الزائر لمنطقة تلال الصفا البركانية الواقعة إلى الجنوب من محافظة "السويداء" يشعر أنه أمام لوحة جمالية طبيعية أبدعتها يد الخالق، فهنا دفنت حضارات عمرها أكثر من ألفي عام في بطون الصبات البركانية، وليبقى البحث عن ما تخفيه تلك الصبات بين صخورها وفك طلاسمها الشغل الشاغل لباحثي الآثار والتاريخ.

حديقة جيولوجية

لم تكن الصبات البركانية التي ولدت من بطونها الجروف والكهوف الصخرية، إلا مجرد رحلة بحثية لاستكشاف تاريخ مضى عليه آلاف السنين، ويقول الباحث الأثري الدكتور "نشأت كيوان" لـ"مدونة وطن": «رغم مناخ المنطقة المتنوع، إلا أنها شكلت على مدى ألفي عام متواصلة، نقطة استقرار للذين قطنوا فيها، ولعل المتجول في رحاب منطقة الصفا مستكشفاً وزائراً لابد أن يخرج منها وجعبته مملوءة بالكثير من المعلومات التاريخية التي تحتاج لمزيد من البحث والمعرفة».

رغم مناخ المنطقة المتنوع، إلا أنها شكلت على مدى ألفي عام متواصلة، نقطة استقرار للذين قطنوا فيها، ولعل المتجول في رحاب منطقة الصفا مستكشفاً وزائراً لابد أن يخرج منها وجعبته مملوءة بالكثير من المعلومات التاريخية التي تحتاج لمزيد من البحث والمعرفة

ويشير "كيوان" إلى أن تنوع بيئة تلك المنطقة وغناها بالأوابد الأثرية، إضافة لعثور الباحثين خلال أعمالهم التنقيبية في المنطقة على طبقة كبيرة من البازلت المنصهر، مضافاً إليها آلاف العظام المختلطة بها والمشوية لدرجة التبلور، تعود لعدد كبير من الطيور والحيوانات التي كانت تعيش في المنطقة منذ نحو ثلاثة آلاف عام، رشحها لأن تكون محمية جيولوجية وطبيعية وأثرية، وهناك مقترح لا يزال قائماً من المهتمين بالتاريخ، وبالتالي وضعها على لائحة التراث الوطني واعتبارها محمية جيولوجية.

الصبات البركانية

موطن الحضارات

الكتابات الصفائية

ويضيف "كيوان": «القارئ للتاريخ المخفي والمعلن لمنطقة تلال الصفا، سينتهي به المطاف، إلى أنها كانت مستقراً وموطناً للعديد من الحضارات أهمها الأمباشي، المحتضنة لأكثر من مئة وحدة معمارية، تفننت في بنائها أياد ماهرة متمرسة، تجيد لغة فن العمارة.. تاريخ المنطقة بدأ من العصر الحجري النحاسي، لينتهي بعصر البرونز الوسيط، وتميزت منازلها بأشكال وألوان متنوعة فبعضها أسقفها مقببةٌ، وأخرى أسقفها بلاطات حجرية، بجانبها مواقد وأفران، والزائر لـ"الأمباشي" لا يمكنه أن يغادرها من دون أن تكتحل عينيه، برؤية مقبرتها، التي تضم مئات القبور، المبنية بالحجارة الكبيرة، بأشكال مربعة ومستديرة».

ويقول الباحث "يعرب العربيد": «إضاقة للمستوطنات المكتشفة، فقد أرخ الباحثون الذين جاؤوا المنطقة مستطلعين ومستكشفين، العديد من الكتابات العربية، التي تعرف باسم النقوش الصفائية، وهي بالأصل كتابات عربية مشتقة من الأبجدية المسندية، التي دونها قاطنو تلك المنطقة على الصخور والحجارة البازلتية، حيث كانت الولادة الأولى لتلك النقوش الكتابية في القرن الأول قبل الميلاد لتستمر حتى القرن الثالث الميلادي».

النقوش الحجرية

ويتابع "العربيد" بالقول: «إن تنوع المنطقة البيئي والطبيعي، وغناها بالأوابد الأثرية، والمكتشفات التاريخية، جعلها من دون أدنى شك تحقق شروط تحويلها إلى حديقة جيولوجية، وأن ما يؤهلها أيضاَ لذلك المشروع السياحي الهام طبعاً في حال تحقيقه، هو مساحتها الشاسعة وقربها من مدينتي" السويداء ودمشق"، فالتاريخ الذي دونه وخط سطوره الأقدمون وأرخ له السكان الحاليون، ما زال حاضراً لم يغب، فعلى سطوح صباتها البركانية، بنى العرب حضاراتهم».

النقوش "الصفائية"

بدوره يقول رئيس دائرة آثار السويداء "خلدون الشمعة": «إن وجود النقوش والكتابات المنقوشة على الصخور الحجرية، يزيد المنطقة أهمية والقاً ويجعلها أشبه بحديقة جيولوجية طبيعية أثرية، وهذا ما كان يعمل عليه بصراحة، إلا أن الظروف الراهنة حالت دون ذلك، والأهم هو أن المنطقة الأثرية المدفونة تحت حجارتها تعود لتاريخ شعوب وقبائل سكنت هذه المنطقة وعبرت عن تراثها وفكرها ومعتقداتها».

ويضيف "الشمعة": «لعل أهم ما يميز منطقة الصفا ما عثرَ عليه من كتابات ونقوش صفائية تؤرخ للحضارات التي تعاقبت على المنطقة، وقد أطلق عليها الباحثون" صفوية الشامية" نسبة إلى تلول الصفا الواقعة إلى الجنوب الشرقي من "دمشق" وإلى الشمال الشرقي من "السويداء"، وهي تمتد إلى الغرب من سهل الرحبة والى الشمال من موقع الزلف وإلى الشرق من خربة الأمباشي (الانباشي)».

ويشير "الشمعة" إلى أن أول من تحدث عنها كان الرحالة الإنكليزي "جراهام" الذي زار منطقة الصفا عام ١٨٥٧ ثم تابع العديد من الرحالة والباحثين الأجانب دراستها ومعرفة حروفها وابجديتها، وما فيها من ذكر للعشائر وتراثها وحكاياتها، وتوجد نصوص ذكر لأحداث و"سندات" ملكية لأشياء مثل منزل أو حيوانات أو بيوع، كذلك توجد نقوش صفوية جنائزية وصلوات ومشاهد حيوانات وأشخاص، والناظر للطبيعة الجغرافية والجيولوجية لهذه المنطقة ستبهره طريقة توزع الحجارة الصغيرة وكثافتها على مساحات واسعة نسبياً.