تزخر محافظة حمص بالكثير من المعالم والمواقع الأثرية ريفاً ومدينة، وتتوزع الآثار بين ما هو معروف ومتاح أمام السياح والمواطنين كالقلاع والمعابد والأسواق وغيرها، وبين ما بقي محفوظاً تحت الأرض لما يتم اكتشافه.

فسيفساء نادرة

مناسبة حديثنا هو اللوحة الفيسيفسائية التي أعلنت المديرية العامة للآثار والمتاحف عن اكتشافها في مدينة "الرستن" بريف حمص الشمالي، والتي تعود إلى القرن الرابع الميلادي أي للعصر الروماني، كما أكد مدير التنقيب في المديرية العامة للآثار والمتاحف، الدكتور "همام سعد" في حديثه لمدونة "وطن".

يقول "سعد" في شرحه عن تفاصيل اللوحة المكتشفة: "اللوحة بحالة حفظ جيدة، ويبلغ طولها 20 م وعرضها 6م، وهناك أجزاء أخرى من لم يكشف النقاب عنها بعد، يتجاوز عمر اللوحة 1600 عام، وهي ليست الأقدم بين اللوحات السورية، لكنها الأندر والأكثر اكتمالاً، وليس لدينا لوحة مشابهة".

وبين سعد أن اللوحة تحاكي ملحمة شعرية لقصة حرب طروادة، وتعتبر مع الأوديسا، أهم ملحمة شعرية إغريقية للشاعر الأعمى "هوميروس" أو أنه شخص واحد الذي كتب الملحمة، وتاريخ الملحمة يعود إلى القرن التاسع أو الثامن قبل الميلاد، وهي عبارة عن نص شعري ويقال إنه كتبها مع ملحمته الأوديسا. وقد جمعت أشعارها عام 700 ق.م. بعد مئة عام من وفاته، وتروي قصة حصار مدينة طروادة.

وعن المشهد الظاهر في اللوحة، يشير "سعد" إلى أنه" يظهر جنوداً يحملون أسلحة ودروعاً في وضعية القتال، مع كتابات يونانية، مع أسماء الملوك الذين شاركوا في حرب طروادة.

الدكتور همام سعد

و‎تعد "الإلياذة" أحد أعظم الملاحم التي كتبها الشاعر الإغريقي "هوميروس" في القرن التاسع أو الثامن قبل الميلاد، وتمثل الرؤية الملحمية الشعرية لحصار طروادة والحرب التي نشبت بين اليونانيين والطرواديين لمدة عشر سنوات.

حرب القناطير

ويتابع الدكتور "سعد" حديثه لمدونة "وطن" بالحديث عن لوحة أخرى مكتشفة تضاف إلى الأولى، وتبين أنها تعود للنصف الثاني من القرن الرابع الميلادي، ويعتبر المشهد الجديد نادر التمثيل ويعرف في الميثولوجيا اليونانية باسم “حرب القناطير”، مبيناً أن مشهد حرب القناطير يمثل مشاهد لمعركة بين سكان لابتيس اليونانية والقناطير المدعوين إلى حفل زواج، حيث عثر على أسمائهم اليونانية مدونة بجانب كل شخص.

دانيا سلامة

وعن أهمية المشهد الجديد المكتشف حديثاً، يلفت مدير التنقيب إلى أنه:"يعطي اللوحة أهمية استثنائية، وجاء استكمالاً لأعمال البحث والتنقيب في الموقع الأثري الذي تم فيه اكتشاف اللوحة الفسيفسائية في مدينة الرستن بريف حمص الشمالي".

ويضيف: "تعد لوحة الفسيفساء المكتشفة سابقاً في "الرستن" من أشهر وأهم اللوحات على مستوى العالم بما احتوته من مشاهد مهمة، بينها المشهد المركزي الذي يمثل الإله بوسيدون إله البحر، والمشهد الثاني الذي يمثل حرب الأمازونات".

صعوبات

ويؤكد الدكتور "سعد" أن "الفرق المختصة ستواصل أعمال التنقيب، حيث تعد منطقة الرستن غنية بالآثار وتحتضن بقايا من مملكة هيرتوزا التي يعتقد أنها أسست من الفترة الإغريقية واستمرت خلال المرحلتين الرومانية والبيزنطية، بالإضافة الى مجاورتها مملكة إميسا بحمص المشهورة بهذا الشيء.

ويقول: "بدأنا بأعمال التنقيب في مكان المنزلين الذين تم شراؤهما بالتعاون مع متحف (نابو) في بيروت للحفاظ على اللوحة وبناء متحف في المكان بالمستقبل، وهذا مشروع طويل الأمد حتى يتم الكشف عن اللوحة بالكامل وباقي الأجزاء، ونسعى لإيجاد تمويل أو متبرع لشراء منزل ثالث للانتهاء من أعمال المرحلة الأولى، ونتمنى أن يكون هناك أعمال جديدة نسبةً لأهمية مدينة الرستن التي يجب تسليط الضوء عليها والتي كانت مملكة (هيرتوزا) كما ورد في النصوص والمصادر".

ويشير مدير التنقيب الأثري إلى أن: "أعمال التنقيب المتبعة في محافظة حمص متوقفة حالياً كما باقي برامج المديرية العامة للآثار باستثناء أعمال التنقيب الطارئ وأعمال البعثات المشتركة الوطنية والأجنبية، فالأولوية حالياً لأعمال الترميم والتدخل الاسعافي لإزالة الخطر عن الأبنية المتصدعة نتيجة الحرب والزلزال، إضافة لأعمال التوثيق وهي من ضمن أولويات أعمال المديرية، ومن هذه الأعمال توثيق الأضرار بالمحافظة التي تقوم بها دائرة آثار حمص".

أهمية تاريخية

من جهتها، قالت عضو الجمعية العلمية التاريخية السورية، دانيا سلامة، لمدونة "وطن" إن: "للوحة المكتشفة أهمية تاريخية كبيرة، حيث تروي قصة حرب الأمازونيات (وهم بنات آريس إله الحرب) وأعضاء من مجتمع تحكمه النساء فقط، وكان هذا المجتمع بديل عن الذكور الاغريق حيث يمارسون جميع النشاطات من ركوب خيل والصيد والغزوات العسكرية، ولها تفسير آخر وهي إلهة القمر وتشير الى كاهنات القمر اللواتي استوطن على البحر الاسود وحملن السلاح.

وتابعت "سلامة" حديثها: "تعتبر اللوحة من اللوحات الهامة من الناحية الفنية والاثرية وهي استثنائية على مستوى العالم كونها الأكمل التي تروي قصة حرب "الامازونيات"، والتي تناولت موضوع المرأة بالمجتمع القديم، حيث كان لها مكانة خاصة مرموقة وكانت تساوى بالرجل بجميع مهامه عكس ماكنا نعتقد.

الجدير بالذكر أن مدينة الرستن تضم العديد من المواقع الأثرية القديمة التي تعود إلى العصر الروماني، ولا سيما القلعة التي تعرضت لأعمال تخريب ونهب وتنقيب غير مشروع عن الآثار من الجماعات المسلحة خلال فترة سيطرتها على المنطقة.