حمل مهرجان دلبة مشتى الحلو الثاني عشر للثقافة والفنون والذي أقامته مؤسسة الملتقى الثقافي الخيري في مشتى الحلو بالتعاون مع وزارة الثقافة ومحافظة طرطوس، العديد من النشاطات المتميزة هذا العام، والذي كان بعنوان "الثقافة السريانية"، ليأتي برنامج الملتقى حافلاً بالنشاطات الثقافية والفنية والرياضية.
امتداد للتراث
"لأننا لسنا أصحاب هوية من لون واحد، وبالتالي انتماؤنا ليس للون واحد، فنحن أصحاب هوية متعددة الألوان، وأصحاب إرث ثقافي تراكمي، فكان من الضروري الإضاءة على جميع هذه الألوان"، كما تقول المنسقة الإعلامية لمؤسسة الملتقى الثقافي الخيري في مشتى الحلو "رانيا عنتر".
تستهل المنسقة الإعلامية حديثها مع مدونة وطن بالإضاءة على عنوان وفحوى الفعالية "الثقافة السريانية"، وتقول: "نعمل على إيصال رسالة أننا نتاج ثقافي غني جداً، وبالتالي اتحادنا كمجتمع يجب أن يكون أقوى، فاخترنا الثقافة السريانية لهذا الموسم لنحافظ على صلة المشيمة مع الأرض، امتداداً للتاريخ السرياني والآرامي والعربي، ونكوّن هوية جامعة لهذه الألوان".
نشاطات متنوعة
تشير "عنتر" إلى تنوع وغنى النشاطات، فالفترة الصباحية تضمنت فقرات فنية مختلفة، منها فن الإيبرو (الرسم على الماء) وصندوق الحكايا والرسم على الخزف والخط السرياني وملتقى التصوير الزيتي بمشاركة فنانين عدة، منهم الفنان "يوسف عبدلكي ويوسف دحدوح وسامر إسماعيل"، إضافة إلى النشاط الرياضي، حيث قدم أطفال الملتقى بمشاركة أطفال من صافيتا عرضاً جماعياً للجمباز، إلى جانب النشاطات المسائية التي تناولت بشكل خاص الثقافة السريانية، فأُقيمت أول أمسية موسيقية في معمل الحرير لطلاب وأساتذة المعهد العالي للموسيقا، وتم تكريم عميد الموسيقا السريانية الراحل "نوري إسكندر" بعزف العديد من نوتاته بقيادة المايسترو "ميساك باغبودريان" بعنوان "تجليات نوري اسكندر"، ومشاركة لكورال الأرجوان وكورال سيدات النغم، إضافة للحضور المميز للباحث "غسان الشامي" الذي قدم ندوة ثقافية من وحي المناسبة.
وتتابع: "يشهد المهرجان تطوراً ملحوظاً عاماً بعد عام، رغم تواضع الإمكانيات، ومهرجان هذا العام خير دليل على ذلك، لكن لا بد من الإشارة إلى تصاعد وتضخم التكلفة التي تسبب عجزاً مالياً كل عام، ناهيك عن أننا مؤسسة تعنى بالشقين الإنساني والثقافي، ولا نريد ارتقاء شق على آخر، ومن منصة "مدونة وطن" نشكر جميع من آمن بهذا المشروع وقام بالتبرع".
وتختتم بالإشارة إلى التفاعل الاجتماعي الكبير، وتحقيق الغاية المطلوبة من المهرجان بجعله جسراً بين الحاضر والأمس العريق. والحض على التعمق بالثقافة السريانية والمحافظة عليها من النسيان أو الاندثار .
صندوق الحكايا
تتحدث "يمن أبو الحسن" من مؤسسة مشروع "صندوق الحكايا" عن اهتماماتها الغرافيكية، والتي تعنى بتصميم أقمشة ذات استخدام عملي، مثل المفارش والوسائد والأوشحة، ومن وجهة نظرها فالفن أشمل من أن يتقوقع في "صورة" بل يمكن أن يكون أشياءنا المتداولة في حياتنا اليومية، وبهذا نعيد استلهام الصورة الجمالية التي كانت تشتهر بها الأختام عبر التاريخ، وبناءً عليه تخرج "أبو الحسن" بتصاميمها من الإطار التقليدي، كما يهدف مشروعها إلى التقريب بين الفنان والحرفي، لتطوير الذائقة الفنية واستنهاض عناصر التراث في قالب معاصر ابتداءً من الأبجدية والزخارف حتى المشخصّات ما يخلق أفقاً واسعاً للإبداع.
وترى أن الفكرة من مشغل الحكاية الشعبية هي أرشفة حكايات المحافظات السورية وتجميع خصائصها، لتستلهم منها وتصنع منتجات بإعادة إحيائها بطريقة معاصرة على الأقمشة، ومثال على ذلك الكشاكيل الخاصة بالكتاب، وهذا ما شاركته في مهرجان دلبة مشتى الحلو، الذي تؤكد من خلاله على الذائقة الفنية والثقافية العالية لأبناء المنطقة، وعلى نجاح هذه الفعالية التي احتوت التراث السوري بحقباته المتلاحقة.
نشاط رياضي
وينوه "محمد عبدلله" وهو عضو ملتقى الفعالية الرياضية في مهرجان الدلبة للثقافة والفنون، ومدرب لعدة نشاطات رياضية فيها، بالدور المهم للفعالية الرياضية في مهرجان الدلبة للثقافة والفنون في السنوات السابقة، والتي حصل المشاركون خلالها على المراكز الأولى في ألعاب القوى على مستوى المحافظة، وتأهلوا للمنافسة على بطولة الجمهورية في الجري والوثب الطويل والكرة الحديدية، بالإضافة إلى محافظة الشأن الرياضي على مكانة مميزة لدى المجتمع المحلي.
ويضيف: "في هذا الموسم شارك الفريق الرياضي المؤلف من 60 رياضياً من البنين والبنات في عروض الجمباز والزومبا والرقص، من عمر 4 حتى 16 عاماً جاؤوا من قرى مشتى الحلو وصافيتا، بدعم وإشراف الملتقى الثقافي الحريص على إقامة دورات تدريبية لرياضة الجمباز في منطقة مشتى الحلو عامة، وقد يسر تجاوب أهالي الأطفال هذه المهمة وأعطى حافزاً إضافياً للاستمرارية.
ويختتم بجملة سريانية من وحي الفعالية تقول "دوروشو إيثاو حاية" وتعني: الرياضة حياة.
الرسم على الخزف
من نشاطات مؤسسة الملتقى الثقافي الخيري الثاني عشر "الرسم على الخزف" بمشاركة أطفال بفئات عمرية مختلفة، كما تحدث ألبير إسحق من دمشق، والذي
أشرف على عمل الأطفال الذين صنعوا بأصابعهم الصغيرة نماذج فنية اختزلت مواهبهم.
استعمل "إسحق" الطين ليشكل منه بمساعدة الأطفال قطعاً خزفية وفخاراً وجراراً وصحوناً، إضافة إلى رسم الأحرف السريانية على قطع الخزف أو تثبيتها ضمن قوالب.
تجدر الإشارة إلى أن الشاب"إسحق" يدرس الهندسة المعماريةوهو شغوف بالفن التشكيلي عامة، وفن كتابة الأيقونات بشكل خاص، وقد أسماها فن كتابة الأيقونات وليس رسمها، لأنها تعنى بكتابة الإنجيل المقدس بالألوان من خلال تحويل المشاهد الإنجيلية للوحات، ويعتمد في عمله على تقنية التيمبرا والإكليريك، وسيكون قريباً في إيطاليا لأجل معرضه الفني، ويرى أن مهرجان الدلبة من أرقى الفعاليات، ويحمل رسالة اجتماعية وحضارية، وقد نجح في تحقيق الغاية المرجوة .
بدوره "سرمد حنا" من منطقة مشتى الحلو والذي حضر معظم فعاليات المهرجان، يعبر عن إعجابه بالمستوى المتقدم للتنظيم واختيار البرامج الثقافية، وبنشاط الكتابة باللغة السريانية، وبالفِرَق الموسيقية التي عزفت وغنت التراث الموسيقي السرياني بشكل احترافي، ما خلق حالة من التفاعل غير مسبوقة، ويختتم بتشجيعه لفكرة استعراض الحضارات المتتالية على سورية في المهرجانات اللاحقة.