يعد "سوق التلل" بمركزه الاستراتيجي المهم والواقع بمنتصف مدينة "حلب" تماماً، والمتاخم "لحي ساعة باب الفرج" من الجنوب "والعزيزية" من الشمال، واحداً من أقدم وأهم الأسواق التجارية النشطة والمتخصصة ببيع الألبسة المتنوعة، حيث يستقطب العديد من العوائل لشراء حاجياتهم من الألبسة النسائية والداخلية والرجالية.

تميز السوق ببيع ألبسة الموديلات العرائسية الحديثة مع القديمة معاً، وفي وسطه تتوضع عشرات المحلات لبيع ألبسة الأطفال والرجال أيضاً.

تعود تسمية "التلل" إلى العهد العثماني حيث أطلقت التسمية على منطقة "التلل" التي كانت خارج الأسوار وهناك من يرى سببين للتسمية، الأولى بسبب تموضع تلال طبيعية تمت إزالتها مع أعمار منطقة الجديدة القريبة، بينما الرأي الآخر يقول أن سبب التسمية يعود نسبة لتلال بقايا عمال المصابغ والمدابغ لفترة طويلة من الزمن قبل إعمار حي الجديدة

سوق لا ينام

صُمم سوق "التلل" في بنائه العمراني على الطراز الشرقي الأثري المحض، ويتجسد ذلك في شكل بيوته ومحلاته العمرانية، وبناء كنائسه الأربع الموجودة داخله وتفرعاته وزواياه المتعددة، وفي طريقة رصف شارعه الرئيسي بالحجر الأسود البازلتي.

المنازل الخشبية القديمة وسط "حي التلل"

ويتميز السوق بالحركة الدائمة، ويضم عشرات المحلات لصاغة الذهب والفضة، والموالح والحلويات والألبسة الرياضية والأحذية والحقائب.

موقع مدونة "eSyria" جال يوم وقفة عيد الأضحى داخل "سوق التلل" وشاهد الازدحام الكثيف وتهافت عموم الناس على شراء حاجياتهم، وحاور الزبائن وأصحاب المحلات القديمين الذين يعرفون كل شاردة وواردة عن تاريخ السوق وبضائعه التي اشتهر بها منذ القدم.

حديث تجار الألبسة "عن سوق التلل"

زلزال وتلل

الباحث "عبدالله حجار " وكلام عن تاريخ السوق وفندق الهوكيدون وساحة فرحات.

تواصلت المدونة مع المؤرخ التاريخ المعروف "عبد الله حجار" الذي يبين في حديثه أن سبب تسمية "سوق التلل" بهذا الأسم، يعود إلى الزلزال الذي ضرب مدينة "حلب" عام ١٨٢٣، ودمر آنذاك ثلثي بيوت المدينة الواقعة داخل السور القديم ومنها كان هذا السوق، وخلف أكثر من خمسة عشر ألف قتيل، وعلى إثر هذا الزلزال حدثت التراكمات والتلال داخل السوق، وعلى تلك التلال الصغيرة كان يجفف روث البقر لقوة استخدامه ومفعوله السريع في إشعال نيران المطابخ، ومن هنا جاءت التسمية.

ويضيف "حجار" أن نشأة ونشاط السوق بشكله الفعلي ونشاطه التجاري، تعود إلى عام ١٨٩٠، واستمر حتى الحرب العالمية الأولى في عام ١٩١٨ في شكله كسوق تجاري، وكذلك خلال فترة الاحتلال العثماني لبلادنا.

جغرافية وحدود

يبدأ امتداد السوق من "جادة الخندق" مقابل فندق "الشيراتون" "بباب الفرج" الواقع ضمن السور القديم للمدينة، وينتهي عند تقاطع "حي العزيزية"، ويقع على جادتين متقابلتين توجد فيهما محلاته التجارية، الأولى شرقية وتدخل ضمن تنظيم مدينة "حلب" القديمة، بينما الجادة الأخرى الغربية المقابلة للأولى تتبع للتنظيم العمراني الحديث، وتتفرع من السوق الرئيسي والجادة الشرقية القديمة منه عدة بوابات مثل "بوابة القصب" و"بوابة الخل" و"بوابة ابن يعقوب" و"بوابة الياسمين" و"ساحة فرحات" التي تحوي الكنيسة وتمثال "جرمانوس فرحات" و"سوق الصوف"، وفي وسط السوق هناك فندق "الهوكيدون" الذي بني في القرن السادس عشر، حيث توجد عليه كتابات ونقوش ورسوم أرمنية ظاهرة حتى الآن، ويسمى الفندق "بالبيت الروحي"، وهو كان مقر واستراحة للحجاج النصارى الأرمن الوافدين من "أرمينيا" نحو "القدس"، ويتفرع منه أيضاً حي أثري قديم مشهور بوجود القناطر الحجرية يسمى "حي الجديدة".

بدوره يقول الدكتور "حسن شوال" من "جامعة حلب": « تعود تسمية "التلل" إلى العهد العثماني حيث أطلقت التسمية على منطقة "التلل" التي كانت خارج الأسوار وهناك من يرى سببين للتسمية، الأولى بسبب تموضع تلال طبيعية تمت إزالتها مع أعمار منطقة الجديدة القريبة، بينما الرأي الآخر يقول أن سبب التسمية يعود نسبة لتلال بقايا عمال المصابغ والمدابغ لفترة طويلة من الزمن قبل إعمار حي الجديدة».

السوق في بعض تفاصيله يروي حكاية تاريخ مدينة "حلب" منذ أواخر القرن التاسع عشر. حيث كان يعد المنافس الأقوى لأسواقها القديمة المسقوفة الشهيرة، ويعد أحد أهم معالم المدينة التجارية والصناعية، ويطلق عليه لقب "شارع الأنيق" أو "شارع العائلة" كناية عن وجود جميع أفراد العائلة للتبضع منه.

شهادات التجار

التاجر "محمد ياسين هاشم طراب" ٦٣ عاماً يقول: «عشت وتربيت على مدار خمسين عاماً داخل هذا السوق التجاري الذي يستقطب الزبائن من مختلف أنحاء المدينة والمدن المجاورة، له سحر جذاب باستقطاب الزبائن، وهو فعال في حركته التجارية الصناعية وبما يحتويه من مختلف صنوف الألبسة النسائية والرجالية وحاجيات وملابس العرسان، والمفروشات القطنية والمطرزة.. هناك في وسطه سوق مهم للذهب ومحلات لبيع الحلويات العربية، ومن أهم ميزات هذا السوق أنه ربط أسواق المدينة القديمة بالحديثة معاً ما أعطاه الزخم والأهمية».

ويختم التاجر حديثه بالإشارة إلى أن السوق لم يتضرر كثيراً بمخلفات الأزمة الأخيرة، وبقيت أبوابه ومحلاته مشرعة أمام رواده، ولكن خفت حركة البيع والشراء فيه لانقطاع وصعوبة وصول الزبائن إليه.

ينتعش من جديد

يقارب عدد المحلات التجارية في "سوق التلل" خمسمئة محل، وطول شارعه ستمئة متر تتخلله تفرعات وزوايا شهيرة، وأسواق فرعية مثل "سوق الصوف" و"سوق المنطاي" و"سوق العرائس" و"سوق الذهب"، ويتميز ببيع المطرزات الشرقية والبياضات.

ويقول التاجر "أدمون بهجت كويفاتي": «ورثت هذا المحل للمكياج عن أبي منذ أكثر من خمسين عاماً، يتميز سوقنا بجودة بضائعه ورخصها قياساً بأسعار الأسواق الدولية المجاورة، حيث كانت تأتي إلينا قبل الأزمة الأخيرة "كروبات" وزبائن تجارية لبنانية وروسية للتبضع، وشحن كميات كبيرة من الألبسة الداخلية والمكياج والأحذية، السوق منظم وتجاره يحترمون بعضهم بعضا، ويدلون الزبائن على محلات جيرانهم في حال كانت طلباتهم غير متوفرة لديهم.. السوق بوضعه الحالي منتعش ونشط أكثر من السابق والزبائن تتهافت عليه وتعده السوق الأول للتبضع بسبب توقف وتعطل الأسواق القديمة الرئيسية والشهيرة المعطلة والخارجة عن الخدمة مؤقتاً، أما تجاره فمتعاونون فيما بينهم لتنظيم أمورهم التجارية والإدارية، وداخل السوق توجد أربع كنائس قديمة في هيكلها وبنائها».

مشاهير ومؤسسون

وختام جولة المدونة كان مع التاجر "ماهر حبيب" 60 عاماً والذي يعد من أقدم تجار ألبسة البياضات في "سوق التلل"، حيث يشرح الكثير عن مزايا هذا السوق التجاري، ويعدد أبرز أسماء تجاره قائلاً: «عملت وتعلمت أصول البيع والشراء في السبعينيات بمحل والدي السابق بـ"خان الجمرك"، وبعد وفاته اشتريت محلا خاصاً بي داخل "سوق التلل"، وتخصصت ببيع المطرزات وأطقم الصلاة، وأذكر أنه كان يوجد سابقاً داخل السوق عدة محلات لبيع ألبسة البالة قبل انتقالها "لسوق باب جنين"، وسوقنا على تواصل مع أسواق "الحميدية والصالحية والحمراء" بمدينة "دمشق" من حيث التصدير والاستيراد، والكثير من تجار "دمشق" يأتون ألينا للشراء والاطلاع على جديد بضائعنا، ويتكفل السوق مع أسواق المدينة الأخرى "سيف الدولة وسد اللوز والأشرفية"، بتصريف كافة المنتوجات والصناعات المحلية والعطورات والأحذية، داخل السوق توجد أكثر من عشر ورشات تفصيل وعدد كبير من العيادات الطبية»..

التاجر "هاكوب أردوش" 50 عاماً :<< والدي من قدامى ومؤسسي "سوق التلل" تخصص في بيع اللباس الرجالي، سوقنا قديم وله نكهة خاصة ومن يزوره سيعود إليه حتماً، يجمع الحديث والقديم معاً وتلك ميزة فريدة له، زبائننا من كافة شرائح المجتمع، وتأتينا الزبائن من المحافظات الأخرى وخاصة أبناء المدن الشرقية والريفية، وبعض من السياح الأجانب للتبضع من منتوجاته الشهيرة».

تم إجراء اللقاءات والتصوير داخل "سوق التلل" بتاريخ الثامن والتاسع من شهر تموز لعام ٢٠٢٢.