لا يمكن الحديث عن خصوبة أرض الجولان السوري المحتل، من دون المرور على "البطيحة" والتي توصف بالأرض العجيبة التي تعطي أكثر من موسمين في العام الواحد، وذلك لغنى وخصوبة تربتها وتميز مناخها وغزارة مياهها، ما أضفى عليها خضرة دائمة طوال العام.

العجيبة المنبسطة

"البطيحة" ومعناها اللغوي "الأرض المنبسطة"، وهي ناحية تتبع لمنطقة "فيق" في الجولان السوري المحتل، تبلغ مساحتاها 38 كم2، ومركزها بلدة "المحجار"، وتضم "البطيحة" عدة قرى ومزارع تقع شمال شرق بحيرة طبريا، نذكر منها، قرى (الحاصل، الدوكة، العامرية، الطواحين، الدردارة، دير عزيز، غزيل، قطوع الشيخ علي، الحسينية، الكرسي، مساكيه، المسعدية، وعين عبد الله وغيرها).

الباحث في الجولان "محمد الحسن" يوضح في حديثه "لمدونة وطن" كيف قارع أهلها الاحتلالين الفرنسي والإسرائيلي، وتعرضوا للتهجير في حزيران عام 1967 وأُخرجوا عنوة من ديارهم، ويسكن جزء كبير من أهلها اليوم في "الكسوة"، وأكبر تجمع لهم في "مخيم الوافدين" و"سبينة"، حيث ما زال أهلها يحافظون على التراث والأصالة.

سهل البطيحة مع موقعها

بدوره يصف "قاسم ذياب" من سكان "الحسينية" وهو من قرية "المسعدية"، منطقة "البطيحة" ذات الطبيعة الساحرة والغنية، ويقول: "كان عمري 12 عاماً عند النزوح، كانت على ضفاف بحيرة "المسعدية" تزرع الذرة بكثرة والتي كانت تمتد بارتفاعاتها الطويلة لتصل إلى حوالي مترين، حاملة عرانيس كبيرة كثيفة الحبوب، وكان نبات دوار الشمس يحمل أكثر من كيلو غرام من البذور في قرص واحد، وهذا يعود لنوع التربة التي لا تحتاج إلى سماد ومواد عضوية".

ويبين "ذياب" أنه في عام 1963 ولكثرة المستنقعات المائية، تمت زراعة الأرز في سهل "البطيحة"، كما كانت تتم زراعة مساحات شاسعة بالسمسم والقمح والشعير، إضافة لزراعة الأشجار المثمرة، هذا فضلاً عن الثروة السمكية التي كانت تزخر بها بحيرة ومستنقعات المنطقة، ومن أهم أنواع السمك البوري والمشط والطبراني وغيره".

عبدالله جمعة وجبر رجا

شاهد حي

المختار تركي الحسين

الحاج "موسى المرعي الحسن" من البطيحة مواليد 1941 ويقطن حالياً في منطقة "حجيرة" يقول: "غالبية السكان من أهالي "التلاوية"، وكثيراً ما كانوا يتعرضون لاعتداءات من الصهاينة بغية سيطرتهم على كامل مياه بحيرة طبريا، التي تتغذى من مياه نهر الشريعة أو ما يسمى نهر الأردن، إضافة لمياه الوديان والأنهار التي تصب جميعها في تلك البحيرة".

‏ويضيف: أراضي منطقة "البطيحة" تعد من أغنى مناطق الجولان بالمياه والتربة الخصبة، وذلك لتوفر المصادر المائية كالينابيع، والسواقي والأقنية والبحيرة، كل ذلك جعل من سهلها مصدراً رئيسياً للزراعة وتوريد المحاصيل الزراعية آنذاك إلى مدينتي القنيطرة ودمشق، فالخضروات مشهورة بباكوريتها، والفواكه متميزة بنضوجها السريع، فضلاَ عن أن أراضي البطيحة معطاءة ويزرع بها كل شيء، فالبندورة والخيار والفاصولياء والبطاطا من أهم خضراواتها، لتعطي أحياناً ثلاثة مواسم في العام الواحد، كما واشتهرت بالأشجار المثمرة ومن أهمها الموز والزيتون والحمضيات.

ذكريات لا تغيب

"جبر رجا" من سكان "المزيريب" وهو نازح من قرية "قطوع الشيخ علي" يكشف كيف كانت قريته الوحيدة التي يوجد فيها مدرسة للتعليم، حيث كان أبناء القرى المجاورة يأتون للدراسة فيها، وكان قسم كبير من المدرسين يأتي من "القنيطرة وفيق" أو القرى المجاورة، مبيناً أن المدرسة كان فيها مقاعد خشبية وسبورة قديمة، ولكن ضمن إمكانيات محدودة ومتواضعة تختلف عن اليوم.

ويشير "رجا" أنه في الأعوام القليلة التي سبقت النكسة 1967، توفرت مادة البلوك للبناء وأصبح أهالي القرية يبنون بيوتهم منها، خاصة وأن هناك قسماً كبيراً منها، كان مصنوعاً من مادة "الُلبن والقصّيب" الممزوج بالطين والماء، أما فرش المنازل والمؤلفة أغلبها من غرفتين أو أكثر، فكانت من نبات الصعيد والحلفا، لتتخذ كحصير للجلوس والنوم، أما الوسائد فكانت من الصوف، ومن هنا صارت صناعة الحصير والأواني الفخارية أهم ما يميز قرى الجولان".

من جهته يقول "أحمد الفارس" 1932 وهو من من قرية "دوكة البطيحة" ويسكن في "الذيابية": إن البطيحة والقرى المجاورة لها، عانت المضايقات المستمرة من الكيان الصهيوني منذ احتلال فلسطين، مشيراً للمجزرة التي وقعت بقرية "الدوكة" من العدو الاسرائيلي 1955 وراح ضحيتها عدد من الأشخاص، فالاعتداءات الصهيونية كما يروي "لفارس" كانت شبه يومية سواء على قوارب صيد السمك أو المزارع المحيطة بالقرية لسرقة المحاصيل والبيوت السكنية.

ويضيف الفارس: "عملت بالفلاحة وكان عمري آنذاك 25 عاماً، ونتيجة مضايقات العدو الصهيوني، انضممت إلى المقاومة الشعبية بالتعاون مع أبناء القرية والقرى المجاورة للدفاع عن أرضينا ضد العدو الإسرائيلي".

محبة وتعاون

من جهته يعود "عبد الله الجمعة" وأصله من البطيحة المحتلة، ويسكن حالياً في "مخيم الوافدين" بذاكرته إلى أيام خلت حيث الألفة والمحبة.

ويضيف: "السهرات أو ما يعرف "بالتعاليل" بالمصطلح الشعبي الجولاني، كانت صفة تجمع أبناء البطيحة في لياليهم المظلمة وكل يوم تدوّر "التعليلة" أو السهرة عند شخص وبالتتالي، حيث كان يتعاون الأهالي في الأفراح والأتراح، خاصة مشاركاتهم في الزراعة وجني الثمار، أما وقت الحصاد لمحاصيل القمح والشعير ، فكانت في الليل وتقضى ساعاتها بالسمر وترديد الأغاني".

ويشير "مصطفى البكر" وأصله من "البطيحة" ويسكن بالذيابية، إلى المودة والألفة التي كانت تجمع بين أبناء البطيحة جميعاً.

ويذكر "البكر" أبرز الطقوس والعادات الاجتماعية التي كانت سائدة في حفلات الزفاف، ومن أهمها إحضار العروس لصندوق خشبي أو حديدي متوسط الحجم، يحتوي مجمل لباس العروس وكافة مستلزماتها التي تخرج معها من منزل أهلها، وكانت الأفراح والسهرات بالأعراس تستمر أسابيع من حلقات الدبكة والغناء والمرح.

ويكشف مختار الحسينية "تركي الحسين" أن عادة كانت مألوفة قبل الزواج عند أهالي المنطقة آنذاك وهي أن والد العروس كان يأخذ الموافقة من أقربائه لتزويج ابنته، وحين يكون أحدهم معترضاً لا يتم الزواج، ولا زال هناك من أهالي الجولان من يأخذ بهذه العادة إلى الآن ، أما العزاء فيشارك فيه أبناء القرية والقرى المجاورة في ساحة المنزل، والطعام هو التمر واللبن والزبدة.