ربما لم يحدث أن قدّمت فرقةٌ مسرحيةٌ عرضاً بناءً على رغبة مُتفرجٍ واحدٍ فقط، لكن يُمكن تخيله جالساً في المقاعد الأولى، يضحك ويبكي ويعترض ويصفّق، مُستمتعاً بما أُعدّ له خصيصاً. مشهد وإن كان هذا غير قابلٍ للحدوث حقيقةً لكنه شعورٌ يعرفه جمهور مسرح المخرج الدكتور "سمير عثمان الباش" رغم اختلاف أسبابه لدى كُلٍّ منهم، غيرَ أنّ سعيه الدائم تقديمَ مشاهدَ حياتية تُشبه شيئاً مما نعيشه، بحيث يشعر المُتابع بأنها تعنيه وحده، تجربةٌ تستحق أن نتوقف عندها مع كل عمل، نصاً وإخراجاً واشتغالاً على الحالة عموماً.

بدأ هاوياً

بدأ "الباش" هاوياً قادته الموهبة لِدراسة الإخراج ونيل الدكتوراه في الأكاديمية الروسية للفنون المسرحية، ثم أسس عام 2009 مدرسة الفن المسرحي في "دمشق"، أوّل مؤسسةٍ أكاديميةٍ خاصة في هذا الميدان، خرّجت ولا تزال عشرات الطلاب، وقدّمت عروضاً كثيرة، لفتت الأنظار إليها وحفّزت المُهتمين للكتابة عنها، من بينها "المُنتحر"، "أكاديمية الضحك"، "انحلال"، "درس قاسٍ"، إضافةً إلى كونه أستاذ مادة التمثيل حالياً ورئيس قسم التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية سابقاً.

حكايته مع المسرح

"المسرح قدري"، يقول الدكتور "الباش"، ويضيف: "مصادفةً وجدتُ نفسي وأنا في عمر 13 عاماً ضمن فريقٍ من طلاب المرحلة الثانوية، جمعهم مخرجٌ شابٌ ينوي إخراج عملٍ مسرحيٍّ من تأليفه، لم أكن أريد الانتساب وليس لدي أدنى رغبة في أن أصبح ممثلاً، جئت مُرافقاً لصديقي فقط، لكن أقنعني مخرج العمل "سميح السباعي"، أن أدخل وأجلس قرب صديقي على المقعد، بدأ المتقدمون يقرؤون بعض السطور واحداً تلو الآخر، انتابتني رغبةٌ في أن أقرأ مثلهم، ولكن عندما وصل النص إليّ ناولته لصديقي، فقال لي المخرج لماذا لا تجرب وتقرأ؟ أحسست بشيءٍ من التحدي، وقرأتُ ما طُلِب مني، في نهاية اللقاء أعلن المخرج أسماء المقبولين وكنا أنا وصديقي من بينهم، بدأنا نقرأ، ونتنافس بكمية المسرحيات والكتب التي نقرؤها. كنتُ أصغر أعضاء الفريق، ولم يكن لي دورٌ مُحددٌ في المسرحية الأولى التي اشتركتُ فيها، إذ كنت في الجوقة، أردد معهم الحوار فقط، في المسرحية الثانية أعطاني المخرج دوراً صغيراً نسبياً، وفي الثالثة لعبت أحد الأدوار الرئيسية، وبدأتُ أشارك في العروض المسرحية الكوميدية التي كانت تُقام في المناسبات في مسرح الشعب في مدينة "حمص" برعاية الشبيبة، وبقيتُ أمارس التمثيل في المسرح كهواية بالتوازي مع الدراسة والعمل في شتى الأعمال الحرة، بعد ذلك قررتُ ترك العمل في المسرح، لظروف مادية".

بعد ثلاث سنوات من الانقطاع عن المسرح، عاد "الباش" مُتردِداً بعد دعوة صديقين، وبدأت تُسندُ إليه الأدوار الرئيسية، لِيصبح واحداً من الممثلين المعروفين في "حمص" يقول للمُدوّنة:" في هذه الأثناء كنت قد وصلت في الدراسة إلى جامعة "دمشق" قسم اللغة الفرنسية، لكن الحظ والنجاح كانا يرافقاني بالدرجة الأولى في المسرح، وجاء يومٌ قررت فيه أن أخوض بنفسي غمار عملية الإخراج، كنت معجباً بمسرحية "بوابة راشومون" للكاتب الياباني "ريونوسكي أكوتوغاوا" ، فجمعتُ بعض رفاقي في المسرح وبدأنا العمل، لكن لم يكن لديّ أمل في عرض مسرحيتي الأولى على مستوى ًواسع، إلاّ أنّ صدفةً حدثت حين اعتذر الفنان "أيمن زيدان" مع فريقه عن القدوم إلى "مهرجان حمص المسرحي" قبل ثلاثة أيام من الافتتاح، الأمر الذي أربك إدارة المهرجان وبدؤوا يبحثون عن حل، فكانت مسرحية "بوابة راشومون" ضيفاً من على المهرجان عام 1989، في اليوم التالي كتبوا في الجرائد "شكراً لأيمن زيدان الذي اعتذر وجعلنا نرى هذه المسرحية".

التجربة الروسية

سابقاً كان "الباش" يشعر بأن المسرح يجذبه إليه بقوة، لكن بعد نجاح عرضه تأكد من أنه قدره، يُتابع: "لاحقاً ترسخت في ذهني فكرة السفر لدراسة الإخراج المسرحي، وتحقق حلمي بأن استطعت السفر إلى "موسكو"، وقُبِلت في قسم الإخراج في الأكاديمية الروسية للفنون المسرحية المعروفة اختصاراً باسم (غيتيس)، وهي الأكاديمية التي أسس قسم الإخراج فيها "ستانسلافسكي" بنفسه، ودرس فيها كبار المخرجين أمثال "ماري كنيبل"، "زافادسكي"، "غروتوفسكي"، وحتى من سورية "الدكتور فواز الساجر" و"الدكتور شريف شاكر"، ثم تخرجت في قسم الإخراج 1996 وبقيت مُعيداً، ومُساعد أستاذ، وطالب دراساتٍ عليا حتى دافعتُ عن رسالة الدكتوراه 2001 تحت عنوان "تخطي حاجز الدفاع النفسي للممثل في مسار عملية تجسيد الدور المسرحي"، وفي الواقع موضوع رسالتي أدهش كبار أساتذة الأكاديمية، وقال أحدهم صراحةً بعد الدفاع "أنا مندهش كيف يأتي شابٌ من "سورية" ليعالج مسألةً نصطدم بها يومياً في الدروس العملية مع الممثلين، ولم يخطر لنا أن نبحث فيها!".

أمضى في الغيتيس عشر سنوات، وكان أول عملٍ أخرجه بعنوان "ذات القبعة الحمراء" 1996 لمسرح "آنا ماكاغون"، بعد ذلك أخرج في مسرح ديميترفغراد الدرامي مسرحية "بيت برناردا آلبا" لغارثيا لوركا 1997، كما أقام عدة ورشاتٍ لتدريب الممثلين في أوقاتٍ مختلفة في مسرح "غوليفير" في مدينة "كورغان" ، وفي مسرح "تساريتسينا" في موسكو حيث عمل على مونودراما "كليوبترا"، وأخرج مسرحية "غرام الدون برلمبلين" لغارثيّا لوركا في المسرح الأكاديمي الدرامي للجيش الروسي في "موسكو" 1998، وأخرج مسرحية "ثلاث قبعات سيليندر" في "مسرح موسكو الدرامي - أرمين دجغرخانيان 2005، وكان من المؤسسين للقسم الثقافي في قناة روسيا اليوم 2007.

لكن ما الذي قدّمه المسرح الروسي له، على صعيد الفكرة والأسلوب وغيرهما، وهل حاول الاستفادة من ذلك أو إعادة توليفه في تجربته المحلية؟، يقول المخرج: "المسرح الروسي قدّم لي إجاباتٍ عن كل الأسئلة التي كانت تُؤرقني في فهم العملية المسرحية، ودفعني لاستنباط أسئلةٍ جديدةٍ أكثر عمقاً، وحمّلني مسؤولية إيجاد إجاباتٍ جديدةٍ، تعلّمتُ مئات الأساليب لإيصال الأفكار بوساطة فن الإخراج، ولكني تعلّمت أيضاً ألاّ أستخدم أياً منها، بل عليّ أن أجد أسلوبي الجديد لفكرتي الجديدة، وفهمتُ أن المسرح مختبرٌ للحياة، وأن الفن يُبنى على العلوم ويُحلّق ليصبح مُلهماً لها، ولا شك أنني ابن ما يسمى بالمسرح النفسي الروسي، أو المسرح الحي الذي يعتمد على الصدق والتصديق هنا والآن، وبالتالي استفدت من كل معارفي التي اكتسبتها في "روسيا" ومن كل خبراتي المتراكمة، وحتى تلك التي اكتسبتها في مرحلة الهواة في أي عملٍ جديد أُقدِم عليه، أما التوليف أو التجميع فأنا لا أؤيده إطلاقاً، ولا أسمح حتى للممثلين أن يُكرروا ما أعرضه عليهم، ولا أن يُكرروا أنفسهم، بل أطلب منهم أن يستنبطوا أساليب جديدة مُقنعة، ومُبررة، وهنا يخلط الكثيرون عندما يعتقدون أن المسرح النفسي الروسي الذي يعتمد على الصدق هو مرادف للمسرح الواقعي، وهذا الخطأ للأسف يرتكبه حتى المُحترفون".

مدرسة الفن المسرحي

عام 2009 أسس "الباش" مدرسة الفن المسرحي، وهي كما أسلفنا أوّل مؤسسةٍ أكاديميةٍ خاصة في هذا الميدان، قامت على عدة مبادئ، يحرص فريقها عامةً على التمسك بها، كما يشرح المخرج: "الاعتماد على أهم الكوادر المتوفرة، من أساتذة ومدربين وممثلين، الحفاظ على السمعة الفنية والأخلاقية لمشروع المدرسة والتقيّد بالأخلاق الاجتماعية والمسرحية بما فيها الالتزام والصدق في التعامل، العمل بروح الفريق، فالأساتذة والطلاب والموظفون الإداريون عندنا يعملون كفريقٍ واحد أثناء القيام بأية مهمة، بذل كل الجهود لتقديم مستوى رفيع يعبر عن رؤيتنا للعمل الأكاديمي المسرحي، وعن فهمنا لرسالة المسرح في المجتمع".

ورغم مرور سنواتٍ على إنشاء المدرسة، يرى البعض أن الغاية منها تتأرجح بين فكرتين مُتناقضتين، الأولى رفد المعهد العالي للفنون المسرحية بمواهب حقيقية، والثانية إزاحته كمؤسسة حكومية يُقال الكثير عن المحسوبيات والواسطات في امتحانات قبول الطلاب إليها، لكن للدكتور رأيٌ آخر، يقول للمدوّنة: "غايتنا هي المساهمة في تطوير فن الممثل، والحركة المسرحية السورية، وصولاً إلى لعب دورٍ رائد في الوطن العربي، وحتى في العالم، هذه هي غايتنا البعيدة التي كنت أثق أنني مع نخبة من زملائي الفنانين، وتلامذتي قادرون على تحقيقها، لكن ظروف الحرب السورية وما آلت إليه تكاد تخنق الأمل في تحقيق جزءٍ مما كنا نصبو إليه، ومع ذلك لا زلنا نعمل ربما حسب قانون العطالة، نُحاول تصحيح الأساليب السورية في إعداد وتأهيل الممثلين، ونُدخل ما نستطيع من نظريات وقوانين علم فن الممثل إلى الساحة الفنية السورية عبر طلابنا ومن خلال العروض التي نقدمها".

يُوضح أيضاً:" لم نكن نهدف من تأسيس المدرسة لا إلى رفد المعهد العالي، ولا إلى إزاحته، بل سعينا لفتح مجال الدراسة الأكاديمية أمام الشباب الموهوبين والذين يحالفهم الحظ بالقبول في المعهد لسببٍ أو لآخر، وأردنا كذلك أن نخلق بيئةً تنافسية مع المعهد، وبالفعل هذا ما حدث، ففي السنوات العشر الأولى وجدنا من في الوسط الفني يقارنون بين المدرسة والمعهد، وظهرت في أساليب المعهد آثار عدوى مدرسة الفن المسرحي، ولكن للأسف في السنوات الأخيرة تدهور حال المعهد وانخفض مستواه، ولم يعد مُنافساً في الساحة الفنية التي ظهر فيها مُنافسان جديدان وهما كلية فنون الأداء في جامعة المنارة، وقسم التمثيل والإخراج في الجامعة العربية الدولية، أمّا عن الواسطات والمحسوبيات في قبول طلاب المعهد فهذه غالباً ذرائع يُطلقها الطلاب غير المقبولون، ولا يجوز وصم المعهد بكل تاريخه بهذا العيب، ولكني لا أنفي بتاتاً حدوث تجاوزاتٍ يمكن أن ترتكبها بعض الإدارات التي تم تعيينها بمناصبها بطريقةٍ مماثلة، وليس بسبب علمها وموهبتها ونزاهتها".

وعن شروط قبول الطلاب في المدرسة، ومن ثم الحكم على قدراتهم ومواهبهم، يقول المخرج:" يحق لأي إنسانٍ حاصلٍ على شهادة البكالوريا التقدّم لامتحان المقابلة، وكبقية معاهد التمثيل نُشكل لجنةً من المُختصين مهمتها فحص المتقدمين واختيار أولئك الذين يمتلكون المواهب، والسمات الأساسية لتكوين الممثل، منها العقل المرن، والخيال الخصب، والقدرة على تصديق الظروف المُتخيَلة والتأثر بها، مهمٌ أيضاً أن يمتلك المُتقدّم حضوراً خاصاً، وطبيعةً تستقبل المشاعر والعواطف، وقدرةً على عكسها من خلال التغيرات الفيزيولوجية المناسبة، إضافةً إلى الملامح الخارجية السليمة القادرة على تجسيد عددٍ من الشخصيات الفنية، مع امتلاك صوتٍ قوي، ومرنٍ في التنقل بين الطبقات، ومخارج حروفٍ سليمة، كل هذه الخواص تُنقّب عنها اللجنة داخل المُتقدّم، ومن ناحية المناهج، نعمل على تأهيل الممثلين وفق أحدث الأساليب التي توصل إليها علم فن الممثل، العلم الذي أسسه "ستانسلافسكي" ورفدته تياراتٌ موازية، وطورته ولا تزال التجارب والبحوث، وبكل تواضع نحن أيضاً في المدرسة نُساهم في تدعيم هذا العلم، وتطوير أساليب العمل المسرحي".

أسئلة مهمة

تُقدِّم مدرسة الفن المسرحي عادةً عروض تخرجٍ، تُثير اهتمام الصحفيين والنُقاد، حتى عدّها بعضهم مشاريع يُمكن البناء عليها، والاستناد إليها في تطوير المشهد الثقافي عموماً، يقول "الباش" : "المُتفرج يأتي إلى المسرح كي يشعر، ويتعاطف، ويُفكر، ويرى الحياة من زاويةٍ جديدةٍ، فيكتشف ويتأثر، ويستمتع، وبذلك يحدث ما يسمى الـ كاتارسيس (التطهير). ونحن اليوم نعيش على مفترق طرقٍ، وجزءٌ كبيرٌ من اهتماماتنا منصبٌ بشكلٍ قسري على واقعنا الراهن، الذي تتزاحم فيه الأفكار المُتناقضة، لذلك يصعب علينا أن نتفاعل مع الموضوعات التي لا تعنينا كثيراً في المرحلة الراهنة، ومن هنا نحن نرى أنه من واجب المسرح السوري اليوم طرح الأسئلة التي يهمنا إيجاد إجاباتٍ لها، وبناءً على هذه القناعة نختار المسرحيات التي تُعالج موضوعاتٍ تُلامس جروحنا، وأحياناً نضطر لخوض غِمار التأليف عندما يصعب إيجاد مسرحيةٍ تتضمن الفكرة الساخنة الراهنة التي نرغب بمناقشتها مع جمهورنا، حصل ذلك مثلاً عندما أردنا أن نفهم سبب بقائنا كل هذا الوقت في مستنقعنا الحالي، قمنا وقتها مع طلاب الدفعة الخامسة ببحوثٍ كثيرة ومُكثّفة أفضت إلى تأليف مسرحية بعنوان "انحلال"، وكانت بمثابة مشروع تخرجٍ لطلاب هذه الدفعة، أما عن الإخراج فليس لدينا أسلوبٌ محددٌ نخرج الأعمال وفقه، لأن هناك عوامل عديدة تُؤثر في مسار الإخراج منها فكرة النص وخصوصية الفريق المسرحي وإمكانات الخشبة التي نعمل عليها، أعتقد أنه هنا يكمن الفارق بين المخرج الأكاديمي والمخرج الهاوي الذي يخرج كل أعماله بطريقةٍ واحدة أحبها بعد أن رآها في مكان ما".

نجوم المسرح أولاً

سألنا الدكتور الباش عن إمكانية صناعة نجمٍ مسرحيٍّ يُوازي نجوم الدراما التلفزيونية، وفيما إذا كان يرى في مُشاركات نجوم التلفزيون في المسرح عوامل جذب، تغيب عن عروض الطلاب والخريجين الجدد؟.

وكانت إجابته: "نجوم الدراما التلفزيونية هم بالأساس خريجو المعاهد المسرحية، ولا يوجد في العالم معاهد لتعليم التمثيل التلفزيوني، في "روسيا" مثلاً بسبب وجود تقاليد مسرحية عريقة تجد أن أشهر الممثلين هم في المسرح، ونادراً جداً ما يعمل نجومٌ من الممثلين في الدراما التلفزيونية، فهذه الساحة متروكة هناك للصف الثاني والثالث من الممثلين، من أعظم الممثلين في العالم، البريطاني السير "لورانس أولفيه"، وهو ممثلٌ مسرحيٌّ أولاً وأخيراً، هناك ممثلٌ آخر بنفس الحجم هو الروسي العبقري "سمكتونوفسكي"، والذي مثّل في بعض الأفلام السينمائية، بعد أن اشتُهِر في المسرح واعتُبِر من أعظم الممثلين في التاريخ المسرحي الروسي بعد "ستانسلافسكي" و"ميخائيل تشيخوف"، وحتى لا نبتعد عن الوطن العربي، الفنان "عادل إمام" ومجموعة كبيرة من الممثلين المصريين اشتهروا في المسرح، وفي "سورية" كان عندنا "محمود جبر، عبد اللطيف فتحي، دريد لحام، نهاد قلعي"، الذين اختطفهم التلفزيون بعد أن خرجوا من المسرح، ونفتقد اليوم للنجوم المسرحيين لأننا لا نملك نهضةً مسرحية، وبرأيي من أجل تحققها، نحن بحاجة لوجود مخرجين محترفين، ثم ممثلين، وبعد ذلك كتّاب، وطبعاً بحاجةٍ ماسةٍ لخطةٍ حكوميةٍ ودعمٍ حقيقي من أصحاب القرار الذين يمتلكون استراتيجية لتطوير المجتمع، ولا شك أن مشاركة النجم التلفزيوني في المسرح يمكن أن تجذب المُتفرجين ولكنها لا تصنع مسرحاً".

رافدٌ ثقافيٌّ حقيقي

الفنانة والمُدرِّسة في مدرسة الفن المسرحي" مريم علي"، عادت إلى بداية تأسيس المدرسة، يوم كانت "فكرة"، تحدثت إلى "مُدوّنة وطن": "كنتُ إلى جانب الدكتور "سمير عثمان الباش"، واحدةً من الأعضاء المُؤسسين للمدرسة، شهدت بناءها خطوةً بعد خطوة، تابعتُ تركيب الخشب والستائر وما شابه، إلى أن استقبلنا أول دفعةٍ من الطلاب، ومع هذا فأنا أُقيّم تجربتها وما تُقدمه في العروض والامتحانات بشكلٍ مهني وأكاديمي".

وتضيف: "المدرسة ليست تجارية، إذ أن اللجنة تبحث عن الأفضل ولا يعنيها العدد، بالطبع هذه خسارة بالنسبة لمؤسسةٍ خاصة، لكن الربح ليس هدفاً للمدرسة، حتى أنها تقوم بتعليم الطلاب ممن يعيشون ظرفاً مادياً صعباً، على حسابها، على أن يُسددوا ما عليهم من أقساط عندما يُتاح لهم العمل".

وتبين "علي" أنّ المدرسة تُعطي للطالب منهجاً كاملاً، فإلى جانب مادة التمثيل هناك مواد "الليونة، الأدب المسرحي، الغناء، ورشات عمل للغة العربية والإلقاء"، كما توجد قواعد وقوانين لسير العمل، تحمي الخطة المنهجية للتعليم وتحمي المُدرسين أيضاً كقيمة، وهذا غير موجود في أماكن ثانية، ليتعلّم الطالب أن الفنان ليس موهبةً فقط بل يجب أن يتحلى بأخلاقٍ عليا إلى جانبها، وهنا استحضرت ما يُظهره عددٌ من خريجي المدرسة، وفاءً ومحبة للمكان والأساتذة، بعضهم يأتون لمساعدتها في الأمور التنظيمية خلال العروض "تشغيل المولدة، تنظيف الشارع، إدخال الجمهور".

وتوكد أيضاً أن مدرسة الفن المسرحي رافدٌ ثقافيٌّ حقيقي للمشهد العام، لكنها بحاجة الدعم من عدة مؤسساتٍ ثقافيةٍ وفنيةٍ وخدمية كـ "وزارة الثقافة، المحافظة، الشركات الخاصة"، لأسبابٍ كثيرة، من بينها ما تعانيه من مشكلات في البنية التحتية والتجهيزات، ولا سيما في هذا الظرف الذي تُجاهد فيها مؤسساتٌ كبرى لتأمين المازوت والتدفئة والكهرباء، فما بالك بمؤسسةٍ صغيرة تشبه البيت على حد وصفها.

الفنان" لجين إسماعيل"، شارك في ورشات عملٍ أقامتها مدرسة الفن المسرحي، وكان عضواً في لجنة قبول الطلاب، إلى جانب مشاركاته في عدة عروضٍ لها، منها "أكاديمية الضحك" إخراج الدكتور الباش، تحدث للمُدوّنة عن نوعية الملاحظات المختلفة التي يقترحها المخرج في كل عرض، تبعاً لطريقة العمل والبحث والشخصية، ويقول: العمل مع الدكتور متعةٌ حقيقية، لما فيه من جهد وملاحظات واكتشافات، وهو مصدر سعادة بالنسبة لي، عدا عن المنهجية التي تعمل المدرسة وِفقها، بحيث تُقدِّم تنوعاً غزيراً ومعالجةً مختلفةً في كل عرض، أتاحت لها جمهوراً خاصاً، يُتابعها وينتظر منها مستوىً عالٍ كما عودته، لذلك كانت بجدارة رافداً حقيقياً للحركة الفنية في سورية".