سعى كورال "غاردينيا" لحجز مكانة مؤثرة في الساحة الغنائية والثقافية السورية، خلال خوضه لبرامج ذات مواضيع مختلفة، ولا سيّما التراثي منها لإيصالها إلى المتلقي بطريقة صحيحة وخالية من الشوائب والتشويه وتطويرها من خلال توزيع صوتي يليق بالمكان والزمان، مستفيداً من خبرة قائدة الكورال "غادة حرب" كونها درست الغناء الأوبرالي وبالوقت ذاته عملت مع فرق غنائية شرقية.

دعاة السلام

عن البدايات تقول "حرب": «قبل أن أدخل "المعهد العالي للموسيقا" وأدرس الغناء الأوبرالي، شاركت في فرقة "زنوبيا" للتراث الشعبي، كما غنيت مع الفرقة الشرقية التابعة للمعهد العالي للموسيقا منذ بداياتها وتحت إشراف العديد من الأساتذة، بدءاً من الأستاذ "حميد البصري" إلى "جوان قرجولي" وأيضاً "عصام رافع"، ومن ثم عملت مع الكورال الغربي "الحجرة" في المعهد مع الخبير الروسي "فيكتور بابينكو" لمدة عشر سنوات، إضافة لعملي كمساعدة في تدريب الكورال، درست الأوبرا وقدمت حفلات صولو بهذا الخصوص ولكن بالوقت نفسه غنيت مع جوقات شرقية، وارتأيت أن أوظف صوتي وخبرتي الغنائية في قيادة الكورال بمشروع خاص فكان كورال "غاردينيا"، وخصصته للأصوات النسائية ولا سيما في فترة الحرب، لأنني أعدُّ النساء هن دعاة السلام».

كما يرافق الفرقة بشكل دائم عازفة البيانو "راما نصري"، إضافة إلى الموسيقية "سفانة بقلة" كإدارية للكورال وكما تقوم بمهمة تلحين وتوزيع الأغاني

الأداء المتزن

تؤكد "حرب" بأن جميع فنانات "غاردينيا" وعددهن عشرين فنانة، لديهن خبرة في قراءة الصولفيج والأداء المتزن فضلاً عن أصواتهن الجميلة، وتتابع: «كما يرافق الفرقة بشكل دائم عازفة البيانو "راما نصري"، إضافة إلى الموسيقية "سفانة بقلة" كإدارية للكورال وكما تقوم بمهمة تلحين وتوزيع الأغاني».

كورال غاردينيا

وتحاول قائدة الكورال استثمار خبرتها كمغنية اوبرالية لإيصال قطع غنائية بأسلوب حضاري وعصري إلى المتلقي، حيث تتابع حديثها قائلة: «استفدت كثيراً من تجربتي الأوبرالية وأصول الغناء ووضع الصوت في المكان الصحيح، واستطعت إيصال طريقة الغناء إلى أعضاء الكورال، والأسلوب المختلف في الأداء مابين التراث الشعبي والغناء الكلاسيكي الغربي أو الصوفي لأن لكل منهم أسلوبه، وهذه الخبرة ساعدتني أن أقود الفريق وإيصاله إلى أفضل مكان وتالياً الانسجام والتناغم والتوازن بين الأصوات».

توزيع الأداء

وعن الأداء الصوتي في الكورال تقول: «نغني دائماً في "غاردينيا" الأداء الموزع، أياً كان نوع الغناء، حيث يبدأ من ثلاثة أصوات ويمكن أن يصل إلى خمسة أحياناً، وبشكل أساسي لدينا صوت آلتو وسوبرانو أول وسوبرانو ثاني، وأحياناً لدينا أصوات صولو من الفرقة ذاتها، وأحياناً يمكن أن نوزع آلتو إلى الأول والثاني وسوبرانو عالي وآخر منخفض، ليصل التوزيع إلى خمسة أو ستة أصوات».

من أمسيات كورال غاردينيا

دون تشويه

من أجواء أمسية كلاسيكية

أهتم كورال "غاردينا" خلال مسيرته بالتراث الغنائي السوري وقدمه بأبهى أشكاله دون أن يمس باللحن الأساسي، بل أضاف عليه قليلاً من التوزيع ليعطيه رونقاً خاصاً، وفي هذا السياق تقول "حرب" : «أهم برنامج قدمناه بخصوص التراث هو "زغاريد سورّية" تضمن أغانيَ تُؤدى للعروس عادة، تنتمي لكل البيئات والألوان السورية، وكانت أغاني الحنة والاستقبال والوداع، جمعناها من نساء كبيرات في السن لنحصل على أغانٍ لها صلة وثيقة بالتراث، وقصدنا هذا الشكل الغنائي كون تراثنا واسع جداً ولا يكفي أن نقدمه بساعة أو ساعتين، ورأينا موضوع العروس كأقرب أنواع الغناء إلى الأصوات النسائية، وقمنا بإعداد هذه الأغاني وترتيبها وتنويطها وتسجيلها ووزعناها بحيث لا نشوه اللحن الأساسي، بمعنى لم نغير لا الإيقاع ولا السلم الموسيقي كي لا تفقد هويتها مع إضافة نكهة التوزيع قليلاً برفقة عدد من آلات أساسية في التخت الشرقي».

رسائل ومواضيع

يكتب كورال "غاردينا" برامجه بشكل مدروس وكل أمسية لها هدفها، وهنا تشرح لنا "حرب" معاني اختياراتها: «نختار برنامجنا بشكل منوع ولكل منها رسالة وهدف لا تبتعد عن غاية تأسيس الكورال وهي نشر قيّم السلام والمحبة والإنسانية والفن والجمال، وفي كل تجربة نسعى أن نوجد في مكان من هذه الأمكنة، كما نحب أن نتحدى أنفسنا بكل برنامج جديد، سواء من ناحية صعوبة تنفيذ البرنامج وقدرتنا على تفيذه بشكل لائق، ليصل إلى مسامع المتلقي كمادة جميلة».

خاض كورال "غاردينيا" تجارب غنائية مختلفة من التأسيس إلى اليوم، حيث قدمت أغاني الأفراح والكلاسيك الغربي والتراث السوري، ولاقت جميعها استحساناً وقبولاً من الحضور.

وعن ما قدمته "غاردينيا" تقول "حرب": «بدأنا ببرنامج كلاسيكي غربي لنعرض للناس قدراتنا وإمكانياتنا، ومن ثم برنامج "ما أحلى أن نعيش" 2016 وفيها جسدنا أهمية السلام في دواخلنا، ومن هذا الباب اخترنا شارات الكرتون التي جاءت بعنوان "ما أحلى أن نعيش بخير وسلام"، ومن ثم عملنا برنامج "زغاريد سورية" الذي حصلنا خلاله على الكثير من المنح ومن عدة جهات "المورد الثقافي، آفاق، إتجاهات"، ومن ثم قدمنا "نساء عشقن الإله" وهو برنامج صوفي اخترنا قصائد لمتصوفات لم يتطرق إليها أحد لأنه بالعادة يكون التصوف حكراً على الرجال ونحنا اخترنا أسماء صوفية نسائية حيث قدمنا تسع قصائد وقمنا بتلحنها وتوزيعها، وأيضاً برنامج مسرح غنائي أسميناه "ليلة واحدة بعد الألف" كانت خاصة بالنساء أيضاً، يتضمن رسائل دعم للنساء فيها تغيير وجهات نظر لشخصيات موجودة في"ألف ليلة وليلة" لقصصهم، ورويناه من خلال فكرهم ووجهة نظهرهم واعتراض على نهايات قصصهم، كتبها "آنا عكاش" ولحنتها "سفانة بقلة"، وآخر برنامج لنا قدمناه قبل فترة وجيزة هو "نجوم وأضواء"، وهو برنامج صعب جداً، هذه الموسيقا التي كانت في السبيعينات والثمانينات وعملت نقلة نوعية في كل تاريخ الموسيقا، لاحتوائها إيقاعات مختلفة وطريقة أداء مختلف، حيث تنشر جرعة من الفرح والسعادة للحضور وتنشيط لذاكرتنا ولبرنامج "نجوم وأضواء" الذي كان يبثه التلفزيون السوري من فترة بعيدة وقدم أغانٍ جميلة جداَ».

وفي نهاية حديثها تعتبر المايسترو "غادة حرب" الغناء الجماعي هو قوة وثقة للمرء، وتبعده عن الأنانية، وتحقق المساندة والتعاون، حيث لا صوت يعلو على الآخر، وهو دعم نفسي للمؤدي وجميل للمتلقي.

كسر للقوالب النمطية

من جانبها تقول الموسيقية "سفانة بقلة" القائمة بمهة التوزيع الموسيقي والشؤون الإدارية في كورال "غاردينيا": «الشيء المختلف الذي يقدمه الكورال هو سر النجاح، ولعل ما جعلنا نستمر هو الجرأة والشجاعة اللتان دفعتنا إلى أن نفكر خارج الصندوق وأن نفكر بالجديد دائماً، فما نقدمه فيه كسر للقوالب النمطية والخروج عن المألوف في التعاطي مع الموسيقا الشرقية وفي موضوع التأليف الموسيقي، فالأداء الكورالي يحترم ذوق المتلقي ويأخذه إلى مكان ليستكشف معنا زوايا أخرى في الموسيقا والمنتج الفني».

وتضيف: «هذا ما نحتاجه ضمن المشهد السوري، ففي الظروف التي نحن فيها، تكتظ الساحة بالأشياء يمكن لها أن تقتل الإبداع والدافع للإنتاج والبحث عن المبتكر، بسبب الصعوبات الكبيرة التي يمكن للموسيقي أن يواجهها كإنسان يعيش في ظرف اقتصادي واجتماعي ضاغط، وهنا نحاول أن نفصل أنفسنا عن هذه الظروف لنحافظ على قيمتنا الإنسانية، وبذات الوقت نحاول أن نفصل أنفسنا عن فكرة كوننا مجرد نساء نعمل في مجال الموسيقا، فنحن بشر، كل فرد فينا هو إنسان ونحاول أن نمارس إنسانيتنا كموسيقيين، ونتطلع أن نستغل قدراتنا وطاقتنا الإبداعية بشكل حر ومختلف على السائد».

الجدير ذكره بأن كورال "غاردينيا" تأسس عام 2016 وقدم حفلاته في العديد من المدن السورية وبعض الدول العربية.