ما إن تدخل إلى "كنيسة يسوع الملك للآباء الكبوشيين في السويداء"، حتى يستقبلك وجه بشوش يرسم ابتسامة على محيا كل زائر له أو طالب مساعدة إنسانية أو اجتماعية، مضفياً على اللحظة سلاماً ومحبة بصوته الساكن.. هو الأب "فادي زيادة" المعروف بعقله وحكمته وتواضعه وعمله الصامت.

طفولة مسؤولة

نشأ الأب" زيادة" في حي" باب توما" الدمشقي في أسرة مكونها الأساس المحبة والإخاء، أب يعمل بجد واجتهاد لبناء أسرة مثالية هيأ لها المناخ المناسب من الثقافة والاطلاع، واتصف بالغذاء الروحي والفكري، وأم لا ترغب من حياتها سوى بتجسيد حنان الأمومة وتتويج أبنائها بتاج العلم والمعرفة، إنها البيئة التي نشأ فيها الأب "فادي الياس زيادة" الراهب الكبوشي من رهبان مار فرنسيس، ورئيس دير وكنيسة يسوع الملك للآباء الكبوشيين، والذي يقول في حديثه لـ"مدونة وطن": «ولدت في حي شعبي من أحياء "دمشق" عام 1969 وهو "باب شرقي" الذي انتقلت إليه بعد ولادتي بعام، إذ كانت الأسرة تقطن في حي "المأمونية" وشاءت الظروف بذلك، الأم لبنانية الأصل لكنها دمشقية الهوى والانتماء، وأخذت شقاوة الطفولة تتحول إلى عفة وطاعة وإيمان والرغبة في الحياة التي من شأنها أن تلتقي مع المقامات الموسيقية، حيث تعلمت حينها العزف على آلتي البيانو والأورغ وخضت تجارب ومسابقات، وما إن أنهيت المرحلة الثانوية بالفرع الأدبي، كنت قد اتقنت الموسيقا عزفاً وغناءً، وجدت نفسي بين أحضان الكنيسة التي اختارتني راهباً بعد عدة اختبارات، ويعود الفضل بذلك إلى الأم والأب والتربية والاهتمام، وأخذت الموسيقا تصقل في روحي عبر إيقاعاتها وأنغامها، تفكيري في الاندماج بالفضاء الأرحب والجمال الأوسع، عزفت "كونشرتو وسوناتا" والعديد من المقاطع السيمفونية، ولكن في مكون شخصيتي كنت أجنح نحو التفاعل الإنساني والمجتمعي».

إنها تحمل ميزة وقيمة مضافة، حين دخلت الكنيسة وجدت بها مضافة، والمضافة في "السويداء" ذات دلالة، ففيها من الثقافة المتنوعة ما يجعل المرء ينهل من معينها ثقافات شتى، فيها من علم الاجتماع ما ينمي الشخصية والتربية الوجدانية والرجولية، وكذلك فيها ميزان الحق والعدل المجتمعي، وأيضاً فيها الالتزام بالقوانين والأعراف، وبالتالي تحمل بين جدرانها عادات وتقاليد عربية تكسب المرء أشياءً جديدة مهما كان مثقفاً ومتعلماً، وبالفعل نهلت من معين أهلها الكثير وبدأت أجد المناخ الذي يناسب دراستي في الحياة الاجتماعية والتفاعل بين أفراد المجتمع وخاصة الفئات التي تحتاج يد المساعدة من أطياف متعددة، واستثمرت جدران الكنيسة في عرض إبداعات الشباب الفنية والصناعات اليدوية

الموسيقا واللّاهوت

ويتابع الأب "زيادة" بالقول: «بعد حصولي على الثانوية العامة بالفرع الأدبي، درست أربع سنوات بجامعات "لبنان"، "معهد القديس بولس، جامعة الكسليك الروح القدس"، ثم توجهت رسمياً إلى "إيطاليا" لدراسة اللاهوت في مدينة "كريمونا" حيث درست الفلسفة لعام وفي "ميلانو" أيضاً درست علم اللاهوت "علم معرفة الله" أربع سنوات وفي عام 2002 عدت كاهناً إلى "السويداء"، وفي 2004 رجعت إلى "روما" وتخصصت في جامعة "اللاتيراه الحبرية" التابعة للفاتيكان، ونلت الماجستير في اختصاص الرعاية من أجل العائلة ومرافقة الأشخاص والمشكلات الداخلية والإنسانية والشبابية، وبعد عودتي تعينت في "دير الزور"، وفي عام 2009 كنت في لبنان لتأهيل شبيبة مار فرنسيس والرهبنة، مع إرشاد في مدارس الحمرا، وشاءت الظروف أن أدرس في الجامعة الأنطونية "التنشئة للمنشئين"، لمدة سنة واحدة وفي الحقيقة تكونت شخصيتي مع الرهبنة بعد تجاوزي اختبارات مهمة في الشروط والمعايير المتبعة من الطاعة، والعفة والفقر والحياة الأخوية، وأذكر أن حقيبة سفري حينما كنت أقضي إجازة من "ميلانو" تأتي فارغة إلا من احتياجات أسرة الإخاء السورية في "دمشق"، التي تحتاج إلى نظارات ومستلزمات طبية يحتاجها الناس من جميع الطوائف.. وفي عام 2011 عدت إلى "السويداء" وما زلت فيها، وحقيقة أحببت أهلها وعشقت مناخها، ووجدت بين ثناياها المحبة والسلام والإخاء والعفة».

زيادة كمال الدين

سحر المكان

الأب فادي ومعين العماطوري

وعن تجربته في "السويداء" يقول الأب "فادي زيادة": «إنها تحمل ميزة وقيمة مضافة، حين دخلت الكنيسة وجدت بها مضافة، والمضافة في "السويداء" ذات دلالة، ففيها من الثقافة المتنوعة ما يجعل المرء ينهل من معينها ثقافات شتى، فيها من علم الاجتماع ما ينمي الشخصية والتربية الوجدانية والرجولية، وكذلك فيها ميزان الحق والعدل المجتمعي، وأيضاً فيها الالتزام بالقوانين والأعراف، وبالتالي تحمل بين جدرانها عادات وتقاليد عربية تكسب المرء أشياءً جديدة مهما كان مثقفاً ومتعلماً، وبالفعل نهلت من معين أهلها الكثير وبدأت أجد المناخ الذي يناسب دراستي في الحياة الاجتماعية والتفاعل بين أفراد المجتمع وخاصة الفئات التي تحتاج يد المساعدة من أطياف متعددة، واستثمرت جدران الكنيسة في عرض إبداعات الشباب الفنية والصناعات اليدوية».

رسالة المحبّة

الدكتور "عدنان مقلد" رئيس جمعية أصدقاء مرضى السرطان يوضح أن ما يميز عمل الأب "فادي زيادة" ثلاث قضايا أساسية: «رغبته الجامحة في التفاعل المجتمعي من خلال إرشادات وتوجيه ونشر رسالته الإنسانية الحاملة للمحبة والإخاء، والثاني الأعمال التنموية من خلال المشروعات الخيرية مثل العيادات الخيرية لكافة الاختصاصات الطبية وتقديم الخدمات الصحية باسم عيادات أبونا "يعقوب" الخيرية، التي افتتحت مؤخراً والتي يقوم بمراجعتها العديد من المرضى، جاء ذلك نتيجة حاجة "السويداء" للخدمات الطبية بعد ارتفاع أسعار الأدوية والمعاينة عند بعض الأطباء، والمجتمع يحتاج فعلاً إلى إحداث عيادات مجانية قائمة على التطوع والتكافل، وكذلك التعاون الوثيق مع جمعية أهلية مثل جمعية أصدقاء مرضى السرطان التي قدم لمرضاها مساعدات عديدة، وكذلك إلى بيت اليتيم وغيرها من الجمعيات الخيرية، أما الناحية الثالثة فهو يعمل على التلاحم والتلاطف في نشر ثقافة العلاقة المتبادلة بين الأطياف بمحبة ووحدة متكاملة من خلال ابتسامته وطرق استقباله وتعامله الإنساني، فهو بحق صاحب رسالة إنسانية وهدف مجتمعي تنموي أخلاقي».

الأب فادي زيادة

روابط مجتمعيّة

ومن رواد الكنيسة من أبناء "السويداء" يشير "زياد كمال الدين" إلى أهمية توجه الأب "فادي الياس زيادة" منذ مجيئه إلى "السويداء" فهو لم يترك مناسبة اجتماعية وفيها محبة وتلاحم إلا وشارك بها، ومؤخراً عمل على تمكين العلاقة والروابط الإنسانية من خلال إحداث مطعم خيري لتقديم وجبات غذائية بعد الشعور بمدى الحاجة وانتشار الفقر الكبير بين أفراد المجتمع، ولعل تلك الخطوات تجعل الوحدة المتكاملة بين صفوف فئات الناس وإزالة الفوارق الطبقية، والأهم يسعى ليرسم ابتسامة على محيا الناس، وهنا لابد من التوضيح أنه شجع الحرف اليدوية والصناعات المنزلية والمشروعات الصغيرة وأقام العديد من المعارض داخل الكنيسة وخارجها.