امتلك الحرفي "نصر الدين المحمد" موهبة فنية بالزخرفة الدمشقية، وشارك في ترميم العديد من البيوت والأوابد الدمشقية العريقة مستخدماً الزخرفة النباتية بأساليبها وأنواعها والمدارس الموجودة فيها، كالأندلسية والفارسية والدمشقية واختلافاتها في الزخرفة والحفر والمرايا والمنمنمات.

تَاجُ الفُنُونِ

تتميز البيوت الدمشقية بطراز معماري فريد وتراثي شمل كل زوايا البيت الدمشقي بديكوراته الداخلية، من سقوف وأثاث وجدران وأبواب مزخرفة بطريقة فنية مبتكرة، وبأنامل يدوية بحتة بكل تفاصيلها، فهي مرآة لنظم الحياة والعادات والتقاليد لفترات زمنية وتاريخية متتالية، كما أن الزخرفة النباتية تعتبر حسب رأي الحرفيين "تاج الفنون".. هذا ما بدأ به "المحمد" حديثه لـ"مدونة وطن" ويضيف: "الزخرفة النباتية أو ما يسمى بالمنمنمات الإسلامية هي مجال دراستي وعملي التي أحبها وأستمتع بعملها، وتعتبر الزخرفة النباتية حرفة قديمة وعريقة تتنوع فيها التصاميم والرسوم النباتية حسب المناطق، فلكل منطقة نباتاتها التي تكسبها الهوية والبصمة الخاصة بها، بالإضافة إلى تنوع الزخارف واختلافها حسب المراحل التاريخية المتعاقبة على "دمشق"، فلكل بيت دمشقي نقوشه المتميزة التي تعود للحقبة التاريخية التي بُني فيها، بالإضافة لتداخل الزخارف النباتية والهندسية والخطية بتوزيع مدروس وتناوب منظم وانسياب شاعري، ليخلق تناغماً ومزيجاً حميمياً تتشابك فيه هذه العناصر مع بعضها البعض ضمن البيت الواحد، ولم تكن هذه النقوش موجودة فقط على الأسقف أو الجدران بل أيضاً شملت الأثاث الأبواب والنوافذ، فتنوع الزخارف وألوانها ودقة تفاصيلها وتداخل أشكالها يعكس تميز البيوت الشامية.

أَعمَالٌ بِالتَّرمِيمِ

يتابع الحرفي "المحمد" حديثه بالقول: "بالإضافة إلى دراستي الخزف والسيراميك، فقد تعلمت على أيدي حرفيين دمشقيين فن الزخرفة الدمشقية والعجمي، وبحكم عملي بدائرة الآثار والمتاحف عملت بترميم العديد من الآثار والبيوت الدمشقية كبيت "خالد العظم" ومحطة "الحجاز" وبيت "السباعي"، وقمت بترميم السفارة الفرنسية بالرسوم النباتية الزخرفية، كما أنني قمت بترميم بعض المعالم خارج "سورية"، وشاركت بمعارض عدة أيضاً داخل "سورية" وخارجها، وخلال مراحل الترميم كنت أختار النقوش والرسوم بما يتلاءم مع السطح المراد ترميمه، سواء كانت رسوماً نافرة أو نقوشاً تراثية تعود إلى أكثر من 200 عام تقريباً، كما أن الترميم أحياناً يعتمد على الوحدات الزخرفية النباتية التي عمرها مئات السنين لإعادتها إلى رونقها وجمالها وألقها التراثي بطريقة مبتكرة، كما قمت بتصميم زخارف الكثير من النقوش الفنية التي تتعلق بهذه المهنة التراثية، فلكل تصميم مكانه وخصوصيته من تصميم زخارف السقوف الدمشقية المتعددة الطرز والفترات التاريخية إلى زخارف "الفريسك" الجداري للقاعات الشامية وأقواسها الحجرية، وهناك أنماط كثيرة ومختلفة للزخرفة الشامية في هذه المهنة فلكل حقبة زخرفتها الخاصة بها، كالزخرفة والنقوش الأيوبية والمملوكية والعثمانية، كما تميزت الزخرفة الدمشقية بالمادة النافرة ولها خصوصيتها بألوانها المختلفة، كاللون الذهبي والفضي والأخضر والزيتي والبيج، ما يكسبها هوية وطابعاً خاصاً داخل البيت الدمشقي".

من لوحاته بالخط العربي

عَلَى مَرَاحِل

من أعماله المتنوعة

وحول مراحل العمل والأدوات والمواد المستخدمة فيه، يشرح "المحمد" كيف يتم تحضير معجون العجمي من مزيج من عدة مواد كالزنك والاسبيداج والجص والكتبرة والغراء، ويمرر فوق الخطوط المرسومة على الخشب للأغصان والأوراق ومحيط الأزهار فتبدو نافرة، وبعد الجفاف يُطلى بالألوان الزاهية ويوشّى بالذهب ويحفظ تحت طبقة من الورنيش أو الزيت لعزله عن عوامل الطبيعة والمناخ، "هذه العمليات التقليدية المعقدة كانت تستغرق مع الفنان الدمشقي الكثير من الوقت والجهد، لكنها كانت تعكس إحساسه بقيمة الجمال والإخلاص للعمل الذي تجتمع فيه الموهبة مع الذائقة الرفيعة والدأب والصبر الطويل، كما أن عملية التلوين في هذه المهنة الفنية لها طابع خاص بها، فلكل حرفي طريقته وذوقه بالتلوين والرمي؛ أي الرسم المباشر للزخرفة، يعكس فيها رؤيته الفنية بطريقة فنية مبتكرة، فكل قاعة دمشقية رممتها أو رسمت على أحد جدرانها تعدّ لوحة فنية متكاملة، فالفن هو مرآة المجتمع وبوصلة تقدمه الحضارية، ونواته الذوقية والمعرفية، فتطور الفن ينعكس إيجاباً على كل مناحي الحياة الاجتماعية والفكرية والحضارية، كما قمت بتدريب عدد كبير من الشباب من خلال ورشتي الفنية بهدف تنمية الذائقة الفنية لديهم، وإعادة ارتباطهم بالتراث الأصيل لبلدنا "سورية" الغني بتراثه وتنوع حرفه التراثية، التي تعتبر أمانة في أعناقنا كحرفيين ولابد من نقلها بكل أمانة إلى الأجيال القادمة".

شَغَفُ المِهنَةِ

وفي حديث مع الحرفية والتشكيلية "نجوى الشريف" تقول: "هو واحد من الحرفيين المخلصين والمحبين لمهنته، وهو مبدع بالزخارف الدمشقية والألوان التي حافظ على طابعها القديم، تتميز أعماله بجمالية ألوانها وتكويناتها الفنية من خلال تداخلات وتدرجات لونية متناسقة، أما القطع الفخارية فهي مزخرفة بأساليب مختلفة في التلوين أدخل فيها الزخرفة النباتية مع الخط العربي بطريقة فنية متميزة، كما أن لديه شغفاً كبيراً وحباً لنقل هذا الفن الأصيل إلى الأجيال القادمة، من خلال تدريب عدد كبير من الطلاب على هذه المهنة التراثية بهدف تنمية الذائقة الفنية لدى الأجيال الصاعدة، وإعادة ارتباطها بالتراث الأصيل لبلدنا الحبيب الذي يتميز بحرف وفنون راقية، كما أن فكرة إحياء الزخرفة النباتية أو المنمنمات الإسلامية فكرة رائعة بحد ذاتها سعى من خلالها للمحافظة على أصالتنا وهويتنا التاريخية والحضارية".

أُجريت اللقاءات بتاريخ 8 تشرين الأول 2022.