"اللي استحوا ماتوا " تلك المقولة التي قيلت بحمام "الخانجي" عندما شب حريق في الحمام بعام 1832بعد دخول إبراهيم باشا أرض الشام، وكان دخوله يوم عصيب على أهل الشام، فاحترق حمام الخانجي، وماتت حوالي 17 امرأه داخل الحمام وقتها.

وصف وتاريخ

«مدونة وطن» تواصلت مع الباحث "محمد فياض الفياض" ليحدثنا عن حمام "الخانجي" بالقول: يقع الحمام في مدينة "دمشق القديمة خارج أسوارها وشمال قلعتها، في منطقة "ساروجة" شرق شارع الثورة ومدرسة ست الشام، وعلى شارع سوق ساروجة بجانب بيت "خالد بك العظم" أي (مركز الوثائق التاريخية) حالياً، فقد أنشأه الأمير "صارم الدين صاروجا بن عبد الله المظفري " أحد أمراء الملك "الناصر محمد بن قلاوون".

ويضيف: مدخل الحمام وواجهته الجنوبية تطل على الشارع السلطاني(الرئيسي) في محور سوق ساروجة في جزئه الشرقي بالنسبة لشارع الثورة، وهي مبنية من الحجر البازلتي الأسود بكاملها، تبدأ من الغرب بنافذة خشبية ذات شكل مستطيل، معقودة بعقد نصف دائري ومغطاة بالمشبكات المعدنية، يليها باب الدخول ذو الساكف المستطيل المكون من مدماكين من الحجر البازلتي، يتوسط الساكف قفل من الحجر الكلسي الأبيض، وتعلوه نافذة دائرية (شمسية) ذات إطار بارز قليلاً. ويلي المدخل أربع نوافذ مماثلة للنافذة الأولى، ويعلو الواجهة شرفة منحنية بعرض 1م، ملبّسة بعوارض خشبية، وتنتهي الواجهة بكتلة بارزة بنحو 50سم يشغلها السبيل، تعلوها شمسية مشابهة لتلك التي فوق الباب.

جانب من الحمام

تابع "الفياض": أُطلِق على هذا الحمام في أوائل القرن 10هـ و16م اسم حمّام "العين " وذلك لوجود عين ماء كان تعرف "بعين علي"، ثم عُرف بعدها بحمام الخانجي وهو لقب إحدى الأسر التي كانت تقطن حي ساروجة في نهاية العصر العثماني، والتي كانت تشرف على عمل الخانات، وقد جاء ذكر الحمام في مواضع كثيرة بأنه من أهم الحمامات الدمشقية من حيث الموقع وطريقة البناء، ومنها كتاب نعمان قساطلي "الروضة الغناء في دمشق الفيحاء”.

الأقسام ووظائفها

يتم الدخول إلى الحمام بوساطة دهليز ضيق ينفتح عليه بابان: الأيسر يؤدي إلى مطبخ صغير يتم تحضير المشروبات الساخنة فيه. أما الأيمن فيفضي إلى القسم البراني من الحمام، الذي يتكون من قاعة كبيرة مستطيلة مقسمة إلى ثلاث مصاطب، بوساطة أقواس الجزء الأول كانت فيما مضى مخصَّصة لكبار القوم من المستحمين وتدعى القصر؛ في حين يغطي قوس صغيرة فراغ الدخول إلى باقي أقسام الحمام.

واجهة كتب عليها تاريخ ترميمه

ويكمل فياض حديثه: يفصل الجزء الثاني عن الثالث من البراني قوس كبيرة يعلوه سقف مستوٍ مكسو بألواح خشبية ملونة بالأبيض والأخضر؛ وقد تمَّ تغطية الجزء الفاصل بين السقف المستوي وجدران القاعة بشرفة منحنية بشكل ربع دائرة، ويتوسط هذا الجزء بركة مثمنة عملت من "الرخام المزي" وبكل ضلع من أضلاعها زخارف رخامية ملونة، تتوسط البركة كأس رخامية، أما أرضية البراني فمكسوة بالحجر والبلاط المستطيلة الشكل، والجدران مطلية بالكلس والدهان العادي، ويحيط بكل المصاطب درابزون من الخشب المشغول. يشغل الجدار الشمالي للبراني نافذتان مستطيلتان تنفتحان على ساحة الخدمة، وباب يؤدي إلى القسم الوسطاني

ويضيف: الوسطاني قاعة مربعة الشكل تعلوها قبة نصف دائرية تشغلها بالكامل القمريات المحمولة على أربع أقواس مدببة، في جدارها الجنوبي كوة ترتفع عن الأرض قليلاً، في حين يحتل زاويتها الشرقية والشمالية حوض ربع دائري كان يستخدم قديماً لحصول المستحمين على الماء. أما الآن فقد أصبحت هذه القاعة مقصورة خشبية غير ثابتة لحمام البخار، أما الجواني فيتكون من قاعتين مربعتين جنوبية وشمالية، تعلو كلاً منهما قبة نصف دائرية، ويشغل القبتان قمريات لإدخال النور إلى القاعتين. أرضية الجواني والوسطاني مفروشة بالبلاط القديم من الحجر الأسود تتخلله تحديدات من الموزاييك حديثة. وتحيط بالجدران أجران حجرية للمياه، وفي الجدار الجنوبي للقاعة الجنوبية يوجد كوة ذات أقواس، وتحاذيه مصطبة للجلوس؛ بينما شغلت جدران القاعة الشمالية ثلاث مقاصير للاستحمام وتعلوها رقيبات لطيفة للإنارة فيما ترتفع مدخنة الحمام فوق الجهة الشمالية من الجواني وهي مبنية من الآجر ومرممة بالإسمنت.

صور من داخل الحمام (من أرشيف الباحث محمد فياض الفياض)

أما القميم يقع إلى جانب الحمام، مقابل الحرّاق المخصَّص عادة لخدمة الموقد الكائن في القبو، ويتألف الموقد بصورة أساسية من أسطوانة مفرغة من الآجر الناري موضوعة تحت الجفنة الكبرى (الجرن الكبير الفخاري)، ويقع في قسمها الأمامي فجوة صغيرة تسمح بإضرام النار.

تراث عريق

وفي زيارتنا لمديرية الآثار والمتاحف في "دمشق" التقينا الآثاري "جوزيف حنا" الذي حدثنا بالقول: يعود تاريخ حمامات "دمشق" إلى فترات قديمةٍ جداً من عمر هذه المدينة العريقة، وهي مرتبطة بصورةٍ رئيسية بموضوع ثقافة المياه "بدمشق"، وما يميز حمامات "دمشق" أنها أخذت بعين الاعتبار مجموعة من المقومات الثقافية والبيئية والمعمارية التي جعلت منها أقرب إلى التحف خاصة في الفترة العثمانية التي شهدت فيها الحمامات عملياتٍ تزيينية في غاية الإبداع، ويضيف: من الناحية العمرانية ارتبط وجود الحمّامات الدمشقية بمناطق تواجد المياه الجارية، فمخطط تموضع الحمامات مطابق تماماً لمخطط توزع أقنية المياه في مدينة "دمشق"، وبجانب كل حمام يوجد سبيل ماء، وقد تم تسجيل حمام "الخانجي" في "دمشق" في عداد المباني الأثرية بعام 1984، ويعود تاريخه إلى أكثر من مئتي عام، وقد تم ترميمه لأكثر من مرة وكان آخر ترميم له سنة 1992، وكان يستقبل زبائنه من السواح وأهالي الأسواق والأحياء المجاورة والزوار من باقي أحياء دمشق. إلا إنه عاد وتوقف بسبب الحرب في سورية ويربط الفياض الحمامات بسبل الماء ويكمل حديثه: يشغل السبيل الزاوية الشرقية من الواجهة الرئيسية لحمام الخانجي ويشغل صدر السبيل ثلاث لوحات رخامية كُتب على الأولى: "بسم الله الرحمن الرحيم" وعلى الثانية "وسقاهم ربهم شراباً طهوراً" صدق الله العظيم أما الثالثة فقد كتب عليها: "رمم هذا السبيل الدكتور عبد الرحمن العطار على روح والده المرحوم مصطفى العطار". والسبيل بحالة جيدة؛ لكنه غير مستخدم حالياً.

سرديات الأصدقاء

يضيف "جوزيف حنا" أن الدمشقيين ابتكروا العادات والتقاليد لجعل الحمام ليس مكاناً فقط للاستحمام بل ليكون ملتقى لأهل الحي والأصدقاء خاصة في النصف الأول من القرن العشرين الماضي. لذلك ازدهرت الحمامات كثيراً في الماضي، حيث عرفت منذ عهد الرومان وفي العصور اللاحقة، وبلغت أوجها في القرن التاسع عشر حيث وصل عددها إلى 200 حمام، ليتقلص فيما بعد إلى 65 حماما ًتهدم الكثير منها وبقي يعمل منها حالياً 12 فقط، وهذه كان مصيرها أيضاً الزوال والانقراض والتحول إلى مطعم أو مقهى وبالنسبة لحمام "الخانجي" يمثل هذا الحمام طرازاً مثالياً للحمامات الدمشقية في النصف الثاني من العهد العثماني، وإن حجمه الصغير (ستة أجران وأربع مقاصير) وبناؤه اللطيف المتقارب يمثل نموذجاً مثالياً للحمامات المحلية في الأحياء الصغيرة.

وفي حديث مع أمين مكتبة المتحف الوطني بدمشق الذي قال: ورد في "الحمامات الدمشقية" لـ" منير كيال"، اشتهرت مدينة دمشق منذ مئات السنين بوجود الحمامات العامة، أو ما يطلق عليه حمامات السوق، ولم تكن الحمامات آنذاك منشأة عامة تقدم خدمة للأفراد فحسب، بل كان مكاناً للقاء الأصدقاء والأقرباء في مناسبات اجتماعية عدة كالزواج والولادة وبعد البرء من المرض وغيرها، كما يعتبر الحمام مكاناً يحصل فيه التعارف بين أبناء المجتمع الدمشقي، كما خضع الحمام الدمشقي لتقاليد وأعراف خاصة لأنه كان وسيلة من وسائل النظافة وصورة معبرة عنها فحسب، بل لأنه كان يعتبر وسيلة من وسائل المتعة والانشراح كالمتنزهات تماماً بالنسبة لأهل "دمشق" وكان رواده يقضون ساعات طويلة فيه للأكل والشرب واللهو، وقد كان دمشق حمامات للرجال والنساء.

يتوارث الدمشقيون في تراثهم الثقافي الكثير من القصص عن الحمامـات، وأغلبها غير واقعية والتي تدل على حجم الميثولوجيا التي تنسج في الثقافة حول مجالات الاستخدام اليومي في ذلك الزمن.

أجريت اللقاءات بتاريخ 16تموز 2023