لم تكن نشأة النحات علي عطية فخور في أسرة تعمل بالزراعة مجرد تفصيل عابر في حياته، بل شكّلت البذرة الأولى لتجربته الفنية. فابن مدينة سلمية بمحافظة حماة، المولود عام 1972، وجد نفسه منذ الطفولة بين الأرض والحجارة، يتأمل تشكيلاتها ويمنحها حياةً أخرى بيديه. وفي العاشرة من عمره صنع أول عمل نحتي من الجبس، فلاقى التشجيع، وكان ذلك شرارة الانطلاقة نحو مسيرة فنية امتدت عبر عقود، وازدانت بالعديد من المعارض الجماعية والفردية.

الفن.. ولادة من المعاناة والحلم

في أعماله تتجاور الأسطورة مع الواقع، منطلقاً من انتمائه إلى المدرسة الركامية، التي وجد فيها ذاته وصاغ عبرها رؤيته الفلسفية والفنية العميقة، مجسداً عبارته الشهيرة في الركامية: "وجدت نفسي، ومن تفاصيلها نسجت المستقبل"*. شارك بمعارض داخل وخارج القطر، وحظي باهتمام وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، ونال التكريم والجوائز عن مشاركاته.

مجموعة أعمال من نحت النحات علي فخور

فحين تختلط الأرض بالتاريخ والوجدان، يخرج الإنسان حاملاً حلمه بكفّيه وأدوات نحته، ليعيد صياغة الذاكرة بالحجر والمعادن والرخام. ويتابع النحات "علي عطية فخور" في حديثه لمدونة وطن قائلاً: "إن العمل الفني الحقيقي يولد من المعاناة والرمز والحلم، وأرى النحت حفراً في الروح قبل الحجر".

المدرسة الركامية.. تجارب وصقل المواهب

الفنان التشكيلي النحات أيمن السليم

تعتمد هذه المدرسة على تراكم التجارب الطويلة والممارسة الدائمة، التي تنتج فناناً وعملاً جميلاً ربما يوازي أعمال الفنانين العظماء، كما أوضح فخور. وتابع حديثه:

"قمت بتأسيس هذه المدرسة لتكون انتماءً للفنانين المبدعين من غير الأكاديميين، أي الهواة للمدارس الفنية. ورغم الملاحظات العديدة على هذه التسمية، التي استوحيتها من الآية الكريمة في سورة النور: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ). وهكذا من أنعم الله عليه وولد موهوباً ومسكوناً بالفن، فإنه بنتيجة التدريب والتمرين تتراكم الخبرات وتزداد مهاراته، فيمتلك أدواته بقوة وإتقان فيصبح فناناً عظيماً. وهذا ما وجدت عليه ذات نفسي منذ طفولتي، ومحاولاتي في صناعة المجسمات، وشغفي بالنحت. فأنا أحاور المادة الصلبة بيدي، وأحوّل الحجارة إلى حياة ناطقة، وهي نافذتي الحرة على الجمال المشبع بالفلسفة الإنسانية".

من أعمال النحات ومشاركته في المعارض

حضور واسع في المعارض الجماعية

وتحدث فخور عن مشاركاته والمعارض التي أقامها قائلاً:

"شاركت في أكثر من 67 معرضاً جماعياً، وأقمت ستة معارض فردية، وشاركت في ستة معارض دولية حاملاً اسم بلدي "سورية" إلى المنصات العالمية. وآخر مشاركاتي كان في مهرجان الملتقيات العالمية للرياضة والفنون في "دبي" عام 2025، بمشاركة 50 دولة و125 فناناً تشكيلياً، بعمل أسميته "مدن النرجس"، الذي يجسد الحالة الإنسانية في ذروتها حين نهتم بكبار السن، وهو عبارة عن عمل رخامي بارتفاع 50 سنتيمتراً".

وأضاف فخور: "نلت جائزة (Art of Land) في الدنمارك، مع إصدار كتالوغ خاص من وزارة الثقافة الدنماركية، وتكريم من مهرجان الفنون العالمي في لشبونة، وتكريم من مهرجان إيزيس الدولي في دار الأوبرا المصرية، وتكريم من معرض هاتاي في تركيا، وتكريم من وكالة تطوير الإخبارية في العراق".

منحوتات شاهدة على الأسطورة والمعاناة

وبين فخور: "إن منحوتاتي ليست مجرد كتل صامتة، بل شواهد على الإنسان ، من بينها: (أم سعد) المستوحاة من رواية غسان كنفاني، والتي اقتناها اتحاد الفنانين السوريين، و(سارق النار) حيث يستحضر أسطورة بروميثيوس في تحدي القيود، و(سلسلة العرش 1، 2، 3) التي تجمع الرمزية بالتجريد في رؤية سريالية ركامية، و(قلب أمي) وهو عمل شخصي نادر من الرخام التركي القاسي يوثق لحظة وجع إنساني عميق، و(هيلين 2) وهي منحوتة أسطورية بيعت في الولايات المتحدة الأمريكية، و(الحلم) وهو تمثال صغير مرشح للتنفيذ بحجم أكبر في المستقبل".

أسلوب متفرد وبصمة جمالية خاصة

وتحدث النحات والفنان التشكيلي السوري أيمن السليم (1962) عن الفنان والنحات علي فخور قائلاً:

"يُعد الفنان والنحات الراقي علي فخور من الأسماء المبدعة والفاعلة على الساحة الفنية، حيث يتميز بأسلوب متفرد وبصمة جمالية خاصة تميزه عن غيره من النحاتين. وقد شارك في معارض داخل القطر ومعارض دولية، حقق ذاته من خلالها وأثبت جدارته كفنان قدير. إنه صاحب تجربة ثرية تستحق الاحترام والتقدير".

وأضاف: "يستعيد فخور من خلال أعماله الإرث القديم والتاريخ والحضارة الإنسانية السورية، ويرتبط فنه بواقع الحياة وهمومها، حاملاً رسالة في حب الوطن".