شَهِدَ مسرح الحمراء أهم عروض مهرجان دمشق المسرحي منذ انطلاقته عام 1969 حتى دورته الأخيرة قبيل الحرب عام 2010، كما قُدّمت على خشبته نتاجات المسرح القومي المتنوعة مع كبار الممثلين والمخرجين والفنيين، منها مسرحية "حرم سعادة الوزير" عام 1982 للمؤلف برانيسلاف نوشيتش والمخرج أسعد فضة، بمشاركة منى واصف وتيسير إدريس ويوسف حنا، ومسرحية "زواج على ورقة طلاق" عام 1974 للمؤلف ألفرد فرج والمخرج محمد الطيب، بطولة مها الصالح، ولا يزال إلى اليوم يستقبل العروض القادمة من المحافظات ونظيرتها العربية، إضافة إلى أنه المسرح الوحيد حالياً الذي يستوعب عروض مُختلف الوزارات والفعاليات والمُؤسسات.

صالة سينما

يستحضر جوان جان رئيس تحرير مجلة "الحياة المسرحيّة" تاريخ مسرح الحمراء الذي بُني في الأصل كصالة سينما في مرحلة ما بعد الاستقلال، ويقول في حديثٍ إلى "مدوّنة وطن": "مع تأسيس وزارة الثقافة عام 1960، وإطلاق (المسرح القومي) برزت الحاجة لوجود مسارح تُقدّم عليها العروض، فتمت إعادة هيكلة مسرح القباني بعد أن كان مستودعاً، كما توصل المعنيون إلى اتفاقٍ قانونيٍّ مع مالكي سينما الحمراء، يُتيح تحويلها إلى مسرح وضمّه إلى مديرية المسارح والموسيقا التابعة للوزارة، وهكذا توزعت العروض بين الخشبتين، بناءً على أعداد الممثلين وما يتطلب العرض من أمكنة ومَشاهد وتغيير ديكورات، مع الإشارة إلى أن القباني أصغر مساحة وأقل كإمكانياتٍ فنية".

ترميمٌ دوريٌّ

مع مرور الزمن أصبح مسرح الحمراء جزءاً من المشهد الثقافي المحلي، لأسبابٍ عديدة، أهمها موقعه في السوق الشعبي لمنطقة الصالحية في دمشق، واستقباله باستمرار عروضاً وفعالياتٍ منوّعة سوريّة وعربيّة، وهو ما تطلّب ترميمه عدة مرات، يشرح جان: "يخضع المسرح للترميم كل عشرة أعوام تقريباً، لكن عام 2003 كان الترميم جوهرياً، حيث أُوقِفت العروض عدة أشهر، وجُهزّت الكواليس بما يلزم إضافة إلى بناء غرف للممثلين والفنين وتركيب مرايا كبيرة، حتى أصبحت الأمكنة الخلفية والممرات عصرية ومُلائمة بعد أن كانت مُهملة، كذلك جرى توسيع الخشبة بشكلٍ يتناسب مع المساحة العامة وعدد الكراسي، لكن إحاطة الأبنية بالمسرح من كل الجهات، تجعل توسعته كليّاً أمراً صعباً".

الكاتب جوان جان والدكتور سمير عثمان الباش

مستوى احترافي

صالة مسرح الحمراء

لم يفرض المسرح القومي منهجية مُحددة في انتقاء العروض، لكنه وضع شروطاً تضمن مستوىً معيناً من الاحترافية في الأعمال المُقدّمة على خشبة الحمراء، وعلى ما يقوله جان: "تميزت عروض المسرح القومي بالجدية والالتزام، بينما كانت عروض المسرح التجاري الشعبي موجودة أيضاً في دور السينما التي استُخدمت كمسارح أيضاً، منها (السفراء، الخيام، الدنيا، الفردوس)، فلم تكن هناك حاجة بالتالي لتقديم المسرحيات التي تنتمي إلى هذا النمط الفني في الحمراء، وحتى لو حدث هذا فينبغي توافر شروط يُتفق عليها".

لكن مع غياب ما يُسمى بالمسرح التجاري منذ أعوام، كيف يُمكن توصيف عروض مسرح الحمراء؟، يُوضح جان: "يُمكن تقديم أي نوع من الأعمال المسرحية في الحمراء لكن مديرية المسارح والموسيقا حريصة على أن يكون لهذا المكان رونقه وحضوره عبر سوية فنية عالية أيّاً كانت الجهة المُنتجة، لذلك لا بد من العرض على لجنة مُشاهدة للقبول أو الرفض، إذ لا يُمكن تقديم عمل تهريجي أو سخيف مثلاً على خشبة وقف عليها كبار الممثلين السوريين والعرب".

جمهور إحدى المسرحيات

ضرورة الدعم

الدكتور سمير عثمان الباش مُؤسس مدرسة الفن المسرحي، أوّل مؤسسةٍ أكاديميةٍ خاصة في هذا الميدان محلياً، استعاد رحلاته من حمص إلى دمشق عندما كان يافعاً لحضور المسرحيات المُقدّمة على خشبة الحمراء، ولا سيما العروض المحترفة للمخرجين المعروفين أمثال أسعد فضة وتوفيق المؤذن، إلى أن ترجم وأخرج نص مسرحية المنتحر للكاتب الروسي نيكولاي أردمان، وقدمها عام 2017 على الخشبة ذاتها. يقول للمدوّنة: "الحفاظ على المستوى المعروف للعروض المُقدّمة في الحمراء ضروريٌ جداً، فعلى خشبته وقف مؤسسون ومبدعون كبار، وكانت لهم ولغيرهم تجارب وأعمال تركت صدىً كبيراً عند الجمهور، لذلك يجب دعمه باستمرار بما يلزم لمواكبة ما يستجد من تقنيات في الإضاءة الحديثة، وتجديد لواقط الصوت، والعمل على الستارة، وغيرها".

حلول مسرحيّة

ورأى الباش أن الخلط غير الصحيح بين العروض الاحترافية وغيرها من عروض الهواة مثلاً طال مسرح الحمراء، لكن لذلك أسباب، يشرحها: "تدني سوية العروض لا يعني تقصير الجهات الثقافية وإنما يعود إلى الظروف الاقتصادية السيئة التي نمر بها، والتي دفعت معظم المسرحيين للتوجه إلى الأعمال التلفزيونية المجزية مادياً، لذلك أعتقد أن ما فعلته مديرية المسارح بقيادة عماد جلول إنجازٌ حقيقي في ظل الأزمة، حيث لجأت إلى عدة حلول من أجل الحفاظ على الحراك المسرحي منها تشجيع الهواة والمبتدئين من خلال عدة برامج، وإقامة دورات تدريبية لرفع مستوى الفنانين الشباب، إضافة إلى دعم المسارح القومية والفرق في المحافظات، مع

تشجيع المسرحيين المحترفين على العودة إلى المسرح، وبالفعل أخرج أيمن زيدان خلال الفترة الماضية أكثر من عرض للمسرح القومي، وغسان مسعود وغيرهما".

فرقة لا مكان

التعاطي مع المسرح على أنه المكان، فكرة غير صحيحة برأي الباش، لأن المسرح هو الفرقة، مُضاف إليها ورشات اللباس والنجارة والفنيون والتقنيون وكل مستلزمات العمل المسرحي أي معمل صغير متكامل، وهنا تساءل عن عدم وجود فرقة مسرحية خاصة بالحمراء، رغم أن ملاك مديرية المسارح والموسيقا يضم ممثلين لا شك، لكنهم لم يشكلوا فرقةً مسرحيةً، وقال: "عالمياً لكل مسرح فرقته الخاصة، حتى لو استضاف فرقاً أخرى أو أعار خشبته، لكن هذه الظاهرة التي عرفتها سورية في بدايات عمل المسرح القومي، اختفت تماماً مع الزمن، يبدو أنها تحتاج دعماً، إذ يُفترض إن هؤلاء الممثلين موظفون يتقاضون أجوراً جيدة تسمح بالتزامهم مع فريق العمل، ومن جديد فالحالة الاقتصادية هي السبب الأول لغياب الفرق الخاصة بالمسارح أو ما يُسمى مسرح الريبرتوار، والذي يعمل وفق برنامجٍ خاص من البروفات والعروض الممتدة لأشهر، حاولتُ تأسيس فرقة خاصة بمدرسة الفن المسرحي وِفق هذا المبدأ من الخريجين، لكنني لم أستطع، معظمهم يسافرون أو يتجهون للتلفزيون، الأمر يحتاج دعماً مادياً ولوجيستياً".

بيت ثانٍ

نسرين العبد الله مديرة مسرح الحمراء أشارت في لقاءٍ مع المدوّنة إلى إن المسرح لم يتوقف طيلة سنوات الحرب عن استقبال العروض التي عادت بزخمٍ أكبر في الأعوام الأخيرة، حتى أنه استضاف عدداً من الفرق العربية من بينها فرقة الدن للثقافة والفن العمانية، في مسرحية (لقمة عيش) للمؤلف جمال صقر والمخرج محمد سعيد الرواحي، وفرقة مسرح الشمس الأردنية في مسرحية (ادفع ما بدفع) للكاتب الإيطالي داريو فو والمخرج عبد السلام قبيلات، وقالت: "أبواب مسرح الحمراء مفتوحة دائماً ونرحّب بالجميع، ونبذل جهدنا رغم قلّة العاملين لدينا لنجاح كل ما يُقدّم على الخشبة، أمّا عودة العروض العربية فهي رسالة بأن الحراك الثقافي مستمر في سورية، والجمهور كعادته يرغب بمتابعة كل جديد".

وبيّنت العبد الله إنّ الإقبال على فعاليات مسرح الحمراء كبيرٌ جداً في مُختلف الفعاليات حيث يُتابع البعض المسرحيات وقوفاً أو يجلسون على الدرج، عندما تمتلئ الكراسي التي يصل عددها إلى 471 كرسياً، والسبب يعود إلى محبة الناس للفرجة أولاً، ومن ثم شعورهم بأن الحمراء الواقع في منطقة يسهل الوصول إليها نوعاً ما، هو بيتهم الثاني، مُضيفة: "نرى ضمن الحضور شرائح ونماذج مجتمعية متباينة وجميلة جداً، عائلات بأكملها، أصدقاء، أطفال، شباب، وهذا يُسعدنا ويدفعنا لنبذل كل ما نستطيع".