تحجز الكاتبة هدى فاضل مساحتها الإبداعية في المشهد الثقافي السوري، بما أنجزته من أعمال روائية متتابعة بدأت بـ "الوقت" عام 2019، و"عن مطر لنا" في العام نفسه، ثم "ملل/شظايا فراغ" عام 2023، وصولاً إلى "حمل عن سابق إصرار" الصادرة عام 2025، إضافة إلى روايتين لليافعين ستصدران عن دار نشر بوك لاند ضمن خطة عام 2026.

وهكذا، رواية تلو الأخرى، ترسّخ فاضل حضورها في الأدب السوري الحديث. غير أن الرواية، كما تقول في حديثها لمدوّنة وطن، ليست شغلها الإبداعي الوحيد ؛ إذ خاضت مجال كتابة السيناريو للفيلم السينمائي والدراما التلفزيونية، وكتبت أيضًا نصوصًا مسرحية تؤكد سعة تجربتها وتنوّع أدواتها الفنية.

استيلاد الحكاية.. من ألف ليلة إلى الحاضر

من مؤلفات هدى فاضل

تنحدر هدى فاضل من مدينة السلمية ، المدينة التي عُرفت بكثرة شعرائها، لكنها اختارت مسارًا إبداعيًّا مختلفًا، هو الحكاية – الرواية ، التي ترى فيها امتدادًا لفنّ السرد كما توارثه العرب منذ ألف ليلة وليلة .

يقول الناقد محمد كامل الخطيب عن تجربتها:"هدى فاضل تكتب وفق تقنية الحكاية التي تستولد حكاية، إلى ما لا نهاية؛ تمامًا مثل بابٍ يؤدي إلى باب، وسؤالٍ يوصل إلى سؤال، ومتاهةٍ تنفتح على أخرى... فالرواية عندها هي الحياة ذاتها، لأن الحياة حكاية تستولد حكاية."

الاديب علي عبدالله سعيد و الناقد عمر جمعة والروائي علي محمود

ويستشهد الخطيب بما قاله الروائي الإنجليزي سومرست موم (1874 – 1965) : "الكتابة الروائية هي القدرة على الاستطراد" وهو ما يجعل فاضل – في نظر النقاد – أقرب إلى مدرسة السرد المتشعّب الذي يجسّد حركة الزمن وتحوّلاته.

عن مطر لنا.. الرواية التي نجت من زمنها

الكاتبة هدى فاضل

في قراءته لروايتها "عن مطر لنا"، يرى الروائي علي عبد الله سعيد أنها استطاعت أن تنجو من السقوط في أسر الزمن الماضي وتبعاته المثقلة على الخطاب الروائي العربي.

ويضيف:"تتحرك الرواية مكانيًّا بين القرية على أطراف البادية السورية ودمشق، ثم تعود إلى القرية، في زمنٍ متكسر لا يسير بخطٍّ مستقيم، وصولاً إلى السعودية زمن أزمة الربيع العربي وانعكاساته على الشخصية السورية المحورية."

ويصف سعيد لغة الرواية بأنها دافئة وحميمة، مشبعة بروح النوستالجيا السورية الممزوجة بالغربة، ويؤكد أن فاضل نجحت في تجنّب ما يسميه "مصيدة رواية الأنثى"، إذ تناولت شخصياتها بحياد تام، بعيدًا عن استدرار العطف أو الخطاب العاطفي التقليدي في الرواية النسوية، معتمدة على بورتريهات سردية سريعة وحارة الألوان أشبه باللوحات الفنية.

مفاجأة المرآة.. حياد إيجابي في زمن الحرب

أما الناقد عمر جمعة فيصف رواية "الوقت" بأنها عمل ينهض على كثافة الدلالات لا كثافة الأحداث، مشيرًا إلى أن قوتها تكمن في تعدد الشخصيات التي تمثل كلٌّ منها عالماً قائماً بذاته، دون تبئيرٍ أو تمركز حول شخصية واحدة كما في المدرسة الواقعية الاشتراكية.

ويضيف جمعة:"ما يميز قلم هدى فاضل هو الحياد الإيجابي. فهي لم تكن موظفة عند أحد، بل كانت موظفة عند وطنها. كتبت من قلب الحرب، لكنها لم تنحز سياسيًا أو أيديولوجيًا، بل انحازت للإنسان السوري الذي عانى وحده ويلات الحرب."

ويرى أن روايتها تُدين الجميع بالقدر نفسه، لأن ردات الفعل المبالغ فيها من جميع الأطراف أدت إلى خراب الوطن. ويختم قائلاً: "حتى إن الإنسان السوري في روايتها، فاجأته صورته في المرآة وقد غدا رجلاً منتصرًا مهزومًا، مقتولًا وقاتلًا في آنٍ واحد."

حمل عن سابق إصرار.. فلسفة الصراع الداخلي

في روايتها الأحدث "حمل عن سابق إصرار"، تقدّم هدى فاضل سردًا جدليًّا يزاوج بين فلسفة التحوّل الإنساني والتجريب اللغوي.

يقول الروائي علي محمود في قراءته للعمل:"تُفعّل فاضل المفردات بميكانيكية شعرية، وتجمعها بصيغٍ منكّهة بفلسفة فطرية عميقة عن صراع النفس البشرية مع المتغيّرات. في روايتها عتمة إشراقية تلفحنا كأمٍّ متعبة، لكنها أمّ مبدعة."

ويضيف:"من الصفحة الأولى نلتقط عبثًا أنيقًا على إيقاع أنثوي مائيٍّ عاقلٍ مضطرب، لا يخضع لسلطةٍ أو قيد. فالراوية تُسخّر لغتها لتهكمٍ رفيع على القوى القهرية الظالمة، وتؤكد أن الكتابة فعل تحررٍ وانعتاق."

ويرى محمود أن فاضل تعيد تأنيث اللغة في لحظات خاطفة، تُعيد للقارئ طزاجة الصورة وحرارة التعبير.

عن دائرية الوقت.. الرواية كمرآة للحياة

أما روايتها "الوقت"، فتتخذ بنيةً سرديةً دائرية محكمة. تبدأ من معرضٍ للصور الضوئية وتنتهي في المكان ذاته، بعد أن تعيد صياغة الحياة والواقع كما يعيشه الإنسان السوري في أتون الأزمة.

تسرد فاضل واقع القتل والدمار والتشرّد والضياع بلغة إيحائية بعيدة عن المباشرة والتقريرية، ما يجعل القارئ يتعاطف بصدق مع شخصياتها، ويتابع بانجذابٍ قصة عاشقين عنيدين مكابرين في وجه العاصفة، في سردٍ يمزج بين التشويق والإمتاع والدهشة.

بين الرواية والمسرح والسيناريو، تنسج هدى فاضل مشروعها الأدبي بخيوطٍ من الوعي والجرأة والتجريب.

هي كاتبة تعرف أن الحكاية لا تنتهي، وأن كل رواية تستولد أخرى، تمامًا كما تستولد الحياة ذاتها دهشتها من جديد، في زمنٍ يحتاج إلى من يكتب بصدقٍ عن الإنسان قبل كل شيء.