لم تمنعه ظروفه القاسية ووفاة والده وهو صغير، من متابعة مشوار الغناء والموسيقا ومطالعة الأدب العربي، حيث مكنته فصاحته باللغة العربية من اتقان فن الإلقاء والخطابة، هكذا برز الشاعر "مدين رحال" المولود في دمشق ١٩٧٦ في ميدان الشعر الشعبي، والذي تولع بالشعر الزجلي منذ نعومة أظفاره، وشارك بالعديد من المناسبات على المستوى المحلي.

عودة إلى الماضي

ولد الشاعر "مدين رحال" في دمشق ويعود أصله إلى قرية "سكوفيا" في الجولان السوري المحتل، ترعرع في كنف بيئة ثقافية تعشق العلم والمعرفة.

وعن البدايات، يقول الشاعر "رحال": "عشقت موهبة الشعر الزجلي باكراً، كنت مُصغياً جيداً للشعراء، فصقلت موهبتي متأثراً في جيل الرعيل الأول من شعراء الزجل اللبناني "جوقة زغلول الدامور"، كـ(طليع حمدان، وزين شعيب، وأدوار حرب) ، و"جوقة القلعة" والتي ضمت كلاً من (موسى زغيب، أنيس الفغالي، وجريس البستاني)، ولا ننسَى المؤسسين مثل (خليل روكز، وعلي الحاج المقاطي، وشحرور الوادي، ومحمد المصطفى) وغيرهم من الشعراء".

في احد الملتقيات الشعرية

ويضيف: "كنت عندما أتعرض لموقف ما أحاول أن أعبر بشكل عفوي بكتابة بعض الأبيات البسيطة من دون معرفة الأوزان والعروض، ومع بداية سن المراهقة كتبت الغزل، حتى صار الشعر غواية لمشاعري وأحاسيسي" .

يرى الشاعر" رحال" في الطبيعة الخلابة من أنهار وأشجار وعصافير وجبال، محرضه الأول في كتابة الشعر، لاسيما وأنها تعيده إلى الذكريات الجميلة وسن الطفولة وأيام الدراسة الأولى، لدرجة أن التولع بالطبيعة كان عنواناً لديوان قيد النشر حالياً تحت اسم "عودة إلى الماضي"، والذي يحمل كل الأشياء التي مرت سابقاً بما تعكس مرآة العقل الباطنية في حياته الخاصة، فتغنى بنهر بردى ووصفه بأعلى درجات الجمال، مستثمراً كلماته وعفوية المعاني في الوصول الى ما يريده ويصبو إليه، حتى إنه ضمن حبكة متينة ومعنى واضح، يكاد يخلط المشاعر الرقيقة بين الحب والعشق المجنون بالطبيعة ضمن الأجواء العامة التي يعيش بها الناس بين عيد وغربة وصباح وليل ويقول:

الشاعرة ليلاس زرزور والباحث هيثم طباخة

لما تعيّد بين أحبابك بتشوف كل الناس بتهابك

ولما تكون بغربتك مقهور مافي حدى بيدق عابابك

الشاعر مدين رحال ومحمد توفيق محمد

بردى يا نهر ال عايش بروحي وروحي من الغربة بتندهلك

كل ما تجف بتنزف جروحي وبتطيب كل ما تجود عأهلك

للوطن

غنى "رحال" للوطن الذي هو المسكن والروح بالنسبة له، ويقول حول ذلك: "لقد علمتني مرارة النزوح من الجولان السوري، النزوع للتعبير عن هذا الفقدان بعفوية، وقد وضعت نصب عيني نشر ثقافة تراث الجولان من خلال أعمالي الثقافية التي بدأت قطف ثمارها منذ كنت طالباً، حيث مكنتني لغتي العربية الفصيحة وحنجرتي، من إلقاء الصوت الواضح والتفوق على أقراني في اختيار الكلمات والمفردات التي تعبر عن قيم المجتمع وتراثه الثقافي الشفوي".

يا الجولان اللي راسخ في خيالي

أنا ابنك بشوف حالي

عاشوا فيك أجدادي الأبايا

شجر تفاح من عاطي المطايا

وشجر زيتون زيتو عم يلالي

وخبز تنور عكفوف الطرايا

وكانوا ع البساطة والأصالي

وفاء وأثر

وفاء الشاعر للمبدعين في الوطن ومشاعره الصادقة تجاههم لم يكن ليخفيها، فباحت قصائده وأشعاره في تقديم العرفان والجميل والإخلاص لمن عرفهم، ما يدل على رهف الإحساس ، ونبل المشاعر لديه.

ويضيف: "أشعر براحة الضمير حين أذكرهم بشعري، كالشاعر الكبير "طلال مطانس عكو" الذي دربني وعلمني على أوزان الشعر، كذلك تناولت في قصائدي بعض المبدعين كالمخرج الراحل "هشام شربتجي" والراحل "رفيق سبيعي" وغيرهم"، وذلك يأتي من باب التأثر بهذه القامات الفنية الكبيرة التي تركت أثراً جميلاً في حياة ونفوس الناس".

وفيما كتب تقديراً لهم:

قطار الأزرق من الشام جايي

كتاب منقح بروح العنايي

عمالقة الثقافة في بلدنا

سبع كُتاب جمعتهن روايي

سوى أخوة اجتمعنا بدون غايي

التقينا بكل اصحاب الرعايي

على حب الوطن نحنا انولدنا

وبوفا واخلاص عم نرفع الرايي

مسيرة شعرية

أما استحقاق لقب الشاعر فحسب "رحال" يُطلق على الشخص الذي يتميز بالفكر المتقد والمتجدد، ومخيلته الواسعة كالبحر الزاخر بمحتواه، فضلاً عن الثقافة العالية التي تمكّنه من اختيار الكلمات الرشيقة والعذبة، بحيث تكون فكرة القصيدة مترابطة ومتناغمة بشكلها المتسلسل والمُنظم، ليستطيع الشاعر قدر الإمكان إسقاط أكثر من فكرة في قصيدته مع الحفاظ على التسلسل الفكري المتماهي مع بعضه البعض مع اختياره للقافية المناسبة، وهذا كله يحتاج - حسب وصفه - لشاعر رقيق القلب وحساس بطبعه، بعيداً عن الصفات السلبية التي تسقطه وتنزل من مكانته كالغيرة والحسد والحقد وغيرها.

ويقارن "رحال" بين الشعر العمودي الذي يعتبره هرم الشعر وأفضل أنواعه، والشعر الزجلي الذي يصل إلى قلوب الجميع بسلاسة وقوة، ناهيك عن جمهور الزجل العريض الذي يشمل جميع الفئات والشرائح من دون استثناء، أما الشعر العمودي فجمهوره نخبوي كونه يتميز باستقلالية وخصائص وسمات لغوية بارزة ، ليبقى بالنهاية لكل منهما حضوره وتميزه عن الآخر..

أما الإلهام الشعري وكيف يأتي، يشير "رحال" إلى أن الملكات الشعرية تسقط عفوية منسابة في عقله لتتحول المشاعر المتبلورة إلى قصيدة ناعمة جميلة سليمة المعنى والمبنى.

لكن بالمقابل، كما يبين الشاعر، فثمة قصائد تأتي نتيجة موقف محرج أو محزن جاء بالصدفة، كالرثاء أو نتيجة كلام جارح موجه من أي شخص، وعلى سبيل المثال يذكر "رحال" أنه منذ أربع سنوات، بينما كان جالساً في مكان ما، قام أحدهم وعيّره بالفقر، فسرعان ماسقطت الملكة الشعرية والكلمات في عقله، فانسابت المفردات والكلمات في إحدى القصائد، والتي ألقيت في المركز الثقافي بالعدوي بالجمع مع ملتقى "البيارق الثقافي" .

قالو إلِي ب كْرافة/ت/ الحَمرة

عا لَون خمري بتشبه الخمرة

لابس قميص الأسود ومحتار

وكل الصور من ذات هالنِمرة

قِلت الفقر ياناس مَنّو عار

عا شاعر بشعرو طفى الجَمرة

قوة الحضور

يرى الشاعر"رحال" أن وسائل التواصل الاجتماعي الافتراضية، قد ساهمت بشكل كبير بنشر الثقافة الأدبية والوعي بين الناس، ولكنها تبقى افتراضية أي إنها لاتنوب عن الكتاب والمدرسة، في وقت عملت جمعية الزجل ما عليها من نشر الحالة الأدبية على نطاق واسع وخاصة بهذا النوع من الشعر، وهي من تقوم بالتنسيق والتعاون مع وزارة الثقافة لإقامة الفعاليات والانشطة بالمراكز الثقافية بشكل مستمر.

بدوره يصف الشاعر "محمد توفيق محمد" شعر "مدين رحال" بعفوية لا نظير لها ، فضلاً عن الحبكة والإتقان بكلمات لا تخلو من صدق المشاعر ونبلها.

ويقول: "هو شاعر وطني شعبي محبوب وله حضور وجماهيرية بنوعيه شعره، يجيد الأداء والحركة في انسجام كامل، ناهيك عن البساطة بشعره دونما تكلف".

بدوره يجد الباحث في التراث "هيثم طباخة" أن شعر "رحال" قوي البنية والمتانة، وكلماته تخرج بقوة التركيب والألفاظ، صادقة من دون تردد، يتنقل بشعره بين الوصف والتعبير والإحاطة بكل شي، واذا ما أحب شخصاً فإنه يقول فيه الشعر بأحسن الكلام وأجمله، لكنه حسب قوله قليل الحظ.

فيما تقول الشاعرة "ليلاس زرزور" من حلب وعضو اتحاد كتاب العرب، إن "مدين رحال" شاعر الطبيعة من دون منازع، يلقي الزجل ويغني به، ويعد واصفاً ماهراً للأشياء من حوله، صوته قوي ولغته متينة، يجيد التعامل مع مفردات اللغة وتراكيبها.