يعد القطن ثروة وطنية عظيمة ومحصولاً زراعياً ثميناً، توارثته الأجيال في الجزيرة السورية وحافظوا على زراعته، رغم وجود بعض الصعوبات والتحديات التي فرضتها ظروف الحرب، وزراعة القطن في ربوع محافظة "الحسكة" لها تاريخ عريق وطقوس اجتماعية جميلة إضافة إلى فوائده الاقتصادية لأبناء الريف.

تحدٍ ومنافسة

ضمن الأرض الزراعيّة وأثناء القطاف، تكون المنافسة بأعلى درجاتها بين فتيات الريف، اللواتي تنافسن على نيل المراتب الأولى لحصد أكبر كميّة من القطن، ونيل جائزتها الخاصة والمتميزة حسب ما قالته "عمشة محمد العلي".

الطقوس التي ذكرتها وجميع ما أذكره قائمة حتّى اللحظة في أراضي زراعة القطن، كنّا نخرج قبل شروق الشمس ونعود قبل غيابها، غالبية فتيات قريتنا في ريف بلدة "الجوادية"، نذهب ونعود معاً بالفرح والغناء، نجلس بين أغصان القطن، نتناول الطعام سوية، كل واحدة تضع ما جلبته من منزلها، نتشارك في كل التفاصيل، وكأننا أسرة واحدة

"عمشة" كانت منافسة حقيقيّة لصاحبة المرتبة الأولى بجمع أكبر كمية من القطن، تقول عن تفاصيل ذلك التحدي، خلال حديثها لـ"مدوّنة وطن eSyria": «كانت رغبتي تكمن دائماً للوصول إلى مركز ابنة قريتي "نورة" التي نالت مرتبة الصدارة بجمع الوزن الأكبر من القطن، بكمية وصلت إلى 130 كغ، عدد آخر من الفتيات يصلن لكمية قريبة من تلك الكميات، هذه المنافسة أجمل ما أتذكره في حياتي من زراعة وجني القطن، لا مكافأة مادية على ذلك، إنما شعور رائع، فكل أبناء القرية والقرى المجاورة، يتذكرون اسم الفائزة في جمع أكبر كمية من الذهب الأبيض».

منافسة طيبة بين الفتيات

أمضت "عمشة" سنوات كثيرة في جني محصول القطن، تعتبرها الأجمل في حياتها، وتمني نفسها أن تعود تلك الأيام، وتروي بعضاً من ذكرياتها: «الطقوس التي ذكرتها وجميع ما أذكره قائمة حتّى اللحظة في أراضي زراعة القطن، كنّا نخرج قبل شروق الشمس ونعود قبل غيابها، غالبية فتيات قريتنا في ريف بلدة "الجوادية"، نذهب ونعود معاً بالفرح والغناء، نجلس بين أغصان القطن، نتناول الطعام سوية، كل واحدة تضع ما جلبته من منزلها، نتشارك في كل التفاصيل، وكأننا أسرة واحدة».

الشاويش والعاملات

يعتبر جني محصول القطن من خصوصية عمل الفتاة الريفية بشكل أكبر، فهي الأجدر والأقدر على جنيه بالشكل المثالي، وتقول "فاطمة السيد نادر" الملتزمة بالعمل في جني محصول القطن حتّى تاريخه: «هناك أغان خاصة بالقطن، كانت السابقات تغنين تلك الأغاني في الماضي، ونحن حفظناها وغنيناها، خاصة عند المغيب وأثناء الذهاب للمنزل، وهي: (ميجاريح يا أهل الهوى، ميجاريح.. صرنا نحبك ميجاريح) وأغنية أخرى نتناولها بشكل يومي وهي: (تيّسر يا محبوبي تيّسر يا محبوبي.. قالوا خاطب عليّ وأني دمعي تنثر.. تيّسر يا محبوبي تيّسر)، عادة نكون 30 فتاة أو أكثر في قطاف محصول واحد، وهناك شخص يفضل أن يكون شاباً يسمّى "شاويش" يشرف على العمل ويحفز العاملات، يشجعهن للمنافسة، يؤمن الأكياس ويساعد الفتاة بالتعبئة والوزن، يدوّن لكل فتاة كميتها، لأن الفتاة تجني قيمة تعبها من خلال كمية أوزانها.

جني القطن بجهد الفتاة

وتضيف: «قبل 10 سنوات لم يكن يتجاوز سعر قطاف الكيلو الواحد 3 ليرات سورية، طبعاً هناك فتاة تجمع باليوم الواحد 50 كغ، وفتاة يصل وزن محصولها لـ 200 كغ، وطبعاً الفلاح والشاويش يفضلان الفتاة المجتهدة، أنا وغيري هدفنا الوصول لتلك المراتب».

الذّهب الأبيض

يعتبر "عبد الجليل إبراهيم" أحد المزارعين الذين يحافظون على زراعة القطن في قريته "صافيا" بريف "القامشلي"، ويقول: «القطن من المحاصيل الأساسية في "الحسكة" نظراً لتوفر الظروف الجوية المناسبة لزراعته، بالإضافة لكونه ثروة وطنيّة، ويرتبط بتاريخ منطقتنا ونعده رمزاً من رموز الأمل والتفاؤل والحياة، كما يعد جزءاً لا يتجزأ من تراثنا الوطني وتاريخنا الغني، ويكفي أن لونه البياض وشعاره التفاؤل ولقبه الذهب الأبيض، تبدأ زراعة القطن في أول نيسان يُسقى بالماء فور زراعته، وذلك من أجل حماية البذرة من النمل وأيضاً ينبت بشكل مبكر، بعد سقيه لمرتين أو ثلاث، تبدأ مرحلة تنظيف الأرض من النباتات الضارة، الغاية من التنظيف التخلص من النباتات والحشائش الضارة وأيضاً تهوية التربة، ما يعطي نشاطاً لنبتة القطن، وتبدأ عملية قطافه من منتصف الشهر التاسع حتّى منتصف الشهر العاشر، تمسك الكثير من أصحاب الأراضي، أنا منهم بزراعة القطن، لأنه من موارد الوطن وأساسياته، كما يعود بمردود مادي جيد على الفلاح، ومن فوائده يقوي الأرض ويزيد من خصوبتها».

أجرت مدوّنة وطن اللقاءات السابقة بتاريخ 22 كانون الأول 2022.