لأن الفقر نهش طفولته نراه اليوم يرمم قلوب الفقراء والمحتاجين بيده المفتوحة للحب والخير، ويرى "سميح حيدر" أن واجبه مساعدة الطلبة في الوصول لامتحاناتهم وتشجيعهم على التفوق لتحقيق أحلامهم، كونه لم يحقق حلمه في التحصيل العلمي.
الحرمان دفعه لإعادة بناء نفسه
عانى فقدان الرعاية وذاق اليتم بأنواعه، /الأم والعمة والجدة/ فلم يكمل "سميح حيدر" المولود في قرية "بري الشرقي" 1955 تعليمه نتيجة ظروفه القاسية، فعمل بالأعمال الحرة ليكسب قوت يومه، ولكنه رفض الخضوع لهذا الحال، هاجر في أوائل الثمانينيات إلى "المملكة العربية السعودية"، وعمل في نجارة الباطون والبلاط لمدة 15 عاماً ثم تركيب الرخام، ثم بالمقاولات، وبعدها مشرف زراعي منذ 15 عاماً وما زال.
يتحدث حيدر لمدونة وطن عن طفولته قائلاً: توفيت والدتي ولم أكمل السابعة من عمري، ولا أذكر من وجهها إلا بصيص ضوء على وجه الغيم، فاحتضنتني عمتي لسنتين فقط؛ لأنها تزوجت بعدها، لأجد نفسي كريشة هشة ضعيفة مرميّة في حضن جدتي التي هاجمها مرض الزهايمر، ثم سرقها الموت مني، ولم أبلغ الحادية عشرة من عمري، وتزوج أبي ولم أجد حضناً دافئاً ولا كفاً حنوناً تخفف يتمي، فخرجت من المدرسة لأعمل حراً، وتابع حديثه: اتخذت قراري في محاربة الفقر الذي ينهشني، سافرت إلى "المملكة العربية السعودية" في أوائل الثمانينيات، وعملت في أعمال البناء كالبلاط ونجارة الباطون لمدة 15 عاماً ثم في تركيب الرخام لمدة سبع سنوات، ثم عملت بالمقاولات لمدة عشرة أعوام ثم مشرف زراعي منذ 15 عاماً وما زلت فيه.
وأضاف: من خلال اطلاعي على الواقع الصعب لأهالي قريتي قررت مساعدتهم انطلاقا من واجبني الاجتماعي وعلاقات المحبة التي تربطني بأهل قريتي عبر تقديم ما يخفف عنهم، وخاصة للمحتاجين والفقراء، ومن تجاربي الخاصة أؤكد أن السعادة الحقيقية تأتي من مساعدة الآخرين وتحقيق الخير لهم، وهذا العمل جزء أساسي من القيم والأخلاق التي تربينا عليها في بيئتنا الريفية.
مبادرة ترسم السعادة على وجوه الأطفال
المعلمة "لينا أمين"، من مواليد "سلمية"، 1990، معهد إعداد مدرسين اختصاص رسم، متطوعة في عدة جمعيات خيرية، أضافت عن "سميح حيدر" قائلةً:
" عرفت "سميح حيدر" أثناء حضوره معرضاً يشارك فيه حفيده الطفل الموهوب "مجد" مع عشرين طفلاً ، فقدم لهم عدة هدايا رمزية زرعت الفرح في قلوبهم فأزهرت ابتساماتهم، وساهم في إدخال السعادة لقلوب ثلاثين طفلاً من ذوي الاحتياجات الخاصة في المركز، حيث قدم لهم الهدايا والحلويات، وأشارت إلى أن هذه المبادرات الخيرية مهما كانت بسيطة لكنها تترك أثراً طيباً في النفوس فتمسح الحزن في ظل الظروف الصعبة التي تمر على بعض الأسر الفقيرة في مجتمعنا، وهي دعوة للخير ودعوة لكل من يستطيع أن يزرع الفرح في القلوب الحزينة.
نموذج وقدوة مجتمعية في قريته
المهندس "جودت زينو"، 66 عاماً، تحدث عن سميح قائلا : "سميح" من أصدقاء الطفولة، لم يكمل دراسته بسبب فقره ويتمه والحرمان من أبسط الأمور، فعمل منذ طفولته خارج البيت، وصار يعمل في الحصاد وقطاف القطن وتعشيب المزروعات، وعندما شد عوده عمل في مؤسسة الإسكان عاملاً يومياً في البناء ونجارة الباطون، ولكن هذا العمل لم يعطه كفاف يومه؛ فسافر إلى "لبنان" ليعمل في معامل إنتاج بلوك البناء، وقص الحجر فأصيبت ركبته، فقرر السفر إلى "السعودية" التي احتضنته منذ أربعين عاماً، وتابع كلامه: في السعودية اشتغل عدة أعمال استقر فيها على العمل الزراعي، إنه إنسان كريم؛ وحكيم، ومحترم، ترك بصمة واضحة في قريته حيث يذهب إلى الصيدليات ويدفع فاتورة كل المرضى الذين استدانوا الدواء، ويكافئ المتفوقين في الشهادات، أتمنى من الله أن يطيل عمره ويديم الصحة والعافية عليه، إنه نموذج يحتذى به في مجتمعنا المحتاج.
إلى جانب المحتاجين والفقراء دائما
وأضاف "فادي حيدر" ابن أخ "سميح حيدر"، 47 عاماً ، عامل حر" لم يترك عمي مكاناً محتاجاً إلا وزرع الخير فيه، قدم لأكثر من مرة مازوتاً لوحدة المياه في "بري الشرقي"، وغطى حاجة مبرة التعازي في القرية بالكراسي والطاولات وتصليح الأعطال على حسابه الشخصي، وقدم القرطاسية الكاملة لطلاب مدرسة ناجح موسى بالقرية، ومبالغ نقدية للمحتاجين شملت 120 عائلة، وكذلك وقف إلى جانب المرضي الذين يحتاجون عمليات جراحية، ودفع ثمن الدواء في الصيدليات للعاجزين عن دفعها، كما تكفل بدفع ثمن صهاريج المياه لعدة مرات، وساهم في نقل طلاب الثالث الإعدادي لمراكز الامتحان في "سلمية" على نفقته الخاصة، لعدة سنوات، عمي كف بيضاء في قريتنا الفقيرة، طيب وحنون، أتمنى دوام الصحة والعافية".
"حسن عبود"،50 عاماً، موظف في مؤسسة الكهرباء أضاف عن مبادرة "حيدر" قائلاً:" من خلال موقع مدونة وطن أقدم جزيل الشكر للأخ الراقي والمحترم "أبو هذال" لدفعه أجور نقل طلاب الثالث الإعدادي من "بري الشرقي" إلى مراكز امتحاناتهم في "سلمية" ولاسيما أن ابنتي "ميمار أحد هؤلاء الطلبة، ما أسهم في تخفيف العبء المادي عن أولياء الأمور وفي وصول الطلاب إلى امتحاناتهم بيسر وسهولة ".