في "الحسكة" عام 2001م وفي عام 2005م افتتحت معرضاً فرديا في "الحسكة" تحت عنوان "محراب الحرف وزغاريد القصب" كانت تلك تجربة كبيرة أثرت في مشوار حياتي مع الحرف ما جعلني أمتطي صهوة القلم لأكتب مقالة أدبية ملأى بالمعاناة تحت عنوان "تهميش الفن وفن التهميش" نشرتها في جريدة "تشرين" وجريدة "الفرات" ومجلة "بناة الأجيال"، كذلك شاركت في معرض فردي في مدينة "تل رفعت" التابعة لمحافظة "حلب" عام 2006م إضافة إلى مشاركاتي في مسابقات الخط العالمية في مدينة "اسطنبول" التركية منذ أكثر من خمسة عشر عاماً».

الخط ثمرات أقلام المبدعين على مر العصور.... ساهم فيه أبناء العالم الإسلامي فكان ترجمان الإبداع الفني وفيضاً من عبقريات شتى لتصب في خدمة لغة القرآن تلك اللغة المباركة التي نقلت العربية إلى آفاق إنسانية رحبة واسعة وجعلت الحضارة تفيض بالإبداع وتنهل منه لتغنيه وترقى به وتنهج في الحضارة منهجاً أغنى وأسمى وأنبل

وفي سؤالنا للخطاط "معصوم" عن رؤيته للخط العربي أجابنا: «الخط ثمرات أقلام المبدعين على مر العصور.... ساهم فيه أبناء العالم الإسلامي فكان ترجمان الإبداع الفني وفيضاً من عبقريات شتى لتصب في خدمة لغة القرآن تلك اللغة المباركة التي نقلت العربية إلى آفاق إنسانية رحبة واسعة وجعلت الحضارة تفيض بالإبداع وتنهل منه لتغنيه وترقى به وتنهج في الحضارة منهجاً أغنى وأسمى وأنبل».

يجعل من الحروف لوحة تشكيلية

وعن سؤالنا عن حافز تطوير الخطاط أفادنا: «هذا الجانب يتوقف على الجهات الثقافية التي تمتلك وسائل عديدة مثل صالات العرض وإقامة دورات وإعداد معارض حتى يصبح تعليم الخط يدخل ضمن ثقافة مجتمعية ويخصص لها ندوات وكوادر ومسابقات وجوائز حتى تأخذ طريقها نحو البناء وارتياد أفاق جمالية عذبة، أما إذا كان التهميش هو العنصر السائد لهذا الفن الخالد فإننا نتأسف جداً لهذا الوضع ذلك أن الفنون بمجملها تمكن الإنسان من استكمال مشروعه الحضاري والذي بدأه أكثر من سبعة آلاف سنة ومن خلال معرفة الإنسان لهذه الغاية كان لا بدًّ من إيجاد التجارب الفنية والتي من شأنها أن ترتاد آفاق العالم.

كما أن معايشة تلك الآثار الفنية والإبداعات الجميلة، بما تحتويه من عناصر غنية مختلفة، ومن وحدة انسجامها تظهر روعتها، فإذا ما انتشرت بين البشر في المكان والزمان من شأنها أن تدفع من يتأملها إلى تغيير نمط حياته، ورفع مستوى سلوكه، وهذا وذاك يؤديان إلى تغيير البيئة الطبيعية والوسط الاجتماعي، ورفع مستواهما الحضاري نحو التآزر والتكامل والعطاء».

دراسات معصوم عن الخط العربي

وأجابنا عن سؤالنا حول معوقات ممارسة الخط كحرفة: «إننا محاربون من أولئك الذين يستخدمون تقنيات الحاسوب في الخط وهم لا يتصلون من قريب أو بعيد بفن الخط ورغم ذلك فإن الحواسيب ساعدتهم في محاربة الخطاطين والالتحام معهم في سكة العمل الإعلاني ذلك أن بعضا من الناس يجهلون الفوارق الكبيرة والمميزة ما بين خط الحواسيب والإبداع اليدوي، لذلك فهم يتعاملون مع الخط من قالب إعلاني فقط بعيدا عن كل المقاييس الجمالية التي يتمتع بها الحرف العربي وكذلك إن هناك جمعية للخطاطين مقرها في مدينة "دمشق" أتمنى أن يكون لهذه الجمعية فروع في جميع محافظات السورية بما فيها محافظة "الحسكة" كي تجمع شمل الخطاطين وتلبي طموحاتهم وتساعدهم في تجاوز معوقات الخط كاحتراف وترقية هذا الفن، وكذلك نشتكي من قلة المسابقات في فن الخط في بلادنا لما في ذلك من أهمية كبيرة وأنا أعرف أن في محافظة "الرقة" هناك كل سنة مسابقة شعرية يتخللها معرض للخط ومسابقة للخطاطين وهذه بادرة جيدة لتطوير منظومة الخط العربي وأتمنى أن تسلك الجهات المعنية في "الحسكة" مثل تل البادرة ولو كان هناك مسابقة سنوية في "دمشق" على مستوى الجمهورية لكان أفضل».

وعن سؤالنا له عن كتاباته في الدوريات والمجلات الثقافية المحلية والعربية حيث كانت المقالات تتمحور حول دراسات في الخط العربي فأفادنا: «أنا أكتب مقالات عن الخط العربي ودراسات نقدية عن الخطاطين منذ أكثر من خمس عشرة سنة في مجلة "العربي" الكويتية و"المنتدى" الإماراتية ومجلة "الرافد" التي تصدر من إمارة "الشارقة" إضافة إلى مجلات محلية مثل "المعرفة" و"الحياة التشكيلية" وجريدة "الأسبوع الأدبي" ومجلة "بناة الأجيال" حيث كنت أكتب تلك المقالات أبين فيها تجارب الخطاطين وإبداعاتهم وطريقة عرضها للمتلقي إضافة إلى دراسات مستفيضة حول نشأة الكتابة وتخصيص كل نوع من الخطوط بدراسة وافية ومن بين تلك المقالات مقلة بعنوان "خط الثلث عبقرية أمة وإعجاز قلم" حيث أشرح من خلال هذه المقال أنواع خط الثلث وطريقة كتابته وأشهر الخطاطين المبدعين في هذا النوع من الخط».

يجعل الحروف وكأنها كائن حي

وتحدث عن موهبة الخط العربي فقال: «إن الخط كالكائنات الحية يجب التعامل معها في أوقات مخصصة وتكون القابلية في كتابة اللوحة أشد استعدادا وأكثر إبداعا، ذلك أن فن الخط مهنة مقدسة ونعمة من الله تعالى وهي قبل كل شيء موهبة خصها الله لبعض عباده، لذلك يجب علينا أن نبذل الجهد والوقت في سبيل رفعة هذا الفن، لكونها إحدى تراث العالم العربي والإسلامي التي يجب أن يبذل لها الغالي والنفيس في الحفاظ عليها والاهتمام بها لتكون لنا البوابة نحو التلاقي مع الآخر».

وفي حادثة طريفة حدثت مع الخطاط "معصوم" قال: «بينما كنت جالسا في مشغلي ومستغرقا بانسجام في تخطيط لوحة بالقصب وإذا بأحد المارة يدخل عليّ ويسلم ويجلس وينظر إلى تخطيطي للكلمات بكل شغف واهتمام، ودفعني إعجابه بخطي إلى أن أظهر له كل ما أملك من مهارتي في الخط فتركت اللوحة التي بين يدي وأخرجت ورقة بيضاء كتبت لهذا المعجب على هذه الورقة اسمه الكامل بأنواع عديدة من الخطوط كي يزداد حبا بهذا الفن وتكريما له لأنني كنت أتأمله مثقفاً يحترم أصول الخط العربي ويقدره، وبعد أن انتهيت من تخطيط تلك اللوحة، حيث أصبحت غاية في الجمال وسجّلت بالقلم الرفيع أمام كل سطر نوع الخط وأعطيته اللوحة وقلت له هذه اللوحة هي لك مكتوب عليها اسمك الكامل بأنواع مختلفة من الخط العربي، دهشت كثيراً من جوابه ووقع كلامه في سمعي كالصاعقة وسقط قلم القصب من يدي عندما قال لي أنا لا أجيد القراءة ولا الكتابة».