لَم تكن فكرة تأسيس جمعيةٍ ثقافيّة فنيّة، أمراً مطروحاً في البداية، عند مجموعة أُدباء وتشكيليين وإعلاميين، لدى كلّ منهم تجربته في ميادين الخط العربي والفنون البصرية، غير أن رغبتهم بتوثيق نشاطهم، وتنظيمه ضمن مدينة دمشق، دفع الفنانة ريم قبطان لإنشاء جمعية بيت الخط العربي والفنون، والتي بدأت مزاولة مهامها كجمعيةٍ مرخصة عام 2020، تتبع لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.

سويّة عالية

تستقبل الجمعية الراغبين بالانتساب إليها عموماً، لكنها تُحاول استقطاب أصحاب السويّة العالية في مجالها، بشكلٍ يتناسب مع أهدافها، لذلك تشترط لمن يرغب الانضمام إلى كادرها، تقديم نماذج متميزة من أعماله، ليتم تقييمها من مجلس الإدارة، تقول قبطان في حديثٍ إلى "مُدونة وطن": «جزءٌ كبيرٌ من عملنا يتمحور حول التعليم ضمن دورات وورشات عمل مجانية، أي إننا ربما نحتاج للاستعانة بالمُنتسِب إلينا، من هنا يجب أن يتمتع بالكفاءة والاحترافية، إلى جانب رغبته في العطاء والعمل من أجل المجتمع، لأن ما نقوم به تطوعي، بمعنى أن العمل المنجز مقابل مكافأةٍ ماديةٍ بسيطة».

اللوحات رسائل وذات مُجسّدة، كلٌ منها بمثابة علم مرسل من خلال الألوان والتشكيل الحروفي، خاصةً إذا انتهج الفنان مدرسةً فنيةً معينة، وله بصمة إبداعية مميزة فيها

خبراء الحرف

تحرص الجمعية على تعليم الخط العربي بمُختلف أنواعه "الكوفي، الرقعة، النسخ، الديواني، الثلث، الإجازة، المغربي، الحر"، إضافةً إلى ما يخدم ثقافة الخط العربي، كالفنون التشكيلية المستوحاة من التراث، وفنون الزخرفة ورسم المنمنمات والتصميم، تستحضر قبطان مقولة بيكاسو "الحرف العربي أصل التجريد"، وتشرح أيضاً: «ننطلق من القواعد الأساسية الصحيحة في الكتابة، لذلك نتعاون مع خبراء بقواعد الحرف العربي، لدمجه مع التشكيل، بأسلوبٍ يُحافظ على أصالة الحرف وتوازنه ومعاييره وشكله الصحيح، عدا عن حضوره الواضح في عوالم الأزياء والإكسسوار واللوغو والديكورات المنزلية، لذلك يجب نشره بشكلٍ مدروس، يُحقق الغاية من وجوده الجمالي في أي مكان، بما يضمن مواكبة الفنون المعاصرة والعالمية ويستند في الوقت ذاته إلى ثقافةٍ محلية وشرقية».

محبّة قلم

أقامت جمعية بيت الخط العربي والفنون فعالياتٍ تراوحت بين مأجورة ومجانية، في المراكز الثقافية في مناطق "كفر سوسة، الميدان، المزة، أبو رمانة"، لتعليم الخط العربي والرسم للأطفال واليافعين، وفي خطة عملها معارض دائمة لأعضائها بما يتوازى مع خبراتهم وإمكانياتهم، يُضاف إليها معارض للطلاب والهواة ممن تُدربهم أو يرغبون في العرض عن طريقها، فكان مهرجان "محبة قلم" النشاط الأبرز في رصيدها، تقول رئيسة الجمعية: «ننشر عادةً إعلاناً عن المعرض، ونستقبل مشاركاتٍ متنوعة، نُرحب بها كوننا نسعى لتوفير فرصة العرض لأكبر شريحة ممكنة من الطلاب والمُمارسين، وخلال أيام المهرجان نحتفي بأعمال الفنانين الكبار ومن بينهم كادر الجمعية، مع معرض للشباب وورشات عمل فنية وندوات ثقافية في مجال عملنا».

نشاطات لافتة

في العام الفائت، اهتمت الجمعية بتوسيع نشاطات المهرجان في نسخته الثالثة، فاستقطبت مشاركاتٍ من المحافظات، خرجت في معظمها من نمط الخط الكلاسيكي ونظام اللوحة الخطية التقليدية، نحو دمج الخط بأنواعه في الفنون التشكيلية، كما أقامت معرضاً لإبداع الشباب بمرافقة ورشات مجانية، لتطوير مهارات المشاركين والاستفادة من خبرات المختصين، منها ورشة للخط الديواني أشرف عليها الخطاط أدهم فادي الجعفري، وورشة لخط النسخ مع الخطاط الإيراني محمد علي فقيري، وورشة الخط الكوفي الفاطمي تحت إشراف رئيسة الجمعية، كما احتفت بالخط العربي، في ندوة ثقافية بمشاركة الخطاط العالمي عدنان شيخ عثمان، والذي يُوصف بسفير الخط العربي من سورية إلى العالم، كذلك تضمن المهرجان فعالياتٍ لتحسين الخط للأطفال، تطوع طلاب الجمعية للمساعدة فيها، أما الجزء اللافت فكان العرض افتراضياً لفنانين من عدة دول منها "لبنان، مصر، العراق، فلسطين، الجزائر، الهند، إيران، أفغانستان، إيطاليا».

الشباب والإبداع

تسعى الجمعية مُستقبَلاً، إلى تقديم الخط العربي وفنونه للجيل الناشئ، كرمزٍ لهوية وبيئة وفكر، وهي الغاية التي أُنشئت وتعمل من أجلها، تقول قبطان: «عمل الجمعيات في هذه الفترة ليس بالسهل بسبب غياب المردود المادي وصعوبات المعيشة التي يعرفها الجميع، ننتظر الدعم من أي جهة في سورية حكومية أو خاصة، أو حتى بشكل فردي، ونعمل للتشبيك مع مؤسسات أخرى، وسنبذل ما نستطيع للاستمرارية ولزيادة مشاركاتنا وحضورنا داخل سورية وخارجها، كما نحضّر حالياً لمعرضٍ بعنوان "محبة دمشق" في المركز الثقافي في أبو رمانة، يجمع التشكيل والخط العربي، وتُقام على هامشه ندوة لفريق مئة كاتب وكاتب تحكي عن الشباب والإبداع».

مبادئ الخط

ساهمت المهندسة والتشكيلية ونسة عابد في تأسيس جمعية بيت الخط العربي والفنون، ووجدت فيها ملتقى فنياً، تجمع من خلال نشاطاتها مبدعين في مجالات الفن المختلفة، من رسم وخط عربي وزخرفة وغيرها، عن طريق المعارض الفنية والندوات والورشات المجانية، لهذا تشارك باستمرار في معارض الجمعية المعنية بالخط والرسم على السواء، واستفادت من العمل مع رسامين وخطاطين من مختلف المدارس، تقول للمدوّنة: «اللوحات رسائل وذات مُجسّدة، كلٌ منها بمثابة علم مرسل من خلال الألوان والتشكيل الحروفي، خاصةً إذا انتهج الفنان مدرسةً فنيةً معينة، وله بصمة إبداعية مميزة فيها».

تلتزم عابد بمراحل معينة لتعليم فنون الرسم كـ"البورتريه" وتقنية "الإكريليك"، تشرح: «أهتم بدايةً بتأسيس الطلاب، والتركيز على فهم مبادئ الظل والنور، والتظليل والتحجيم الصحيح لمختلف التكوينات التي أختارها لهم، ضمن خطةٍ متكاملة تساعدهم على فهم مختلف أنواع الخامات والعناصر فنياً، فمثلاً لرسم الوجه يجب أن يفهم الطالب تشريح العين والأنف ليساعده على الرسم بطريقةٍ صحيحة، أما الرسم بالألوان فيتم من خلال تعريفهم بالأدوات والدائرة اللونية وكيفية انتقاء لون الظل والنور».

تعلّم وتدريب

تعرّفت مايا الأحمد على الجمعية عن طريق فيسبوك، لتكون لاحقاً أول طالبة تحصل على شهادة تحمل ختم بيت الخط العربي والفنون، تقول للمدوّنة: «أرسم منذ الصغر بشغفٍ كبير لكنني أردت تطوير موهبتي وتحسين قدراتي، فاتبعت دوراتٍ في الجمعية لمدة عامين، في المرحلة الأولى بدأت الرسم بالرصاص، ثم انتقلت إلى الباستيل والألوان، وقدمت مشروعاً رسم بورتريه للوحة الفنان العالمي رامبرانت، وبعد التخرّج انتسبت إلى الجمعية، وأصبحت عضواً فيها».

شاركت "الأحمد" في عدة معارض للجمعية، وهي تُشرف حالياً على دوراتٍ لتعليم الأطفال الرسم والخط، تشرح لنا: «في الرسم، نبدأ بأشياء بسيطة يُمكن للأطفال نقلها عبر التناظر مثلاً، ثم نعلمهم التظليل في حال تجاوزت أعمارهم سبع سنوات، حتى نضمن إمكانية التجاوب معنا، أما في الخط، فنشتغل بدايةً على أشكال الحروف، وتبعاً للمستوى الموجود نهتم بتحسين الخط وفق مبادئ خط الرقعة».