تعكس النقوش المحفورة على صخور قرية "امتان" في محافظة السويداء، طبيعة النظم الإدارية والمالية التي كانت سائدة قبل قرون، حيث تعد "امتان" واحدة من القرى التاريخية الحاملة بين صخورها البازلتية نقوشاً أثرية ذات دلالات لطبيعة القيم الاجتماعية والإنسانية لتلك الحقبة الزمنية في العصر الروماني البيزنطي.

طبيعة المكان

تقع "امتان" في أقصى الجنوب من "السويداء" ولها تاريخها الاجتماعي والإنساني، فقد قدمت للتاريخ مواقف إضافية عبر آثارها العائدة الى العصر الروماني البيزنطي.

ويؤكد الباحث الأثري الدكتور "نشأت كيوان"، المدير الأسبق لدائرة الآثار بالسويداء في حديثه لموقع مدونة وطن eSyria، أن القرية تشكل ممراً وطريقاً مهماً من جنوب "سورية" باتجاه شمال "الأردن والسعودية"، وتحديداً "وادي السرحان" ومن ثم الجزيرة العربية، وقربها من مراكز حضارية قديمة مثل "صلخد" وموقع "جاوا" الأقدم منها.

الباحث الاثري الدكتور نشأت كيوان

ويضيف: "الاسم القديم لهذه القرية "امشانا أو موتانا" باللغة اليونانية، وهذا الاسم ورد في حوليات الملك المصري "تحوتمس" الثالث في منتصف الألف الثاني تقريباً ما يدل على أهميتها، كذلك الأمر فالكتابات القديمة فيها تدل على التنظيم الإداري والمالي الذي كان سائداً فيها، حيث كانت مركزاً إدارياً مهماً في المنطقة، فضلاً عن حامية عسكرية كانت موجودة فيها إبان العصر الروماني حيث كان من الضروري وجود خط دفاعي على أطراف البادية".

نصوص تنظيمية

ويتابع الباحث الدكتور "كيوان" حديثه: "تذكر إحدى النصوص الكتابية الموجودة على أحد جدران المجلس ومؤرخ بعام 350 ميلادي، لقب محاسب وهي وظيفة مدنية وعسكرية، وتذكر رواتب الجنود حيث قام الأمناء بالتوجيه إلى محاسب الخيالة المتمركزين في القرية من أجل صرف مستحقاتهم، وهذا يدل على تنظيم إداري ومالي جيد وتراتبية إدارية، وكاتب هذا النص يذكر "امتان" على أنها مدينة، وربما يكون غير ضليع باللغة اليونانية ولم يستطع التفريق بين مدينة أو بلدة او قرية، لكن المهم أن "امتان" كانت مركزاً إدارياً كبيراً كما أسلفنا ويمتلك مقومات جيدة".

الباحث الاثري خلدون الشمعة

وينوه الباحث أنه عثر في القرية على نقش كتابي يوناني مؤرخ بعام 342 ميلادي، ذكر فيه اسم شخص يدعى "ستركوريا" من بلاد "الغال"، وأصله من مدينة "روتوماكوس اودوين" ويبدو أنه كان جندياً ضمن كتيبة الخيالة المتمركزة في "امتان".

النقوش الأثرية

بدوره يشير الباحث الأثري "خلدون الشمعة" مدير دائرة الآثار بالسويداء إلى أحد الكتابات اليونانية القديمة التي عثر عليها في أحد جدران الجامع (المجلس) ويعود تاريخها إلى عام 342 ميلادي، تم ذكر "فلافيوس هيروكليس" الذي كان قنصلاً على سورية الداخلية وذكر في النص كلمتان هما (عضو مجلس ومدينة) وهذا يعود بنا إلى افتراض أن "امتان" ربما كانت مدينة فيها شوارع وساحات، وهذا يدل على نهضة عمرانية في المدينة إذا سلمنا بذلك من خلال موقعها المميز.

القرية

ويوضح "الشمعة" أن القرية بالوقت نفسه، كانت منطقة زراعية مشهورة بغلالها، كما جرت في "امتان" عمليات تحديد عقارية في الفترة النبطية والعصر الروماني وهذا دليل آخر على أهميتها وتنظيمها.

إذا الحضارات الموغلة في القدم والآثار المكتشفة في القرية منذ الألف الثانية قبل الميلاد وربما أقدم من ذلك وحتى الفترات الكلاسيكية، يقودنا إلى إدراك أهميتها وتقصي شواهد أثرية جديدة كتابية أو معمارية أو لقى أثرية تعيد صياغة تاريخ هذه القرية الجميلة الضاربة في القدم.