بعد أساطير الفن في سوريا والعالم العربي الراحلين "أسمهان، وفريد الأطرش، وفهد بلان"، ودّعت السويداء يوم السبت الواقع في 13 أيلول 2025 آخر فنان من عمالقة الطرب الشعبي والغناء الفلكلوري السوري الذين شكّلوا في الذاكرة الوجدانية والإبداعية مكانةً لا يمكن للذاكرة الفنية في القرن الماضي أن تذكرهم دون المرور على الفنان الراحل داوود رضوان، الذي غادرنا بصمت وهدوء دون أن يشعر محبّوه بمعنى ودلالة الفراق الساكن.

يقول الزميل معين العماطوري عرفت "داوود رضوان" قبل ثلاثة عقود، وتجسدت معرفتي به حينما كنت أعدّ كتابي (فهد بلان الفنان الإنسان) الصادر عام 2005، وربما كانت فرحته بالكتاب لا تقل عن فرحتي به، وفاءً منه لرفيق دربه الطويل بلان.

من عصر عمالقة الفن

عن مسيرته، قال الفنان "معن دويعر" نقيب الفنانين في المنطقة الجنوبية لموقع مدوّنة وطن eSyria: إن الفنان الراحل "داوود رضوان" هو واحد ممن عاصر العمالقة، حيث بدأ مشواره الفني في أواخر ستينيات القرن الفائت بغناء قصيدة لعنترة العبسي. وحين لم يجد نفسه في غناء القصائد اتّبع طريق الأغاني الشعبية الدارجة، فاستعان بملحنين سوريين كبار أمثال: "عبد الفتاح سكر، وسمير حلمي، وسهيل عرفة، ونمر كركي، وسعدو الذيب"، واستطاع أن يجد لنفسه مكانة بين عمالقة الغناء في سوريا والبلدان العربية...

معن دويعر نقيب الفنانين في المنطقة الجنوبية

وتابع دويعر حديثه: حمل الراحل "رضوان" صلابة البازلت وأصالة السنديان، وعطاء كروم العنب والتفاح، وصدح بصوته الناعم بتلك الأغاني التي ما زالت في الذاكرة تذكرنا بالزمن الجميل من الأغاني الشعبية الفولكلورية التي حقّقت حضوراً شعبياً. ومن أبرز الأغاني الجميلة التي صدح بها وما زالت تعيش في ذاكرة الجمهور: «ثلاث غزلان بعيني»، «كلك ورد»، «هي لبيبة»، «ولّعتني بالهوا»، «يا ديرتي»، «يا عوّاد دوزن عودك»، «أيا مكتوب روح للمحبوب»، «آه يا معلّم»، «الأصايل»، «فوق ظهور الخيل»، «يا سعدة»، «يا هلا»، «هي هي يا غالي»، و«جتنا تبرقع».

مهرجانات و جوائز

وأوضح دويعر أنه شكّل ثنائياً مميزاً مع الشاعر والملحن "مالك نمور"، وقدّم له الأخير العديد من الأغاني كلاماً وتلحيناً.

الباحث في التراث سلمان البدعيش

وأكد دويعر أن الراحل حصل على العديد من الجوائز خلال مشاركته في المهرجانات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: مهرجان مسابقة الأغنية السورية عام 1975 حيث نال الميدالية الذهبية عن أغنية «كلك ورد». وفي عام 1980 شارك في «مهرجان الفاتح» في ليبيا وحصل على الميداليتين الذهبية والفضية، كما شارك رضوان في مهرجان «قرطاج» في تونس و«الأزرق» في الأردن، إضافة إلى مشاركته في مهرجان الأغنية العربية ثلاث مرّات، ومهرجان «رادوكا العالمي للفن الفولكلوري» في موسكو، حيث فازت اللوحة الغنائية التي قدّمها بالمرتبة الأولى وهي من إنتاج التلفزيون السوري.

ولا يمكن نسيان مشاركته في مهرجان الأغنية الوطنية في قلعة حلب وحصوله على المرتبة الأولى عن أغنية «تربة وطنا ما نبيعها بالذهب».

الراحل داوود رضوان

كما أحيا الراحل عشرات الحفلات الفنية في السويداء والمنطقة الجنوبية، إضافةً إلى حفلات مشتركة في سورية ولبنان مع كبار المطربين أمثال: فهد بلان، وصباح فخري، وميادة الحناوي، ونجاح سلام، وسميرة توفيق، وسمير حلمي، ومصطفى نصري، ورفيق سبيعي وغيرهم.

وفي مجال السينما كانت له مشاركة واحدة من خلال فيلم «المزيفون» عام 1975 مع الفنان الكبير دريد لحام.

كان وفياً لأصدقائه ومعارفه

يذكر الباحث الأستاذ "سلمان البدعيش": كنت في مكتبي في نادي الفنون الجميلة عندما سمعت صوتاً ينطلق من الغرفة المجاورة، فناديت القيّم على النادي وسألته عن صاحب الصوت، فقال: "داوود رضوان". فطلبت منه أن يدعوه، فدخل وطلبت منه أن يسمعني ما كان يغنيه (وكانت أغنية لفهد بلان). أطربني صوته فقلت له: "ستغني في أول حفلة يقيمها النادي"، (وكانت في صلخد)، وراهنت على نجاحه كجواد رابح. كان ذلك في ستينيات القرن الماضي... نجح وانتشر على مستوى المحافظة إلى أن يسر الله له النجاح كمطرب في الإذاعة والتلفزيون السوري، فعمت شهرته سورية بأغانيه الجبلية، ثم امتدت إلى الوطن العربي. وقد ساهم إلى درجة كبيرة مع العملاقين صباح فخري وفهد بلان في خروج الأغنية السورية لتنتشر في أرجاء الوطن العربي.

وعن صفاته قال "البدعيش": كان وفياً لأصدقائه ومعارفه، وكان يطوقني بالجميل والوفاء عندما كان يعلن في أي مقابلة تُجرى معه بأنني كنت من اكتشف موهبته وأخذ بيده، وهذا من شيم الأوفياء. كان لي الشرف مزاملته في نادي الفنون الجميلة، ثم في جمعية أصدقاء الموسيقا، واستمرت صداقتنا حتى هذا اليوم الذي غادرنا فيه دون أي إنذار أو إعلان أو استئذان. رحمه الله.

جمعية "دنيا الفن"

الملحن "مالك نمور" الذي عاصره لأكثر من ثلاثة عقود وهو أمين سر جمعية "دنيا الفن" التي أسساها معاً، أوضح أن التعامل الفني مع فنان كبير بمكانة "داوود رضوان" يجعل الكاتب والملحن يسبح في فضاء واسع من الإبداع للتعبير عما يختلج في قلبه. وقد شاركته في تأسيس جمعية "دنيا الفن" بالسويداء التي ترأس مجلس إدارتها منذ تأسيسها حتى رحيله، حيث عملنا على مساعدة العديد من المواهب الشابة والفنية، وأقام الراحل العديد من الحفلات في المناسبات.

وأضاف الملحن "نمور": تميز صوته بالنعومة والعُرَب الصوتية الساكنة، وكان يحمل قدرة تعبيرية على ربط الكلمة باللحن بشكل جمالي. فقد تنوع في طبيعة الغناء، حيث غنّى للأرض والوطن والجمال، وتميز بالفلكلور الشعبي والتراثي. الرحمة لروحك أبا مجدي، وستبقى في الذاكرة أيقونة فرح ومحبة، فناناً وصديقاً ومبدعاً.

محطات مضيئة في حياته

الجدير ذكره أن الراحل درس في نادي الفنون الجميلة في السويداء، ثم تقدم إلى الإذاعة والتلفزيون عام 1968، وعُيّن مطرباً. وكان واحداً من مؤسسي نقابة الفنانين في المنطقة الجنوبية، وشغل الفنان الراحل داوود رضوان منصب رئيس مجلس نقابة الفنانين في المنطقة الجنوبية بين عامي 1997 و2020، بعد رحيل مطرب الرجولة "فهد بلان". وهو من مواليد مدينة السويداء عام 1945، متزوج وله ولدان: الفنان مجدي وهو عازف وموسيقي، ومنى التي حملت من إنسانية والدها العمل الاجتماعي والإنساني.

ونعت نقابة الفنانين السوريين وفاة الفنان داوود رضوان بعد مسيرة حافلة قدّم فيها العديد من أغاني الفلكلور والتراث الشعبي التي ساهمت في نشر الهوية الغنائية السورية في الوطن العربي.