امتلك الكاتب "أحمد محمد الشح" أدوات الكتابة وتميز بالغنى المعرفي والثقافي والطموح الذي جعله يخوض في أكثر من نوع أدبي، مؤمناً بأن الفكرة هي التي تلبس ثوب النوع الذي يليق بها، مقدماً لنا ديوانين شعريين ومجموعة مسرحية ودخل مؤخراً عالم الرواية من خلال روايته "سراديب الوعد".

علاقة تكافؤ

في لقاء مع المدونة يقول الكاتب "السح" الذي كتب في مقدمة كتابه "لي نعمة في الأرض" (الشعر أو الأدب ليس مجرد مشاعر لأن المشاعر يمكن تفريغها بأشياء أخرى): «الكتابة الأدبية ليست مشاعر، الأدب هو مشروع ومسؤولية ويتطلب من الإنسان بذل جهد اتجاهه لذلك، لا أؤيد الكتابة التي تعتمد على تفريغ المشاعر، فأي أدب يقتضي وجود مشاعر وليست كل مشاعر هي أدب، العلاقة بينهما هي علاقة يؤدي وليست علاقة تكافؤ».

قرأت للكثير من الأدباء وقررت منذ الصغر بأن لا يكون لدي مثل أعلى حتى أتشرب من كل المدارس، وأنا ضد أن يحب أي كاتب أديباً ما وينهج نهجه لأن التأثر مرعب بالنسبة للكاتب، وأفضل أن يكون لي لغتي وعالمي الخاص

تنوع أدبي

أي فكرة تأخذ الشكل الأدبي المتاح لها بحسب "السح" : «من الممكن أن تكون الفكرة قصيدةً، مقالاً، أو مسرحيةً أو روايةً، قصةً قصيرةً أو سيناريو، الشكل الأدبي للفكرة يأتي معها، ومن الممكن أن تلبس الفكرة أكثر من شكل أدبي، وهذا ما لاحظناه لدى بعض الكتاب الذين أحاطوا فكرة معينة بأكثر من أسلوب أدبي، مثلاً موضوع (الوحدة) كتبه الأدباء في قصيدة، مسرحية، رواية، فهناك موضوع معين يشغل بال الكاتب ويمكنه التعبير عنه بأكثر من نوع أدبي وأؤيد هذا النوع من الكتابة بالتعبير عن الفكر، وتأتي الرشاقة في الانتقال بين الأنواع الأدبية من الفكرة نفسها».

كتبه

ويوضح "السح" أنه لا يفضل نوعاً أدبياً على غيره، مبيناً أنه أراد تجربة الرواية التي قد تتكرر لأن الحكاية التي دخلها برواية "سراديب الوعد" من حيث حجمها وطريقة طرحها، تطلبت أن تكون ضمن عمل روائي.

مواضيع عديدة

وحول مواضيع مؤلفاته يقول: «كتاب الشعر "كل لغة لي وكل حرف لك" مؤلف من رباعية، يربط بين اللغة والحب والشعر والإنسان، وكتاب "لي نعمة في الأرض"، هو ديوان مجتمعي يتضمن قصائد إنسانية، أما المجموعة المسرحية بعنوان "بلا سقف" مكونة من أربعة نصوص مسرحية وكل منها يتناول قضية معينة، نص "باعة على قارعة الطريق" يسأل عن بيع القيم وهو النص الأول في المجموعة يتحاور من خلاله بائعو كل من الدموع، الفقر، الموت والشعر، عارفين أن بضاعتهم لا تكسد مهما تبدلت الأحوال فهناك من يحتاج الدموع دوماً، أما نص "موتى" فيتكلم عن الصراع البشري حتى ما بعد الموت، يستنهض الفلسفة في حديثه عن الموتى الأحياء، والأحياء الموتى مؤكداً أهمية التساؤل عن الوجود والحقيقة، أما نص "القصيدة" فيتناول شخصية الشاعر، تفكك العقد الاجتماعي للمنطقة التي يعيش فيها، مسلطاً الضوء على أنانية هذا الشاعر، والنص الرابع "بلا سقف" يتكلم عن إمكانية تغيير المجتمع بطريقة تخيلية من خلال رمزية الأمان والملجأ عبر الصراع بين الواقع والمأمول».

"السح" مع "عفراء هدبا"

"سراديب الوعد"

وحول رواية "سراديب الوعد" التي استغرقت اثني عشر عاماً لإصدارها يقول: «بدأت بمشروع كتابة الرواية ثم انتقلت لمشاريع أخرى، واستمرت الرواية بحالات متغيرة وتغير موقفي اتجاهها بين عام وآخر، وكانت الرواية جاهزة للصدور منذ عام 2019 لكن دخولي لمشاريع عمل استغرق مني الوقت وتأجل مشروع الرواية، واخترت أن يعود ريع الطبعة الأولى منها لأطفال مرضى السرطان في جمعية "بسمة" لأن الأدب لا يبتعد عن المجتمع بل يجب أن يقدم خيراً له، ويمكن للأدب أن يقدم المال لمن يحتاجه، ولا سيما أن طفل السرطان قابل للشفاء وبالتالي بالإمكان أن تزرع الأمل».

ويوضح أن عنوان "سراديب الوعد" منبثق من الحكاية، والجزء الأول اسمه الوعد ثم يدخل القارئ نفقاً وأربعة سراديب، سرداب الظل، وسرداب الحذر، سرداب الغواية وسرداب الكشف ثم نذهب إلى المتاهة.

مثل أعلى

ولدى سؤالنا له حول المثل الأعلى له في عالم الأدب أجاب "السح": «قرأت للكثير من الأدباء وقررت منذ الصغر بأن لا يكون لدي مثل أعلى حتى أتشرب من كل المدارس، وأنا ضد أن يحب أي كاتب أديباً ما وينهج نهجه لأن التأثر مرعب بالنسبة للكاتب، وأفضل أن يكون لي لغتي وعالمي الخاص».

وحول اختيار دار "دلمون" الجديدة للنشر يقول: «بسبب معرفتي بصاحبة الدار "عفراء هدبا" قبل تأسيسها لها وكنت من أوائل الكتاب الذين نشروا فيها، واختلطت الأمور بين الصداقة وبين العلاقة بين كاتب وناشرة، حيث تكمل دار النشر عمل الكاتب، وعملية النشر اليوم بحاجة إلى دعم حقيقي لكلا الطرفين، لأن نشر كتاب أصبح ترفاً في عالم يفضل فيه كثيرون "تيك توك"، وهي عملية من الضروري أن تحظى بالدعم».

رأي ثري

من جهتها "عفراء هدبا" مؤسسة دار "دلمون" الجديدة للطباعة والنشر والتوزيع تقول: «تعرفت إلى "أحمد" عام 2012 في السنة الثانية للحرب على "سورية" عن طريق فيسبوك، لفت نظري اهتمامه بالكتب والقراءة، وأصبحت من متابعي صفحته الشخصية وبعد فترة زمنية تعرفت إليه شخصياً وكان حينها ضابطاً برتبة ملازم أول بالخدمة العسكرية، ما زاد إعجابي واحترامي له وإحساسي بالمسؤولية تجاهه، أصبحنا أصدقاء برغم فارق السن بيننا فهو شاب ناضج ومثقف، وبحكم اهتمامي حينها بالكتب اطلعت على تجربته الشعرية الأولى "كل لغة لي كل حرف لك"، وشجعته على تقديمها للهيئة السورية للكتاب لتتم الموافقة على طباعتها ونشرها عام 2016 ولتنفذ النسخ بشكل ملفت، في عام 2014 تأسست دار "دلمون" الجديدة وكان "أحمد" من المشجعين والداعمين منذ نشوء الفكرة».

غنى والتزام

أنجز ديوانه الشعري الثاني "لي نعمة في الأرض" عام 2017 وقدمه له الشاعر الفلسطيني الراحل "خالد أبو خالد"، وفي عام 2018 أصدرت دار "دلمون" لأحمد مجموعته المسرحية بعنوان "بلا سقف" وهو الذي يقول: (لا أحتاج تفسيراً لحب المسرح ولا أحتاج دفعاً للوقوف مع المسرح.. فالمسرح حاجتي وغايتي)، ما يميز "أحمد" امتلاكه لأدواته وغناه المعرفي والثقافي وطموحه، هذا الغنى المعرفي والثقافي بالإضافة إلى التصاقه بالمجتمع والتزامه بقضايا أهله بالطبع لدخول عالم الرواية فكان مشروع روايته "سراديب الوعد" التي بدأ بها قبل سنوات وأخضعها لأكثر من قراءة ومراجعة لحين قرر نشرها، وهذا يدل على تأنيه وحرصه وإحساسه العالي بالمسؤولية».

دعم مجتمعي

وحول قراره برصد ريع الطبعة الأولى من روايته لجمعية "بسمة" لدعم الأطفال المصابين بالسرطان تكمل "هدبا" بقولها: «قراره هذا ترجمة عملية للإحساس بالمسؤولية تجاه مجتمعه ووطنه، ونحن في دار "دلمون" الجديدة نلتقي معه ونتقاطع في هذا الأمر، حيث أن فكرة تأسيس هذه الدار جاءت ضمن سياق الجهود الكبيرة التي ظل العديد من دور النشر العربية يشاركون فيها لتفعيل الثقافة العربية ونشرها وبناء الجسور مع الثقافات الأخرى في شتى أنحاء العالم».

نذكر أن الكاتب "أحمد السح" من مواليد عام 1987 "سلمية" خريج هندسة الحواسيب ومجاز في الإعلام وجرت اللقاءات بتاريخ 6 تموز 2022.