«الأديب يكتب ذاته حين يكتب للعالم، به يتمرأى ويكتشف الجمال والقبح والظلم والحب، ويبحث عن حقيقة مغايرة»، هذا ما تحدث به الكاتب "مضر حمكو" عندما التقاه موقع eHasakeh في الحوار التالي:
** الكتابة بشكل عام والكتابة الإبداعية بشكل خاص، هي كما أرى مخاضاً يفضي إلى ولادة لحظة الكتابة، في تجربتي هي لحظة لم ترتبط بالمخاض الذي يسبق الانبثاق، فالكتابة هي حَبلٌ للروح بلا دنس، حبل الروح من العالم، والروح إذ تلد تغتسل بماء الماهية من درن الوجود، وبالتالي في لحظة الكتابة نحن إزاء كيمياء النفس التي توظف جميع قواها في لحظة الخلق هذه، أي لحظة الولادة، ونحن أمام تعامل الذهن والعاطفة والخيال، تفاعل المرئي واللامرئي، صراع الوجود والماهية، والواقع والمثالي، المادة والشكل، هكذا تضع الروح وليدها على طريق آلام طويلة نحو الصعود إلى الماهية، بين الألم والحنين، بين الشك واليقين، بين السؤال واللاجواب، هذا هو مناخ كتابتي وعالمها الذي ينوس بين الذاتي والموضوعي، بين الخاص والعام، بين الفرد والجمع، بهذا المعنى حينما أكتب، فأنا أنزف كأم تغسل بالنزف وليدها، إذ الكتابة هي لحظة نزف وولادة بالتلازم والضروري، لأنها لحظة خلق لشيء ما، لعالم ما لوجود ما متخيل، كأننا نضع جسداً حبرياً لأرواحنا بهذا المعنى لا سعادة لي في الكتابة، السعادة مجرد توقف للنزيف.
** ثمة عوالم متنوعة أسهمت في تكوين عوالم النص أو العالم الأدبي الذي أسعى لخلقه، وإكسابه ملمحاً أريده أن يحبل بصمتي وينطبع بطابع كينونتي الذاتية، في انجدالها مع الموضوع ووحدتها مع العالم التي تستلزم بالضرورة انفصالاً يؤسس لإعادة وصل من جديد، إذاً هو عالم الذات والآخر، عالم الحياة والواقع واقع البشر على اختلافاته وتنوعه وتعارضه، عالم الممكن الذي هو عالم الحب والحق والخير والجمال، الماضي حيث الطفولة والتراب والطين، وأغاني أمي... القطيع العائد عند المغيب... والطفولة الناقصة والمبتورة غير المجهزة بالألعاب الالكترونية إنها الطفولة غير الالكترونية للطفل الراعي، الذي يعتقد أن الكون قد ولده مع خروفه أنه الراعي الطفل الذي يعي ذاته بوصفه راعياً كونياً، واقع البشر والحياة والمجتمع واقع الظلم والتباين، الفقراء وعواطفهم... المرأة والحب... مستقبل الذات وتاريخها مصير الإنسان والبحث عن الماهية.. سؤال الماهية والموت والعدم كذلك سؤال الحياة والخلود.
** يشكل الامتلاك لقواعد وأدوات الكتابة شرطاً ضرورياً ولازماً، لكنه غير كاف لممارسة العملية الإبداعية، فهذا الامتلاك ينبغي أن يكون شكلاً مؤطراً لروح الكتابة التي هي موهبة المبدع أو الكاتب، بالتالي لا بد من أدوات وقبل ذلك لا بد من موهبة وإلا نحن أمام تصنيع باهت وهياكل حبرية باردة لا حياة فيها ولا إبداع، ولو كان الأمر مجرد امتلاك لقواعد وقوانين الكتابة لكان جميع المختصين في اللغة والأكاديميين كتاباً في مجال الأدب، إذاً ليس الأمر مجرد صنعة بل هو موهبة استنطاق اللغة وتفجيرها من الداخل، لخلق عوالم جميلة ومحلقة إضافة إلى كونها معبرة.
* لماذا تكتب؟
** لأني اختنق.. وأتألم.. واهدم.. وابني.. ولأنني أسأل وأشك وأبحث عن الماهية لأمنح الكينونة وجوداً مختلفاً في العالم والتاريخ، حين انتهي من كتابة قصيدة أشعر بالتوازن الذي يعقب النزيف، أرتاح من آلام الولادة ومن وضع الأسئلة في مهب الكون، أهدم الواقع كي أعيد بنائه فنياً واصنع علاقة بديلة للذات مع الأشياء وللأشياء فيما بينها، أصرخ من نفسي لنفس.. ومن البشر للبشر.. ومن الوجود للماهية.. ومن الحاضر للغائب.. ومن النسبي للمطلق، أسأل اللامرئي والمطلق ليندرج في مبدأ حق وخير وجمال، أكتب من أجل استعادة الذات المقيدة في العالم أكتب ونكتب جميعاً لعلنا نوجد يوماً داخل التاريخ، تاريخ الروح.
** ليس ثمة كتابة دون مفاعيل البيئة والوسط الذي يعيش فيه الكاتب، العالم هو جسد المبدع هو جسد الإنسان والمبدع خاصة، به يعي ذاته وبه يكون منه، يستمد مادة الكتابة منه وبه يتألم ويفرح ويحزن ويراكم، ويسأل ويصرخ ويتلذذ.
يذكر أن الكاتب "مضر سلطان حمكو" مقيم حالياً في مدينة "الحسكة" وموظف لدى دائرة السجل المدني فيها وشارك في العديد من المهرجانات الأدبية يعمل الآن على نشر مجموعته الشعرية الأولى وقد نال جائزة "مهرجان" رابطة الخريجين الجامعيين في "حمص" بالمركز الثالث 2008 والمركز الثالث في مهرجان "الخابور" 2009.