تمثل الحرف التقليدية ثقافة وهوية وإرثاً حياً يعبر عن الحضارة السورية العريقة والمتوارثة عبر الأجيال، والتي قاومت الاندثار نتيجة تأثرها بالأزمة وبالظروف الاقتصادية الصعبة، حيث تمر هذه الحرف بواقع وصفه أصحاب الشأن بالصعب الذي لا بد من تجاوزه كي تعود إلى سابق عهدها وألقها.
توحيد الجهود
يتحدث الباحث في التراث الشعبي الدكتور "محمد فياض الفياض" للمدونة عن الحرف التقليدية، واقعها وآفاق تطورها والصعوبات التي تواجهها، ويقول: «كانت الحرف التقليدية في "سورية" تعيش حالة من عدم الاستقرار إلى أن تأسس الاتحاد العام للحرفيين بالمرسوم التشريعي رقم (250 للعام 1969م)، كمنظمة شعبية راعية للحرف التقليدية، الذي بدوره استطاع تأسيس عدد من الجمعيات الحرفية المتخصصة، وتشكيل صندوق المساعدة الاجتماعية، وبالرغم من أهمية المرسوم، إلا أنه جعل الحرف الإبداعية والمهن الخدمية في مرتبة واحدة، ولم يفرق بين الحرفة والمهنة والصنعة والصناعة، ولم يلزم المرسوم الحرفيين بالانتساب للاتحاد، فأصبح لدينا قطاعان: أحدهما منظماً وآخر غير منظم كبير جداً».
حالياً تموت الحرف وتتلاشى، نتيجة الظروف التي تعيشها البلاد من حصارٍ جائرٍ وضعف القدرة الشرائية
ويشير "الفياض" إلى أن الضعف برأيه يعود إلى تعدد الجهات الداعمة للاتحاد العام للحرفيين، التي لعبت دوراً محورياً في صياغة القرارات المتعلقة به، منها: وزارة الصناعة، وزارة السياحة، وزارة الثقافة، وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، الأمانة السورية للتنمية، إذ لا بد من توحيد هذه الجهود عبر تشريع قانوني جديد، يعطي الجميع فرصة للنهوض بهذا القطاع المهم، شريطة تقديم التمويل الحقيقي له.
خطر الزوال
أسباب أخرى يذكرها الباحث عند حديثه عن تراجع الحرف التقليدية ومنها عدم قدرة هذه الحرف على التكيف والتماشي مع لغة العصر والحداثة والتطور، وعزوف جيل الشباب عن تعلم هذه الحرف، كونها لا تلبي طموحاتهم، إضافة الى عدم خلق معاهد تخصصية تقوم بالتدريب، وحماية الإرث الثقافي الحرفي من التلاشي والزوال، وعدم وجود آلية للربط بين قطاع الحرف التقليدية والجهات الحكومية الأخرى، في مجال التعليم والبحث والتكوين والتسويق وكذلك الحماية والصون، وغياب الدعم الحكومي المباشر.
ويبين الباحث أن جامعة دمشق لعبت دوراً إيجابياً في تسليط الضوء على الحرف من خلال ماجستير التأهيل والتخصص في التراث الشعبي، حيث أنجز طلابه العديد من الأبحاث المهمة المتعلقة بتسجيل وصون وتدوين المعارف والمهارات والممارسات المرتبطة بها، كما عملت المؤسسة العامة للبريد على توثيق الحرف التقليدية من خلال إصدار الطوابع البريدية.
ممكن ولكن!
«حالياً تموت الحرف وتتلاشى، نتيجة الظروف التي تعيشها البلاد من حصارٍ جائرٍ وضعف القدرة الشرائية» يقول "الفياض" مشيراً إلى أنه لا بد من تأمين الحماية للصناعات التقليدية، وإعفاء المواد الأولية المستوردة من الرسوم الجمركية لخفض التكلفة محلياً، وإلغاء الضرائب المالية باعتبارها سلعاً ثقافية فنية، ومساعدة الحرفيين في تصريف منتجاتهم داخلياً وخارجياً، وتأمين الرعاية الصحية للحرفيين، ووضع شروط قانونية لممارسة النشاط الحرفي، وإصدار طابع بريدي تذكاري سنوي لأفضل الابتكارات الحرفية ومبدعيها، وتكريم الحرفيين المبدعين، ومنحهم المكافآت المادية، وتفعيل عمل الأجهزة الإدارية التي تهتم بالحرف التقليدية والصناعات اليدوية، وإدخال الأنشطة الحرفية في مقررات التربية الفنية في المناهج التربوية، فضلاً عن إنشاء القرى التراثية الخاصة بالحرف التقليدية في كل محافظة، وتأسيس مركز معلومات توثيقي حرفي لتطوير الصناعات اليدوية، وإدخال التقنيات الحديثة على الحرف المتوارثة، فضلاً عن تعزيز السياحة الثقافية، وإظهار الطابع الوطني والشرقي للمنتجات الحرفية، وعرض المنتجات الحرفية في الأماكن الأثريــــة والسياحية والأسواق القديمة، وإحداث معهدٍ عالٍ لتعليم الحرف الإبداعية للإسهام بترميم المباني التاريخية المتضررة نتيجة الأزمة وفق معايير الدولية الرائدة، وإنشاء مراكز متقدمة للتدريب الحرفي في إطـــــــــــار مشروع أكاديمي لإقامة معاهد فنية متطورة تعنى بكل وجوه التراث الشعبي.
حاضنة داعمة
الحرفي"لؤي شكو" مدير حاضنة دمر المركزية للفنون الحرفية، والذي عمل ضمن التنظيم الحرفي لمدةٍ زادت عن ثلاثةِ عقودٍ، يرى وأثناء حديثه عن آفاق تطوير الحرف التقليدية أنه" لاشيءَ مُسْتَحيلاً"، مضيفاً: «للحفاظ على هذه الحرف ينبغي الحفاظ على ما تبقى من شيوخ الكار، من خلال إنشاء الحواضن التي تجمعهم، ومعالجة المشاكل الإدارية التي تعترض عملهم ومنها السجل التجاري والحرفي والسياحي، وتأمين المواد الأولية والآلات والمعدات، فالحاضنة تعمل على تأمين مستلزمات وسائل الإنتاج للحرفين المنتسبين إليها، عبر سجل واحد تجاري وسياحي وترخيص إداري واحد وكله باسم الحاضنة، فهي تهيئ المناخ للحرفي ليبدع وللجهات المعنية لدعمه، فهم موجودين في منظومة اقتصادية واحدة، نسعى لتعميمها على المحافظات كافة».
ويشير "شكو" إلى أن الحاضنة تقوم بالتنسيق لإقامة معارض خارجية وداخلية باسمها، وهيئة دعم وترويج الصادرات للمشاركات الخارجية، فضلاً عن توفير المناخ لتعليم الحرف للجيل الناشئ، وبعض الحرف بحاجة إلى أطر أكاديمية بالتنسيق مع جامعة الشام الخاصة.
تنسيق ومشاركة
"ناجي الحضوة" رئيس الاتحاد العام للحرفيين يقول: «نحن في الاتحاد نهتم وندعم كافة الحرف التراثية والإنتاجية والخدمية والاقتصادية، بالنسبة للحرف التراثية فقد بادر الاتحاد لإقامة دورات وبرامج تأهيلية لتأهيل وتدريب الحرفيين وخلق خبرات جديدة لزجها في سوق الإنتاج، وذلك من خلال تأسيس حاضنات كمكان للتدريب والتأهيل والإنتاج والتسويق الداخلي والخارجي، والتصدير للخارج باسم الاتحاد، وتم الحصول على الثبوتيات المطلوبة كافة من الوزارات المعنية بذلك، أما الأسواق الداخلية يقوم الاتحاد على إنشاء أسواق دائمة، لتسويق المنتجات الحرفية وخاصة الآيلة للانقراض، ووضع برامج زمنية للحفاظ عليها، من الأسواق الدائمة كالسوق المقام في حاضنة دمر، وأسواق سنوية في المحافظات كافة بالتعاون مع وزارة الاقتصاد والمؤسسة العامة للمعارض، وكذلك المعارض التي تقيمها وزارة الثقافة بالتشارك معنا، وأسواق وبازارات خاصة التي تقيمها الجمعيات الحرفية في دمشق وريفها وباقي المحافظات».
تم التواصل مع الباحث "محمد فياض الفياض" بتاريخ 22 نيسان 2023م.
تمت اللقاءات "ناجي الحضوة" و"لؤي شكو" بتاريخ 25 نيسان 2023م.