طوع النّحاتون السوريون قساوة الصخر وأبدعوا أعمالاً متميزة يشهد لها القاصي والداني، أعمال روت قصصاً وحكايات رغم صمتها وتصدرت المشهد الفني، كما برز عدد من النحاتين على المستوى العربي والعالمي ومنهم الفنان "محمد فؤاد جودية".

بين الجدّ والعمل

يروي الفنان "جودية" في حديثه للمدونة محطات من حياته، وهو الذي دخل ميدان العمل باكراً بعدما عاش في كنف إخوته لفترةٍ بعد رحيل والده، ويضيف: «درست في الثانوية الصناعيّة وعاصرت الفترة الذهبية لهذه المدارس بما كانت تقدمه لطلابها من علم مهني متكامل يضم النّجارة والحدادة والإلكترون والميكانيك، والتحقت فيما بعد بمعهد (إعداد المدرسين- أعمال يدوية)، وكذلك في عصره الذهبي كان يدرّس النّحت والتّصوير والزّخرفة والخزف والأعمال اليدوية، وبعد التخرج عملت مدرساً لمادة التربية الفنية التّشكيليّة والتّطبيقيّة».

درست في الثانوية الصناعيّة وعاصرت الفترة الذهبية لهذه المدارس بما كانت تقدمه لطلابها من علم مهني متكامل يضم النّجارة والحدادة والإلكترون والميكانيك، والتحقت فيما بعد بمعهد (إعداد المدرسين- أعمال يدوية)، وكذلك في عصره الذهبي كان يدرّس النّحت والتّصوير والزّخرفة والخزف والأعمال اليدوية، وبعد التخرج عملت مدرساً لمادة التربية الفنية التّشكيليّة والتّطبيقيّة

طموح وشغف

ويتابع "جودية" حديثه بالقول: «شكلت الظروف المالية آنذاك عقبة في طريق إكمال دراستي في كلية الفنون الجميلة، إلا أن الطّموح والشّغف شجعاني للمواصلة وعدم الوقوف عند هذا الحد، وجاءتني الفرصة بمتابعة تحصيلي الأكاديمي عن طريق الدّراسة الخارجيّة بالمراسلات في جامعة "لاغوس" في "نيجيريا"، وأنهيت سنوات الدّراسة بالتوازي مع العمل في الدّيكور والتّصميم الدّاخلي التي أخذت أصولها عن أستاذي وصديقي مهندس الدّيكور "غسان الحلبي"، وكان له الفضل بأن وضعني على سكة هذا العمل منذ عام 1988، وكان لي محفزاً وداعماً كبيراً فأخذت طريقي بحضور المؤتمرات والنّدوات والمعارض، وكثفت سبل متابعتي في الدراسة والبحث في دول العالم في مجال اختصاصي التّصميم الدّاخلي والديكور والإنشاء المعماري».

صرح دير الزور

نشاطات وأعمال

من أعمال ملتقى النصر القطري الرابع في دير الزرو

عن أعماله يتابع الفنان "جودية" حديثه بالقول: «تمكّنت من العمل في مجال النّحت بالحجر بكل أنواعه وأسست ورشة كبيرة تضم الكثير من الفنانين والمعماريين والحرفيين، وأصبحت خبيراً محلّفاً في التّحكيم القضائي، واتحاد الحرفيين، ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ومُنحت ثلاث شهادات دكتوراه فخريّة من دول وجهات مختلفة، وقمت بإدارة عدة ملتقيات دوليّة وقطريّة آخرها كان في "لبنان" وأولها في "السويداء" المحتضنة لأكبر صبة بازلتية في العالم وهي "اللجاة" بصخرها ذي المكسر الجميل والقساوة الكبيرة، ما جعل "سورية" عنواناً للبازلت في العالم، كما شاركت بالعديد من المعارض وأنجزت الكثير من الأعمال النحتية، منها النّصب التّذكاري في "دير الزور" وقد بلغ ارتفاعه 12.5 متراً، كما أشرفت وشاركت في تنفيذ النّصب التّذكاري للأمير "مجيد أرسلان" الذي يجري العمل على تسجيله في موسوعة غينيس كأكبر منحوتة بازلتية من قطعة واحدة وصل وزنها إلى 90 طناً تقريباً بطول يزيد على 6 أمتار».

كاناثا

في بيته "بالسويداء" القائم على النقطة الحمراء لأكروبول المدينة الرومانية، عاش "محمد جودية" طفولته، وشب فيه، ومارس عمله ونشاطه بين ثناياه، واجتهد فيما بعد في تحويل نصيبه من ميراثه (غرفته مع مشغله) لصالة سماها صالة "كاناثا للفنون الجميلة"، فرخّص لها وافتتحها برعايةٍ من وزير الثقافة حينها، وقد كان لهذه الصالة بالإضافة إلى ما استقبلته من أعمالٍ لفنانين كثر حيز عمل آخر هو من حصة أصحاب المواهب وتدريبهم على الفن وصناعته، فأُقيمت لهم دورات تعليم مجانية يلتحقون بها بعد اجتياز اختبارات القبول، وكان للفنان "جودية" جلادة في متابعة وتبني طلابه أصحاب المواهب حتى آخر لحظة.

الفنان أسامة عماشة

ويشير في حديثه إلى أن "كاناثا للفنون الجميلة" كانت بمثابة (قاعة الفنانين) يُعرض فيها مالا يقل عن ثلاثة أعمال مع سيرة ذاتية للفنان وأعماله وأبحاثه لتجتمع بذلك موسوعة فنية لفناني البلد، وجرى فيها تحضير أعمال الكثير من النحاتين منهم "علي سلمان علاء محمد" من "طرطوس" و"حسان حلواني" من "دمشق" و"هشام الغدي" من "دير الزور" و"أسامة عماشة" و"أنور رشيد" من "السويداء"، والفنان "وضاح سلامة" من "ريف دمشق"، وبانتظار تهيئة الظروف المناسبة ليكون هذا الحيز بمتناول رواده، وتم إطلاق موقع إلكتروني لصالة "كاناثا للفنون الجميلة" أسهم في وصول الأعمال إلى العالم.

الذّاكرة الشّعبيّة

وضع الفنان "جودية" اللبنة الأولى في طريق تحقيق حلمه الأكبر بعد أن أضاف إلى صالة "كاناثا للفنون الشعبية" "بيت الذاكرة الشعبيّة" ليوثق الموروث الشعبي السوري انطلاقاً من مدينة "السويداء"، فاحتوت تفاصيل كثيرة ابتداءً بباب حلس (حجر)، كما تضمنت 17 كتلة بشريّة و16 كتلة حيوانيّة بالحجم الطبيعي تصوّر الموروث الشعبي في "السويداء"، وهي (المضافة) بأدق تفاصيلها وطقوسها، ونرى صانعة القش، وصانعة الخبز الملوّح وكذلك صناعة اللبن والزبدة (الشكوة) وصناعة الصوف، وطحن القمح (الجاروشة)، وينتظر هذا المتحف فتح بابه قريباً.

ويعرب الفنان "جودية" عن أمله في تحقيق حلمه الأكبر في "سورية" وهو تأسيس (حدائق سورية النّحتيّة) كما (حدائق إسبانيا النّحتيّة) في "إسبانيا"، لتستقطب أعمال جميع النّحاتين في "سورية" الخريجين والمنتسبين لنقابة الفنانين التّشكيلين وفناني الفطرة الموهبين المتألقين، ليكون لكل منهم فيها على الأقل عمل، وتتضمن هذه الحديقة الإعداد لملتقى سنوي يستضيف ما يقارب عشرة إلى خمسة عشر فناناً من الوطن العربي والعالم، وقد جاءت الموافقة المبدئية على هذا المشروع وحُدّد المكان في حديقة "دمر"، وبانتظار دخول هذه الموافقة حيز التنفيذ.

الفنّان والمربي

الفنان "أسامة عماشة" يصف "جودية" بالمربي الفاضل والمدرس الباني لأجيال من الفنانين، وذو سمعة طيبة وعطرة ويقول: «هو فنان مثابر ومعطاء ومتجدد دائماً، جريء بطرح الكتلة ضمن الفراغ بشكل مدروس ودقيق، يأخذ بعين الاعتبار المعايير الفنيّة والوجدانيّة للعمل الفني، له أعمال رائعة برونزية- خشبية– حجرية، وبحجوم ومقاييس مختلفة ومنها أعمال نصبية مثل (تمثال فؤاد بيك جودية) الرائع، وله أعمال محليّة ودوليّة، وقد كان لي فرصة مواكبة الملتقيات النّحتيّة المحليّة والدّوليّة التي كانت تحت إدارته وكان لها مديراً مثالياً محبوباً ومحباً لزملائه الفنانين المصورين والنّحاتين».