تركت الحضارات التي تعاقبت على مدينة "دمشق" لآلاف السنين، الكثير من المواقع الأثرية التي ما زالت حاضرة حتى يومنا هذا، ومن بين هذه المعالم معبد حوريات الماء في سوق الصاغة الأثري وسط مدينة "دمشق القديمة" الذي يعود تاريخه إلى العهد الروماني.

طقوس الأقدمين

يوضح الآثاري في المديرية العامة للآثار والمتاحف "إياد غانم" أن الموقع كاسم متعارف عليه (معبد حوريات الماء)، ما زال بحاجة إلى المزيد من الدراسة والمقارنة ويتابع: «تأتي أهمية المعبد من حيث موقعه ضمن منطقة ما زالت محافظة على قدسيتها عبر التاريخ، ضمن أقدم عاصمة مأهولة في العالم وهي "دمشق"، وربما تطلعنا المكتشفات الحديثة ضمن حرم هذه المنطقة، على الدور الذي لعبه هذا المعبد في أداء طقوس تتعلق بمعبد "جوبيتير"، وقد اكتشفت المديرية العامة للآثار والمتاحف المعبدَ برئاسة الراحل "نسيب صليبي" عام 1970، بهدف الكشف عن السويات الأثرية في الموقع على يد الراحل "صليبي"، وذلك في الجهة الشرقية من الجامع الأموي في "دمشق"، ووجدت ضمنه نصاً كتابياً بالإضافة إلى بناء حجر أسفل السويات الإسلامية المتداخلة، وهو عبارة عن منحنيات بداخلها أنابيب من الفخار (منهل ماء)، وتم تقديم مقترح منذ سنوات بهدف فتحه وتحسينه وعرضه للزوار والسياح كمتحف، من قبل محافظة دمشق بالتعاون مع المديرية، وقد جرت عام 2005 عملية قشر للطينة ضمن الموقع ظهر خلال تلك العملية مجموعة أعمدة مع تيجان تشير إلى أن الموقع ضمن مجمع ديني ضخم».

يحتاج المعبد إلى زيادة في ورشات التنقيب ضمن الموقع، واستمرارية العمل فيه كونه يعطي أفضل بيئة تنقيبية لما فيه من تنوع حضاري عمراني، وتأتي هذه الحاجة لوجود تداخل عمراني للطبقات الأثرية مع العصور التي مر فيها الموقع، وفي المحصلة "سورية" بلد يملك تاريخاً حافلاً بالحضارات القديمة منذ أقدم العصور، وعليه يحب العمل على تنمية الوعي الأثري والثقافي للآثار السورية المادية وغير المادية عند كل أطياف المجتمع وتسليط الضوء إعلامياً عليها

غنى حضاري وثقافي

يعد معبد حوريات الماء جزءاً من معبد جوبيتر الكبير، وتم التنقيب عنه في مرحلة السبعينيات خلال البعثة الألمانية السورية، وتقول الآثارية "ميسون الحميد": «اكتشفت البعثة المعبد في سبعينيات القرن الماضي، وتنبع أهمية هذا الموقع من أنه المكان الوحيد المفتوح في "دمشق القديمة" الذي يستطيع المنقبون العمل به، وجاءت تسميته بهذا الاسم بسبب الماء المقدس الذي كان يستخدم في الفترات التاريخية القديمة، وقد استطاعت البعثة الوصول للسوية الأصل تحت الرومانية، ثم تباعاً الطبقات الأعلى منه العائدة للعصور الإسلامية الوسطى، أي السلجوقية الأيوبية، والمبنى العائد للعصور الإسلامية الوسطى قد لا يكون قصراً وإنما بيتاً لأحد الوجهاء في ذلك العصر، كما عثر من خلال التنقيبات السابقة على فخاريات متكسرة وحوجلات معدنية وفخارية تستخدم في تصنيع الجواهر الذهبية».

وتضيف "الحميد": «يحتاج المعبد إلى زيادة في ورشات التنقيب ضمن الموقع، واستمرارية العمل فيه كونه يعطي أفضل بيئة تنقيبية لما فيه من تنوع حضاري عمراني، وتأتي هذه الحاجة لوجود تداخل عمراني للطبقات الأثرية مع العصور التي مر فيها الموقع، وفي المحصلة "سورية" بلد يملك تاريخاً حافلاً بالحضارات القديمة منذ أقدم العصور، وعليه يحب العمل على تنمية الوعي الأثري والثقافي للآثار السورية المادية وغير المادية عند كل أطياف المجتمع وتسليط الضوء إعلامياً عليها».

هوية وتراث

تتابع الآثارية "الحميد" حديثها حول المعبد كونها عضواً بجمعية أصدقاء المتاحف والمواقع الأثرية وتضيف: «ما أحزنني فعلاً عندما قمنا بفعالية تنظيف معبد حوريات الماء في سوق الصاغة، بمشاركة الجمعية وبالتعاون مع محافظة دمشق وكل من مديريات المدينة القديمة والنظافة والحدائق في المحافظة، حين سألت بعض أصحاب المهن في المحلات المجاورة عن اسم الموقع وتاريخ اكتشافه، فكانت الصدمة أن أغلبهم لا يعرف سبب وجود المكان مقفلاً هنا، حتى أن بعضهم تفاجأ بوجود المعبد، لذلك لا بدّ من تعزيز الثقافة الأثرية في حياة الناس، وهذا الموضوع يعدّ أحد أهداف الجمعية، كما لا بدّ من الاطلاع على كل المعالم الأثرية، وأيضاً توعية المجتمعات المحلية بأهمية الحفاظ على هذه المعالم وعدّها جزءاً لا يتجزأ من هويتنا».