بخطا واثقة وبلمسات ريشتها الناعمة والساحرة تمضي الفنانة التشكيلية الفلسطينية الأصل "سوزان الحسين"، والمولودة بمدينة "حلب" عام 1981، يومياتها في رحاب عالم الفن التشكيلي الجميل، والذي جعلته جزءاً لا يتجزأ من روحها وحواسها المرهفة، لتدخل الفن من أبوابه العريضة، وتترك بصمة كفنانة تشكيلية متميزة دأبت على تقديم أعمالها المغلفة بالحب العميق لقلبها المعلق ما بين "سورية" التي عاشت ودرست فيها، وبلدها الأم "فلسطين"، فرسمت "قلعة حلب" و"الأقصى ونابلس".

قلم رصاص

تتحدث الفنانة "الحسين" لـ"المدونة" بشغف عن مسيرة حياتها وعلاقتها الوثيقة بعالم الفن التشكيلي منذ الصغر حتى وصولها لمراحل متقدمة وتقول: «عشقت فن الرسم بقلم الرصاص مبكراً، وأنا طالبة في المرحلة الابتدائية من خلال حبي ومحاولتي المتكررة لرسم وجوه أهلي وأقربائي وأصدقائي، وكذلك برسم لوحات المناظر الطبيعية المعلقة على جدار منزلنا مع إعادة رسمها بقالب جديد ووضع إضافات ولمسات جديدة عليها مختلفة عن نسخها الأصلية، ولم يكن يهمني تلوين العمل بقدر ما كان يهمني نجاحه، كل ذلك أعطاني الثقة والاستمرار لمواصلة الطريق بخطا أكبر بدخول عالم الرسم وخاصة في المرحلتين الإعدادية والثانوية من خلال مشاركتي بكافة المعارض المقامة بالمدرسة، مع استثماري لأيام العطل وأوقات الفراغ والعطلة الصيفية لإشباع هوايتي بمسك الريشة ورسم كل ما تقع عليه عيناي من دون تحديد، ورويداً رويداً بدأت أشعر بالثقة وبرسم أصعب الأعمال، وساعدتني دراستي بمعهد الفنون النسوية كثيراً بتعلم فن الرسم الأكاديمي والأكركيك والزيتي والرسم على القماش وبالفحم».

كانت خطوتي الجريئة إقامة معرض فردي خاص بي في عام 2019 قدمت فيه ثلاثاً وعشرين لوحة زيتية وجدارية وبمقاسات متنوعة، لاقى استحسان الجمهور والمتابعين، فعالم الفن التشكيلي هو عالمي المفضل الذي لا ينفصل عن روحي وذاتي ولا يمكن لي أن أتخيل أي يوم يمر علي من دون أن أمسك ريشة الرسم فهو الذي يعطني أوكسجين السعادة والحياة

صقل الذّات

ولأن الرسم كما تقول الفنانة "الحسين" بات جزءاً من روحها كما تطلق عليه، كان لابد لها من اتخاذ خطوات أوسع نحو تطوير موهبتها من خلال خضوعها لدروس على أيدي كبار فناني المدينة، ومنهم الفنان التشكيلي "محسن خانجي" الذي أعجب كثيراً بموهبتها وأعمالها الفنية، وبدأ معها رحلة الإشراف والمتابعة والتوجيه، وتقديم النقد والنصح والإرشاد للأعمال التي تنتجها، ولمدة أربع سنوات متتالية، أعطاها خلالها المزيد من الوهج والنضج الفني، ناصحاً إياها بضرورة أن تختار لذاتها أسلوباً فنياً مميزاً يناسب ريشتها وقدراتها، لتتجه نحو التخصص برسم اللون الانطباعي الكلاسيكي التجريدي، والذي أجادت وأبدعت فيه وقدمت من خلال هذا اللون لوحات متنوعة استهوت عشاق ومحبي هذا النوع من الفن الجميل.

الفنانة "سوزان الحسين" ورسومات متنوعة عن نضال المرأة الفلسطينية"

وتشير "الحسين" إلى أن الفنان الخبير "محسن خانجي" مدَّ يد العون لها وعمل على مساعدتها وفسح المجال لمشاركتها بأكثر المعارض المقامة بصالته من دون مقابل، وكذلك ساعدها بتسويق وترويج أعمالها حتى في المعارض الخارجية وببعض الدول العربية التي لاقت أقبالاً وطلباً عليها.

أمام الجمهور

وتبين الفنانة "الحسين" أن مشاركة أي فنان تشكيلي بالمعارض تكون بمثابة الاختبار والامتحان الحقيقي أمام جمهور أهل الفن، ومن تلك المعارض تبدأ شهرة وانطلاقة أي رسام وتدخله بأجواء الفن، حيث يلقى الثناء والمديح والنقد معاً لتقديم الأفضل وتصحيح الأخطاء، لذا حرصت على المشاركة والوجود الدائم بأغلب المعارض الفنية المقامة بالمدينة، مثل معرضها "ربيع وتحرير حلب" وإلى روح الفنان الراحل "أحمد الحسين" ومعرض "الأمير الصغير"، و"جمعية العاديات" وهيئة المرأة العربية.

النموذج الانطباعي التي احبته ورسمته الفنانة "سوزان".

وتتابع بالقول: «كانت خطوتي الجريئة إقامة معرض فردي خاص بي في عام 2019 قدمت فيه ثلاثاً وعشرين لوحة زيتية وجدارية وبمقاسات متنوعة، لاقى استحسان الجمهور والمتابعين، فعالم الفن التشكيلي هو عالمي المفضل الذي لا ينفصل عن روحي وذاتي ولا يمكن لي أن أتخيل أي يوم يمر علي من دون أن أمسك ريشة الرسم فهو الذي يعطني أوكسجين السعادة والحياة».

هنا فلسطين

جسدت الفنانة التشكيلية "سوزان الحسين" حبها لوطنها الأم "فلسطين" وتجذرها بقضاياه وتفاصيل حياة شعبه عبر لوحات معرضها الأخير خلال العام الجاري، قدمت فيه خمسة وستين عملاً بلوحات كثيرة باللون الانطباعي والتجريدي والكلاسيكي، وغلبت على أعمالها المعروضة رسومات حتمية النصر والعودة للوطن "فلسطين" و"القدس" و"الأقصى" وباقي المدن الأخرى، وكذلك صور المناضل والفدائي وأطفال الحجارة، ونجحت في رسم المرأة الفلسطينية في شتى المجالات بزيها وأرضها ولباسها وتربية أطفالها ونضالها، مؤكدة حبها العميق لوطنها الأم.

شهادات فنية من مدير الثقافة"جابر الساجور" والفنانين "عبد المحسن خانجي" وإبراهيم داود".

شهادات فنّيّة

مدير الثقافة بـ"حلب" "جابر الساجور" يقول: «نحرص في مديرية الثقافة على تقديم كل مستلزمات الدعم للفن بشكل عام والفنانين التشكيليين بالمدينة، من خلال فتح الصالات أمامهم وإفساح المجال لإظهار مواهبهم وعرض أعمالهم، ومنهم الفنانة الموهوبة "الحسين" التي أثبتت علو كعبها بالوسط الفني بين زملائها، من خلال ما قدمته من أعمال فنية ناجحة ومتنوعة وشاملة، ولازال الطريق أمامها طويلاً، وإذا ما قدم لها المزيد من الاهتمام والدعم ستكون في طليعة الفنانين التشكيليين على مستوى القطر».

من جهته يصف الفنان التشكيلي "إبراهيم داود" الفنانة التشكيلية "سوزان الحسين" بالمبدعة والمتألقة في أعمالها ورسوماتها فقد قدمت الكثير من الأعمال الناجحة من اللون الانطباعي الكلاسيكي، وهي مخلصة في حبها وأعمالها لمدينتها "حلب" ووطنها الأم "فلسطين".

أما الفنان التشكيلي "محسن خانجي" فيقول: «تعرفت على الفنانة "سوزان" في بداياتها الفنية ووجدت فيها الشابة الموهوبة التي تعشق الرسم مع الاندفاع وحب الاطلاع والرغبة في تطوير ذاتها فنياً، ومن هذه الأسس وقفت بجانبها وقمت بالإشراف عليها لمدة أربع سنوات، فكانت الاستجابة والحصاد الجيد والتطور السريع في أعمالها مع حرصها ورغبتها على مشاركاتها بمختلف المعارض المقامة، لتنال شهادة الجميع بمقدرتها وجمال ونعومة ريشتها كفنانة موهوبة لها مستقبل».

تم إجراء اللقاء والتصوير داخل معهد الفنون النسوية بـ"حي الجميلية" في مدينة "حلب" بتاريخ السادس من شهر كانون الأول لعام 2022، وأخذ صور من معرضها الأخير بصالة تشرين.