من قمة هضبتها المرتفعة المشيّدة عليها منذ آلاف السنين، والمطلّة على مدينة "السويداء"، تقصُّ علينا "خربة السماقة" حكاياها التاريخية، المؤرّخة على صفحات حجارتها البازلتية، المُبعثرة منها، والتي ما زالت شامخةً لم تنل منها يد الإنسان والطبيعة، لتقص علينا حكايا وأسرار لا يزال الكثير منها مخبأً حتى اليوم.

موغلة في القدم

يقول الباحث الأثري "حسن حاطوم" في حديثه لمدوّنة وطن "eSyria": "من يتجاوز مفرق سد الروم شرقاً، سواءً كان راجلاً أم عابراً في وسيلة نقلٍ، لا بدّ له أن تكتحل عيناه، بذلك البناء المعماري المشغول من الحجارة البازلتية الخالصة، وعند السؤال والاستفسار عن اسم الموقع، ستجيبك شاخصاته الحجرية المحفورة يدوياً، إنها "خربة السماقة"، التي اعتلى معماريو حقبتها تلك الهضبة المرتفعة لتكون مستقراً لهم، وذلك في عصور ما قبل الميلاد، ولتؤسس أرضية سكنية لمن تعاقب على هذه المنطقة، ورغم أن من وطأت أقدامهم الخربة قد رحلوا، إلا أن رائحة بخورهم ومسك عودهم ما زالت حاضرة في أقبيتها، منها ما ظهر ومنها لا يزال ينتظر إيقاظه من رقاده".

ويضيف: "الخربة محاطة بسور ضخمٍ ذي شكلٍ مربع، يحتضن معالم أثرية موغلة في القدم، ما زالت في حالة جيدة رغم تَهدم أجزاء أخرى منها، والناظر إلى الزاوية الشمالية الغربية من السور، سيلحظ معانقة الخربة لبرجها الأثري، الذي على ما يبدو كان يُستخدم للمراقبة، إلا أنه للأسف لم يبق منه إلا بعض الشواهد الأثرية، على تلك الحقبة، التي ما زالت بحاجة لمزيد من البحث والتقصي، وحالياً بات برج "خربة السماقة"، مركزاً يستخدمه أصحاب بساتين التفاح والعنب لمراقبة أشجارهم المثمرة، ليصار إلى حمايتها من اللصوص، والمعتدين عليها".

برج البصة

ويبين "حاطوم" أن الخربة بنيت بأيادٍ ماهرة متمرسة تتقن فن العمارة، حيث استخدموا الحجارة المشذبة، في البناء فكانت غاية في الروعة والجمال، فبالرغم من مضي آلاف السنين عليها، لا تزال أوابدها متماسكة، عصية على الانهدام، لتبقى مرجعاً تاريخياً ومعرفياً.

جمالية وفرادة

لم يكن برج "خربة السماقة"، المُعتلي لظهر جبل العرب، وحيداً في منطقته، بل شُيد ليأتي محاكياً، لبرج "البصة" الدفاعي، ما يدل على الأهمية التي كانت تتمتع بها تلك المنطقة في ذلك العصر.

الشكل المخروطي لبرج البصة

إذ يقول مدير سياحة السويداء "يعرب العربيد": إن لهذا البرج جماليته المعمارية، والبنائية الفريدة من نوعها، حيث أخذت الشكل المخروطي، والأسطواني، بدءاً من الأسفل وحتى آخر طوبة وضعت عليه، مبيناً أنه وبالعودة إلى برج "البصة" نجد أنّ تصاميمه المعمارية تشير إلى أن البرج كان محمياً، من الخارج بمدماكٍ ثانٍ من الحجارة، بغية حمايته من الأعاصير، أضف لذلك أن من يريد التجول في قبو البرج لا بدّ له من النزول عبر درجه الذي ما زال في حالة جيدة، رغم مضي أكثر من ألفي عام على تشييده،إضافة لوجود بقايا لدرجٍ ثانٍ مشبوك بالجدار، حيث كان الوسيلة التي تساعدهم للصعود نحو الطوابق العليا.

عناصر جذب

وجود بئر للمياه في المنطقة يدلل حسب "العربيد" على النشاط الزراعي في المنطقة قديماً، إضافة إلى وجود مستودع تم بناؤه أسفل البرج المُستخدم لتخزين المنتجات الزراعية، حيث يعود بناء البرج إلى الفترة الرومانية واليونانية، وربما الفترة النبطية.

حسن حاطوم

ويضيف "العربيد" بأن منطقة ظهر الجبل بما فيها من أوابد أثرية متنوعة، تعدُّ منطقةً سياحيةً بامتياز، وذلك لجماليتها وطبيعتها الساحرة، إذ تمّ طرح قصور "قرماطة" الأثرية الواقعة أيضاً في المنطقة نفسها في ملتقى الاستثمار السياحي لاستثمارها كمنشأة سياحية".