"الخَال"هكذا أحبّ خالد خليفة "حلب 1964 -2023" مناداته، فلم يكن يوماً معنياً، بالتوصيفات والألقاب، رغم المكانة التي وصل إليها، كروائيٍّ وكاتب سيناريو، حتى أنه كثيراً ما شُوهِد، يُقدّم نصائحه واقتراحاته، لِمُحبي الكتابة، من دون احتسابٍ للوقت أو الجهد، ولهذا كان صديقاً مُقرّباً من هؤلاء، وفي موازاتهم قُراؤه ومُتابعو مسلسلاته، ممن عرفوه عبرها، ككاتبٍ يستند إلى الوقائع والأحداث الكبرى في معظم ما يُنتجه، ومن ثم يبني عليها حكاياتٍ وشخصياتٍ ومصائر، استطاعت تباعاً إثارة الجدل والاهتمام، فتُرجمت رواياته إلى عدة لغات، وتصدرت قوائم القراءة.

درس خليفة في جامعة حلب، وحصل على إجازة في الحقوق عام 1988، وفي الفترة ذاتها بدأ حياته الأدبية بكتابة الشعر، ليتجه لاحقاً نحو الرواية والسيناريو، وفي رصيده من الروايات "مديح الكراهية" رشّحت لجائزة الاندبندت العالمية وكذلك لجائزة الرواية العربية 2008، "لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة" حصلت على جائزة نجيب محفوظ للرواية ووصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2013، "لم يُصلِّ عليهم أحد" صدرت عن دار هاشيت أنطوان – نوفل، ودخلت في القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2020، "دفاتر القرباط"، "حارس الخديعة"، "الموت عمل شاقّ". وله في الدراما التلفزيونية "قوس قزح"، "سيرة آل الجلالي"، "المفتاح"، "ظل امرأة"، "هدوء نسبي"، "العراب-تحت الحزام". كذلك، ساهم في تطوير وتحكيم الدورة الأولى من برنامج مختبر الفنون في العام 2014 في مؤسسة "اتجاهات-ثقافة مستقلة"، وفي دورة العام 2021 أيضاً، إلى جانب العمل الصحفي والمُشاركات الثقافية المنوّعة.

إمكانيات كبيرة

الزميلة والكاتبة ديانا جبور، استعادت في حديثٍ مع مدوّنة وطن" تجربة تلفزيونية جمعتها بالراحل خليفة، خلال إدارتها المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني، عبر مسلسل "المفتاح" إخراج هشام شربتجي، وقالت: "اقترح عليّ الفنان الكبير باسم ياخور، تقديم مشروعٍ يتمتع بقيمةٍ معرفيةٍ مع شرطٍ فنيٍّ لائق، وفي نفس الوقت قادر على إثارة اهتمام الجمهور عبر مقاربة موضوعاتٍ تمس زمنه الراهن، وكانت هذه بذرة الفكرة الرئيسية، والإشكالية التي انطلقنا منها؛ بمعنى هل يُمكن لأحدهم أن يُراعي القانون، ويلتزم به في أدق التفاصيل، لكنه في نفس الوقت فاسدٌ كبير؟".

الصحيفية والكاتبة ديانا جبور

تُضيف جبور: "التقينا عدة مرات، وتحاورنا، وطلبنا من عدة أسماء الكتابة، بعضهم قدّم نماذج كتابية معمقة، وآخرون شعبوية جداً، وكلها غير مناسبة، ومن ثم تواصلت مع الكاتب الراحل خليفة، وحدثته عن المشروع، وضرورة أن يتصدى له، كاتب مطلعٌ على خبايا القانون، ولصيقٌ بنفس الدرجة بالشارع وما يجري فيه، أي يعرف لغته تماماً، لكن من دون أن يستخدم لغة سوقية أو بذيئة، وأعتقد أنه كان خياراً مُوفّقاً لأبعد حد".

وترى جبور أن مسلسل "المفتاح" الذي كتبه خليفة، كان تجربة ناجحة، وواحداً من أهم الأعمال الدرامية، في الفترة التي عُرِض فيها، لأن الراحل بالإضافة لموهبته وإمكانياته الكبيرة، شخص جاهز دائماً لتبادل الآراء، وسماع الملاحظات، والقبول بأن عمله قابل للتطوير أو التحسين وما شابه، تقول أيضاً: "بعد أن كتب خليفة عدة حلقات من العمل، طلب أن يكتب نسخة أولى كاملة ثم نتحاور في التعديل، وحين قلت له بأن هذا سيحتاج منه وقتاً وجهداً، لم يجد مشكلةً أبداً، طالما أن هناك اتفاقاً على الخطوط الرئيسية".

وعلى حد تعبير جبور، في العمل كما في السفر، يسهل اكتشاف معادن الناس ومدى التزامهم وجديتهم، ومرونتهم أيضاً، وهذا ما كان في "المفتاح" مع خليفة، بالإضافة إلى الحرفية والاهتمام اللذين أبداهما؛ فكان العمل نموذجاً للشراكة الإبداعية الحقيقية مع ياخور والكادر ككل، عدا عن أن هذه المرحلة، ثبتت علاقات الود والصداقة بين المُشاركين.

من عمق الشارع

الروائي جلال برجس، عرف خالد خليفة حين قرأ عام ١٩٩٤ روايته "حارس الخديعة"، والتقى به فيما بعد، عام ٢٠٢١ في معرض الشارقة الدولي للكتاب، يتحدث عن ذلك اللقاء: "لم يقل: هل قرأت لي؟، لم يتحدث عن نجاحاته في الكتابة، ولا عن انتشار ترجمات روايته إلى مختلف اللغات العالمية، ولا عن جولاته في أوروبا، وأميركا. لم يفتح باب النميمة؛ فيحط من شأن كاتبٍ ما، أو يقلل من قيمة رواية وجدت رواجاً لدى القراء، خالد خليفة روائيٌّ معجونٌ بالجرأة، والتمرد، والطيبة، والشغف الكبير بالأدب، وبالحياة، بل إني وجدته من القلة القليلة من الكتّاب الذين لا فرق بينهم ونصوصهم الأدبية".

يقول برجس أيضاً: "رأيته مثل شجرة تقف في وسط حقل يحترق، ووجدتُ كيف للخراب الخارجي أن ينسحب على معمار الإنسان الداخلي، وبالتالي تصبح الكتابة وسيلة للخلاص من الانهيار من جهة، وتسليط الضوء على كل ما هو معتم من جهة أخرى.

هنا ينتفي عن الكاتب سعيه إلى النجومية مهما كانت مشروعةً ومغريةً، وتجد كتاباته طرقها إلى قرَّائه بسهولة كبيرة، لأن ما بين أيديهم روايات كُتبت بصدق كبير، كتبت من عمق الشارع، بخلاف الذين كتبوا وهم ينظرون إلى الشارع من النافذة".

جاذبية لغة الكتابة

الإعلامي فراس خليفة، وصف رواية "لم يصلِّ عليهم أحد"، بالرواية الجميلة التي تُصيبُ قارئها بالدُّوار حرفياً، وقال عنها: "روايةٌ مُتعِبَة وآسِرة في الوقت ذاته، بفعل قوّة جاذبية لغة كاتبها، بناءٌ روائيٌّ صلبٌ ومتماسكٌ، جهدٌ بحثيٌّ تاريخي، وسردٌ مكثّف لتفاصيل وأحداث كثيرة بسياقاتٍ زمنيةٍ مختلفةٍ ومتداخلةٍ، روايةُ التلاشي، الموت والحب، حكايات الطوفان والأوبئة والجوع والحرب، رواية الناجين من المجزرة وإشكاليات الأقليات الدينية والعرقية في الشمال السوري المفتوح على العمق التركي وصراع الهويات. رواية حلب، وقصة حنا كريكورس وزكريا وسعاد وباقي المجموعة التي تفكَّكت على مراحل".

مُضيفاً: "الرواية تجري أحداثها بين أواخر القرن التاسع عشر وصولاً إلى منتصف القرن العشرين، لكنها أيضاً رواية المرحلة التي نعيشها الآن، بعنوان زمن الكورونا، وهو سبب آخر للموت، يمكن إسقاطه، بتصرُّف، على فصول الرواية الصادرة عام 2019 عن دار نوفل".