امتازت عن قرى المنطقة بوجود عدد كبير من المطاحن المائية، نتيجة المزايا التي حباها بها الله، وخصوصاً الينابيع والوديان والمحاصيل الزراعيّة الناجحة، وتحديداً الحبوب.

قرية "كيشكة" التي تبتعد 60 كم عن مدينة "القامشلي، صمدت مطاحنها حتّى فترة ليست بعيدة، حينما ظهرت الأفران والمطاحن الحديثة ولم تعد هناك حاجة للمطاحن المائية، لتظل ذكرى جميلة من تاريخ المنطقة.

نتجول نحن أبناء الجيل الحالي وبشكل شبه دائمة في الأماكن التي أسست فيها المطاحن المائيّة، وهناك ضيوف وزوّار ومغتربين يتوافدون إلى القرية، بهدف الاطلاع على تفاصيل وواقع تلك المطاحن، وأهم نقطة يرغبون بمعرفة تفاصيلها وجود ذلك العدد الكبير منها

ماض جميل

تقص تلك المطاحن صفحات من تاريخ القرية وأهلها، فكثير منهم لا يزال يتجول عند بقاياها، فهي جزء من ماضيهم الجميل، كما يقول الشاب "هاني عبدي" من أهالي القرية: «لم أحظَ بمشاهدة كل المطاحن في قريتنا، بعضها لم يتبق منها إلا الأحجار، لذلك كانت الاستعانة بعمي وهو من كبار القرية، ليعطي التفاصيل وأدق المعلومات عن مطاحن قريتنا، خاصة وأنها القرية الوحيدة في المنطقة التي تمكنت من استقبال مطاحن بهذا العدد، مع كل ذلك كانت شغّالة جميعها، والأجمل أن تلك المطاحن كانت حلقة وصل ولوحة اجتماعية بين قريتنا والقرى المجاورة، وكانت السبب لبقاء العلاقات الاجتماعيّة قائمة حتّى اليوم».

مطحنة القرية تحتفظ بكل تفاصيلها

ويضيف "عبدي": « نتجول نحن أبناء الجيل الحالي وبشكل شبه دائمة في الأماكن التي أسست فيها المطاحن المائيّة، وهناك ضيوف وزوّار ومغتربين يتوافدون إلى القرية، بهدف الاطلاع على تفاصيل وواقع تلك المطاحن، وأهم نقطة يرغبون بمعرفة تفاصيلها وجود ذلك العدد الكبير منها».

يحرص "هاني" ليكون نقطة وصل بين قريته ومطاحنها مع أهل المنطقة وأهل القرية خاصة في بلاد الاغتراب، يقول عن ذلك: «قريتنا أساساً سياحية وجميلة، يقصدها السيّاح كثيراً، هناك أبناء من القرية في بلاد الاغتراب، لم تسمح ظروفهم بالتعرف على آثار وطبيعة قريتهم، لذلك عبر التواصل الاجتماعي نقدم لهم معلومات عن كل ما تحتويه القرية من جمال وحضارة، خاصة المطاحن المائيّة التي كانت منتشرة في أكثر من مكان على جنبات الوديان، وتلك المطاحن كانت وستبقى وكل ما حولها رموز لقريتنا الرائعة».

عبد الكريم مرعي

هدير الطاحونة

أحجار المطاحن شاهد عليها

تبقى القرية وجهة الكثيرين حتّى يومنا هذا، ولهم فيها ذكريات وقصص وحكايا عديدة، عاشوا أيام عمل المطاحن المائيّة، منهم الثمانيني "حميد حاج سعدون" من أهالي ريف بلدة "الجواديّة"، يتذكر بعض تلك اللحظات خلال حديثه: «قبل عشرات السنين كنّا نمضي أوقاتاً جميلة في ربوع القرية على هدير الطاحونة عندما كانت المطاحن تعمل وتنتج الطحين، كانت القرية عامرة بالزوار والضيوف من شتى المناطق، فالمطاحن كثيرة ومنتشرة على نطاق واسع من امتداد القرية، كنّا نسهر حتّى الصباح بالمرح والضحك والأحاديث، وخلالها نتعرف على كل أخبار الناس في القرى المجاورة، ومن خلالها تكونت علاقات اجتماعية وطيدة، بين أهل القرية وبين أهالي القرى المجاورة الذين كانوا يقصدون المطاحن».

سبع مطاحن

مختار القرية وأحد معمريها "عبد الكريم مرعي" يسرد بعض المعلومات عن مطاحن قريته، فيقول: «وجود الوديان التي تساهم بوصول المياه إلى المطحنة بشكل قوي، يساعد في تدوير فراشة طحن الحبوب، ما دفع بعضهم لإنشاء سبع مطاحن في قريتنا، بعضها قديم جداً، عمرها مئات السنين، مكانها فقط محفوظ، والبعض الآخر توقفت قبل سنوات مع تطور الحياة وإنشاء الأفران الحديثة، المطاحن القديمة حتّى اليوم معروفة بأسماء معيّنة وهي (المطحنة البيضاء، والمطحنة الصغيرة، و مطحنة الشيخ، ومطحنة سلو حمزة، ومطحنة الضيعة أو القرية، ومطحنة الخراب، و مطحنة سيكركا)».

مدوّنة وطن "eSyria" بتاريخ 21 تموز 2023 زارت القرية وأجرت اللقاءات السابقة