الارتقاء وتطوير مفاهيم الرقص عبر نقل معارفه وخبراته لطلابه سواء داخل وخارج "سورية"، كان طموح الفنان "معتز ملاطية لي" الذي تحقق بكثير من العمل الجاد والجهد الدؤوب، وهو الذي بدأ مشواره في دراسة فن الرقص في جامعة "تشارلز" جمهورية "التشيك"، وكان ذلك في منتصف الثمانينات تقريباً.

مسيرة الاحتراف

يقول الفنان "ملاطية لي" في حديث لمدونة وطن: « ترجمت ميولي ومحبتي بالرقص وصقلتها على يد مجموعة من مدرسي وخبراء الجامعة منهم الأستاذ (جان هارتمان)، وخلال الأربعين عاماً الماضية سافرت إلى عدد من الدول منها "أميركا وأوروبا" لأدرب وأتدرب على فن الرقص، ولأزيد من خبرتي وأوظف موهبتي حاملاً كل مالدي من أفكار ومفردات في لغة الجسد، ومازلت أعمل على نشره وتعليمه لكل شخص متذوق وشغوف لفن الرقص».

استفدت كثيراً من خبراته في الرقص، وقد ساعدني على مدار سنوات دراستي في تكوير شخصية الراقص بداخلي وصولاً للراقص المتكامل

ويتابع حديثه بالقول: «تجربتي الأولى في المسرح التجريبي بعنوان "المخيلة"، ويعد قريباً من المسرح الراقص لكنه مسرح تقني، حيث قدمت ضمنه قرابة الـ 250 عرضاً، وفي أواخر الثمانينات بدأت في إدخال تجربتي وخبرتي التقنية الجديدة في مجال الرقص من خلال عروض فرقة زنوبيا القومية، وباعتبار أني أول من أدخل الرقص الحديث إلى "سورية" وعلى الرغم من كل الصعوبات المختلفة، تمكنت من تأسيس ست أو سبع فرق للمسرح الراقص، كما وأسست فرقة (الجمرة) للرقص الشرقي الحديث وهي عبارة عن مزيج بين الشرقي والأجنبي، وبالطبع قدمت عروضاً عديدة في "سورية" منها مهرجان المحبة عام 1997، ولدي عدة مشارَكات في أكثر من خمسين عملاً مسرحياً كمصمّم للرقص أبرزها "شوية وقت، ضجيج وحنين، ملذات شخصية" ».

خلال تدريبات على الرقص

شغف التعلم

تكريم الفنان باحتفالية يوم الرقص العالمي 2023

منذ تكليفه برئاسة قسم الرقص بالمعهد العالي للفنون المسرحية في "دمشق"، عمل "ملاطية لي" على إيجاد خصوصية للقسم، «سابقاً كانت أعداد الطلاب قليلة حيث لم يكن يتواجد في كل صف أو مرحلة سوى طالبان أو ثلاثة فقط، وحالياً يتواجد أكثر من 150 طالباً وطالبة.. بالنسبة لنا كاساتذة كنا نركز على كل تفاصيل وأجواء الألفة والتعاون التي كانت حاضرة دائماً، ولم تكن قلة الأساتذة في القسم تعيق تحقيق الحلم، حيث كنت أنا وأستاذة روسية فقط سابقاً نعلم الطلاب ونعطيهم كل مابوسعنا لتقديم وإبراز الأفضل، حتى التعامل مع الطلاب الراقصين سادته حالة من الاحترام والتقدير في ظل عطاء كبير نابع من القلب والعقل، وبالفعل تم تخريج شباب جل هدفهم هو التركيز على مفردات الجسد والبعد الإنساني للرقص، مع الحفاظ على التعبير النفسي والروحي والجسدي المتواصل أثناء العرض، واليوم في زمن طغت عليه التكنولوجيا، تبقى هذه الطموحات تلازمني مع طلابي الجدد بالإضافة لاختيار المقومات الشخصية والجسدية المطلوبة للراقص، فلكل مقوماته أو الكاريزما الخاصة به ».

واقع صعب

ليس سهلاً تقبل المجتمع لموضوع الرقص، وحتى اليوم لا زالت تلك الكلمة مستهجنة يتابع الفنان حديثه للمدونة ويضيف: « الرقص برأيي هو شبه حالة من التحدي، فالرقص فن والراقص يجب أن يعبر عن واقعه المعاش ويعالجه في هذا المجتمع أو ذاك، لكن من المهم بالمقابل عرض أعمال متقنة تلقى محبة الجمهور في هذا الفن، كما أن التجديد مطلوب أيضاً، وانا أسعى لمواكبة متطلبات العصر في التدريبات والعمل وفي كل التفاصيل مع كل راقص، بحيث يمكن التعبير عنها وترجمتها للجمهور على خشبة المسرح وأعمل دوماً على نشر ثقافة الرقص لكل محبيه من خلال تدريباتي وورشات العمل، وذلك رغم وجود تحديات تتمثل في عدم وجود فرص عمل للراقصين».

على هامش عرض عمل "الاستعراض الأخير"

ومن طموحاته لتأسيس فرقة الباليه الوطنية يشير إلى أنها تتطلب مقومات من الناحية المادية والإنتاجية والموسيقية لذلك ظلت قيد الدراسة.

المعلم الأكاديمي

"ندرس بشكل أكاديمي تقريباً جميع أنواع الرقص والتقنيات الخاصة فيها على يد أساتذة محترفين، منهم أستاذي "معتز ملاطية لي" الذي يشرف على الطلاب من اجتياز قبولهم بالمعهد حتى تخرجهم" ، تقول "ميرا عيسى" الطالبة في السنة الثالثة في معهد الرقص: «ندرس على يديه مواد الرقص الحديث ورقص الجاز وهي مواد أساسية لتطوير الراقص من الناحية التقنية والحركية وتحسين مهاراته، ومادة مختبر التصميم التي يعلمنا من خلاها التفكير بالحركات الراقصة ومعانيها ودلالاتها من خلال فرضيات وتمارين مخصصة.. يعلمنا الرقص ليس كتصميم للحركات فقط، بل بما يحتويه من أفكار ومعانٍ للتواصل مع المتلقي، لذلك بعد مسيرة من الخبرة والتعليم فقد جمع لنا كل أساليب التدريس المتميزة في الإعطاء والتقييم، حيث أن ملاحظاته تتعدّى الجانب الحركي والتقني ليعمل على تطوير شخصياتنا وإبراز هويتنا كراقصين نسعى للاحتراف».

وتضيف "عيسى": « استفدت كثيراً من خبراته في الرقص، وقد ساعدني على مدار سنوات دراستي في تكوير شخصية الراقص بداخلي وصولاً للراقص المتكامل».

بدورها ترى الطالبة "رنيم الحكيم" أن الفنان "ملاطية لي" استطاع من خلال نصائحه وملاحظاته أن يكون مؤثراً حقيقياً على حصيلة المعرفة لدى طلابه، وهذا هو جوهر رسالة التعليم، بأن يخلق المعلم فرقاً في مسار ومنهج طلابه، مضيفة ان أسلوبه كان بعيداً عن التلقين بل تقصّد أسلوباً يعتمد على جهد الطالب في البحث المعرفي لتقديم كل ما لديه، هو لا يتعامل مع الفن على أنه مهنة، بل كأسلوب حياة لأنه مؤمن بتفرد كلاً منا وبما لدينا من قدرات لا حدود لها، ويؤكد لنا باستمرار بأن نعمل بذكاء قبل الجهد.