تبحث بين الحوانيت فلا تجد حانوتاً يبيع الكتب، وتستغرب وجود مكتبة لبيع الكتب في أحد الطرق الفرعية في "اللاذقية" كاستغرابك قراءة لفظة حانوت في أول المقال، ولا سيما أننا وصلنا إلى وقتٍ أصبحت الكتب تُباع على الأرصفة في حين تُباع غيرها من الكماليات بمحلاتٍ فاخرةٍ مصفوفة على رفوفٍ منسقة جميلة.

تاريخ مكتبة

في أحد أزقة شارع "هنانو" الفرعية في مدينة "اللاذقية" توجد مكتبة "كردية" تلك المكتبة التي يعود تاريخها إلى حقبة الأربعينيات والتي كانت بدايتها في مدينة "جبلة" كما يخبرنا صاحبها الحالي "الوليد كردية" فيقول: «تأسست المكتبة منذ حوالي 80 سنة، أسسها جدي "يوسف كردية" الذي كان يعمل حلاقاً في مدينة "جبلة"، ولكن اهتمامه بالقراءة والمطالعة ومتابعة كل ما هو جديد، دفعه لبيع الصحف الورقية في محلّه، وبعد مدّة من الزمن أصبح يبيع الكتب المتنوعة إلى جانب الصحف اليومية، وبذلك كانت أول مكتبة في ذلك الوقت بالمدينة، فقد أصبح الناس يقصدونه من كل حي ليس فقط للحصول على الجرائد والكتب، بل للسؤال عن إمكانية توفير كتب لم تكن موجودة لديه، لينتقل بعدها إلى مدينة "اللاذقية" ويؤسس مكتبته في شارع "العنابة"، تلك المكتبة التي بقيت مقصد الكثير من الناس حتى وفاته عام 1990، ليكمل عمي مسيرته في المكتبة ذاتها التي أغلقت اليوم أبوابها، ويفتتح أبي وعمي الثاني مكتبتهم في شارع "هنانو"، واليوم أنا أستمر في إبقاء اسم المكتبة متداولاً وأستمر في المسيرة التي بدأها جدي».

أغلب مرتادي المكتبة من الفئة الشابة التي تتراوح أعمارها بين العشرين والثلاثين ونسبتهم حوالي 60 – 70% من رواد المكتبة، إضافة إلى الكبار في السن، وهناك طلب كبير على الكتب العلمية والفكرية والفلسفية مثلها مثل الروايات، وبالرغم من الإقبال على قراءة الروايات إلا أن الكفة متوازنة بين أنواع الكتب، فمثلاُ بين كل 10 كتب أبيع أربع روايات وثلاثة كتب فكرية وكتاباً فلسفياً وكتاباً علمياً

تنوّع في العناوين

تلاحظ أثناء تجوالك بين رفوف المكتبة تنوع الكتب المرصوفة عليها وحسب قول صاحبها : «تحتوي المكتبة كتباً متنوعة بين الفكرية والثقافية والعلمية والأدبية، وكانت توجد كتب الأطفال لكن تراجع مستوى المحتوى في الكتب الموجودة في السوق أدى إلى تراجعنا عن بيعها، لأننا نعمل على انتقاء الأفضل لتقديمه للناس، وهناك كتب باللغة الإنكليزية ومطلوبة لكن غير متوفرة بكثرة بسبب صعوبة وصولها إلينا نتيجة العقوبات المفروضة على البلاد، لا يوجد لدينا كتب دينية ليس بسبب عدم رغبتنا في تقديمها لكن بسبب أن السوق غارق بالكتب والمكتبات الدينية، ولأن رسالة المكتبة تقديم الكتب التنويرية والفكرية والثقافية، وللعلم أن 95% من محتويات المكتبة هي كتب أصلية غير منسوخة أو مصورة وهي وبالرغم من ارتفاع سعرها إلا أنها مطلوبة من الناس، لأن القارئ يعرف أن الكتاب الأصلي يحتفظ بقيمته على مرّ الزمن».

الوليد كردية

روّاد شباب

مكتبة كردية

مع التطور التقني واتجاه الشباب نحو التكنولوجيا وانتشار الكتب الالكترونية يتبادر لذهنك أن الناس وخاصة فئة الشباب تراجعت عن قراءة الكتب الورقية، ولكن المفاجأة كانت أن نسبة 70 % من رواد المكتبة هم شباب، يقول "الوليد": «أغلب مرتادي المكتبة من الفئة الشابة التي تتراوح أعمارها بين العشرين والثلاثين ونسبتهم حوالي 60 – 70% من رواد المكتبة، إضافة إلى الكبار في السن، وهناك طلب كبير على الكتب العلمية والفكرية والفلسفية مثلها مثل الروايات، وبالرغم من الإقبال على قراءة الروايات إلا أن الكفة متوازنة بين أنواع الكتب، فمثلاُ بين كل 10 كتب أبيع أربع روايات وثلاثة كتب فكرية وكتاباً فلسفياً وكتاباً علمياً».

ويضيف "الوليد: «انتشار الكتاب الالكتروني كان له تأثير في اقتناء الناس للكتب الورقية، لكن الكتاب تأثر أكثر بظاهرة نسخ الكتب وقرصنة دور النشر للحصول على نسخة للكتاب وبيعها للناس دون الاهتمام بحقوق النشر، الأمر الذي يعدّ مخالفاً للقوانين، وفي "سورية" لا يمكن الاعتماد على ما يسمى المكتبات الالكترونية بسبب عدم وجود خدمة الدفع الالكتروني الذي يوفر تأمين ثمن الكتاب الكترونياً للجهة التي تعرضه على منصتها، وهناك فرق كبير بين تسويق الكتاب الكترونياً من دار النشر، وبين تسويق كتاب تم (تهكيره) والحصول عليه بطريقة غير شرعية، لذا لا يمكن التفكير بإنشاء مكتبة الكترونية لمكتبة "كردية"».

ويختم "كردية" بالإشارة إلى أن وضع المكتبات بشكل عام لا يبشر بالخير سواء محلياً أو عالمياً، ولكن التأثير كان كبيراً في "سورية" بسبب ضعف القدرة الشرائية لدى الناس ما أدى إلى تراجع الإقبال على شراء الكتب، إضافة إلى صعوبة وصول الكتاب إلى البلاد بسبب العقوبات المفروضة وارتفاع أسعار الورق عالمياً وليس فقط محلياً الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار الكتب أيضاً.