في صباح يوم الأحد 19/2/ 2023، ورغم إدراجها في قائمة اليونيسكو لمواقع التراث العالمي عام 1979، استهدف عدوانٌ إسرائيليٌ قلعة دمشق، مُحدثاً أضراراً في مرافقها التعليمية والإدارية، ليكون هذا الهجوم المباشر، الأوّل في التاريخ المعاصر للقلعة، لا سيما مع انتفاء دورها العسكري بِتقادم الزمن، وإن كانت شهدت في طور التأسيس، وطوال قيامها بالمهام المنوطة بها، حروباً ومعارك كثيرة، سَبّب بعضها أضراراً كبيرة في بنائها، استوجبت إعادة الترميم جزئياً أو البناء كلياً، مع إضافاتٍ وتعديلاتٍ طرأت باستمرار.

القَلعَةُ السَّلجُوقِيَّةُ

القصف الصاروخي أحدث أضراراً كبيرة في القلعة، طالت المكاتب الإدارية، إلى جانب المعهد التقاني للفنون التطبيقية والمعهد التقاني المتوسط للآثار، وهما مؤسستان تعليميتان

يعود المهندس والآثاري ادمون العجي إلى بدايات تأسيس القلعة الواقعة في الزاوية الشمالية الغربية من مدينة دمشق القديمة، حيث تتكامل أسوارهما معاً، ويشرح في حديثٍ إلى "مدوّنة وطن": «وسط أحداثٍ سياسية مُضطربة، أبرزها حصار الفاطميين لمدينة دمشق الواقعة تحت حكم السلاجقة، بدأ القائد التركماني أتسز بن أوق، بناء قلعة دمشق عام 1076-1077، بتكليفٍ من خليفته تاج الدولة تُتُش، تحسباً لهجومٍ جديد من الفاطميين»، يقول العجي: «لا يمكن الإحاطة بشكلٍ تام بجميع الهجمات والإصلاحات الواقعة على قلعة دمشق بالكامل خلال فترة السلاجقة بسبب محدودية المصادر، لكن عموماً كان الحكّام السلاجقة في دمشق ضعفاء جداً، حتى استيلاء نور الدين الزنكي عليها في 1154، ولقد كرس كلٌ من الزنكي وصلاح الدين الأيوبي فيما بعد قدراً هائلاً من الموارد لبناء الأعمال الدفاعية، وحتى نهاية عهد الأيوبي، كانت دمشق هي المقر الرئيسي وقاعدة العمليات لغزواته، من هنا لعبت القلعة دوراً رئيسياً في ذلك الوقت لأنها كانت منطقة الانطلاق ومركز الإمداد والترسانة الرئيسية لجميع عملياته العسكرية».

هُولَاكُو وقايتبُغا

في هذه المرحلة، تضرر بناء القلعة بشكلٍ كبير، يستعيد العجي حكاية هولاكو وقايتبُغا: «عام 1260 أرسل هولاكو قائده قايتبُغا للاستيلاء على المدينة الواقعة تحت حكم الأيوبيين، وسرعان ما دخل الجيش المغولي دمشق، غادر قايتبُغا وقواته بعد بضعة أيام لإخضاع المنطقة المحيطة، فتمردت القلعة، عاد قايتبُغا إلى دمشق تحضيراً لهجوم، فنُصِبت المنجنيقات على أبراج القلعة، وقامت القوات المغولية بتقطيع الخشب لبناء المزيد منها، وأمضت اليوم التالي في جمع كمية كبيرة من الحجارة لقصف القلعة، تم تفكيك الجدران، واقتُلعت الأساسات، وجُرّفت القنوات لتوفير الذخيرة اللازمة، وفي الليلة التالية، تم سحب أكثر من عشرين منجنيقاً إلى مواقعها على الجانب الغربي من القلعة بواسطة الخيول، احتدم القصف بلا توقف طوال الليل، وفي اليوم التالي تعرّض الجانب الغربي من القلعة لأضرارٍ جسيمة، كذلك العديد من المباني داخل القلعة دُمِّرت والتهمتها النيران، لاحقاً طلبت القلعة شروط التسليم واستسلمت، وشرع المغول بتفكيكها وتدمير بدناتها وأعالي أبراجها".

الحِصَارُ المَغُولِيُّ

في معركة عين جالوت عام 1260 بين المماليك والمغول، وبعد أن تمت إبادة الجيش المغولي وقُتل قايتبُغا، بدأ مشروع إعادة بناءٍ واسعة النطاق لإصلاح الأضرار التي لحقت بالقلعة من المغول، وتشير التقديرات حسبما يقول العجي إلى أنه تم إنفاق مليون درهم على إعادة بنائها، في حين إن الاختبار الحقيقي الأول لدفاعات القلعة والمدينة في الفترة المملوكية جاء مع الحصار المغولي لها في العام 1300 بقيادة قازان وبمؤازرة قوات جورجية وأرمنية وفصائل نائب دمشق الفار قبجاك. يقول العجي: «حاصرت القوات المغولية دمشق لمدة 20 يوماً، وتهيأ نائب القلعة علم الدين أرجواش للمقاومة، وبرغم حصار القلعة من داخل المدينة وخارجها إلا أن حنكة أرجواش الذي أمر بتدمير كافة المباني المرتفعة المحيطة بالقلعة منعاً لنصب المنجنيقات عليها، حرمت المحاصرين من هذه الميزة، ففشل الحصار وانسحب قازان، وعمل أرجواش سريعاً على إصلاح المتضرر من تحصينات القلعة، أهمها عند الواجهة الشرقية، وكان هذا في عهد الناصر بن محمد قلاوون».

حِصَارُ تيمورلنك

بعد هزيمة جيشٍ مملوكي، بدأ حصار تيمورلنك عام 1401، وهو أسوأ وأقسى ما أصاب القلعة من دمار، يشرح العجي: «استمر الحصار أكثر من أربعين يوماً، استُخدمت فيه أعتى الأسلحة والمنجنيقات، كما استُخدمت فيه تقنية نقب الأسوار وخلق الفجوات المتقاربة والحمل المؤقت للأسوار على دعائم خشبية لإحراقها دفعة واحدة، وإحداث انهيار واسعٍ ومُفاجئ لقطاعاتٍ ضخمة منها، كما حدث مع برج الطارمة الشمالي الغربي، بقي الدمار الذي حل بالقلعة طويلاً لحين قيام نوروز الحافظي حاكم دمشق بإعادة بناء دفاعاتها الخارجية عام 1407».

تعرضت القلعة لحريقٍ كبير عام 1461، وأُعيد بناء برجيها الأول والثاني عام 1462، كما أُعيد بناؤهما مجدداً بعد زلزال عام 1759.

الفَترَةُ العُثمَانِيَّةُ

يُصنّف العجي النزاعات التي أثّرت على دمشق وقلعتها خلال الفترة العثمانية إلى ثلاثة أنواع مختلفة: «أولاً: الصراع الداخلي الذي يتكون من مناوشات بين القوات الإنكشارية المحلية والقوات الإنكشارية الإمبراطورية أو الاشتباكات بين الحاكم المخلوع وبديله الجديد المُرسَل من اسطنبول، إضافةً للانتفاضات الشعبية، ثانياً: التهديدات الخارجية، ثالثاً: الاعتداءات البدوية على أطراف المدينة».

بالإضافة إلى هذه الاضطرابات، ضرب زلزالٌ شديد مدينة دمشق عام 1759، وألحق أضراراً كبيرةً بالقلعة، يقول الآثاري: «وفقًا للمؤرّخ كمال الدين الغزي، فقد سقط السور الغربي للقلعة بالكامل وامتلأ نهر بانياس بالأنقاض، كما يذكر المؤلف المجهول لكتاب زلازل دمشق بأن الجدران الساترة الجنوبية (البدن القبلي) انهارت وسقطت في الخندق، ويذكر أيضاً أن أحد أبراج القلعة سقط على منطقة المناخلية، والعديد من المساكن داخل القلعة انهارت، وعندما وصلت أنباء هذا الزلزال إلى اسطنبول، أرسل السلطان مصطفى الثالث وفداً إلى دمشق برئاسة مصطفى صبنيخ زاده لتوجيه المهمة الهائلة المتمثلة في إعادة بناء الهياكل المدمرة في المدينة».

بَعدَ الزِّلزَالِ

أعقب الزلزال عدّة أحداث أثّرت بشكلٍ واسع على القلعة، يذكرها العجي تباعاً: «حصار أبو الذهب عام 1771، الذي أمر المدفعيين بقصفها، ثم تمرّد الإنكشارية المتحصنة بالقلعة ضد أُظُن إبراهيم باشا 1787، عندها قام بفرض حصار على القلعة وقطع نهر بانياس، كما أغلقت قوات الإنكشارية أبواب القلعة ودمرت الجسر المواجه لمدخلها، أيضاً وجّه أُظُن باشا مهندسيه المعماريين لحفر نفقٍ وقام بقصف القلعة، أيضاً حصار سليمان باشا السِلحدار 1812، والذي تسبب بقصف القلعة، وفي فترةٍ لاحقة التمرّدُ على الحاكم العثماني سليم باشا 1831، حيث وجّه السكان نيرانهم إلى القلعة، ووُضعت المدافع على مبانٍ قبالة برج الزاوية الجنوبي الغربي، استمر القصف لمدة أربعين يوماً وليلة، أخيراً، حُفِر خندقٌ تحت برج الزاوية وتم تفجيره. بعد ذلك، تمت توسعة الخرق الذي أحدثه التفجير عن طريق قصفٍ مدفعيٍ إضافي، حتى تم تدمير جزء كبير من البرج، الذي أُعيد بناؤه لاحقاً».

يُضيف العجي عن القلعة بين 1832 و1917: «تراجعت أهمية القلعة كمنشأةٍ عسكرية بسرعة خلال القرن التاسع عشر، في حين احتفظت أسوارها بمظهر مذهل، إلا أن الجزء الداخلي منها تُرك عُرضةً للاضمحلال، وفي عام 1895، تم تحويلها إلى مقلعٍ للتزوّدِ بمواد البناء للثكنات الجديدة، ما تسبب بالاعتداء على أبراجها بين تفكيكٍ وتدمير، عقِبَ هذا الاجتياح الجائر لِنسيجها المعماري، نجت القلعة حتى يومنا هذا من دون أضرارٍ جسيمة في بنيتها».

العِدوَانُ الإِسرَائِيلِيُّ

خلال فترة الانتداب الفرنسي استمر استخدام القلعة كثكنة وسجن للثوّار، وأُضيف عليها الكثير من المباني الحديثة، بعد ذلك أُلحقت بوزارة الداخلية السورية، واستُخدمت كسجنٍ حتى عام 1984 حيث انتقلت مسؤولية إدارتها إلى المديرية العامة للآثار والمتاحف، وتحوّلت إلى معلم سياحي وثقافي وتعليمي، ولم تطلها أضرارٌ تُذكر حتى استهدفتها إسرائيل كما أشرنا بدايةً.

عن الأضرار التي سببها العدوان، تقول مديرة قلعة دمشق المهندسة عهد دياب: «القصف الصاروخي أحدث أضراراً كبيرة في القلعة، طالت المكاتب الإدارية، إلى جانب المعهد التقاني للفنون التطبيقية والمعهد التقاني المتوسط للآثار، وهما مؤسستان تعليميتان»، وأضافت في لقاءٍ مع "مدوّنة وطن": «الأبنية المُتضررة تأتي ضمن كتلتين متصلتين، بطول 40 متراً، وعرض 5,5، الكتلة التي تشمل إدارة المعهدين تعود للفترة العثمانية، كانت مقسّمة إلى 7 فراغات، تهدّم أكثر من نصفها، والبقية قائمة لكن بحالة غير مستقرة بسبب ميلان الجدران للخارج مع فصل بين الأرضية والجدران، أمّا إدارة القلعة فهي 3 فراغات، تهدّمت بالكامل».

ولم تقتصر الأضرار على البنية الإنشائية بل طالت المزيد، تقول دياب: «أرشيف القلعة ومجموعة دراسات وكتب ومخططات تتعلق بها منذ عام 1984 حتى اليوم، إضافةً إلى أضابير ومشاريع خارجية عن قلعتي المرقب والحصن، ومشاريع مع الاتحاد الأوروبي، جزءٌ منها محفوظ إلكترونياً لكن أكثرها ورقيٌّ ومُتضرر، أيضاً أجهزة كمبيوتر وطابعات وأفلام قديمة عن القلعة، الضرر فيها كبير جداً، يُضاف إلى ما سبق أضرار في الأبواب الإلكترونية للقسم المتحفي في القلعة».

ووفقاً لما تقوله دياب، فأثناء إزالة الأنقاض، تم تجميع ما أمكن للفرز ودراسة ما يُمكن ترميمه وإصلاحه.