قيل لأرسطو كيف تحكم على إنسان فأجاب "أساله كم كتاباً يقرأ وماذا يقرأ".. للمكتبات الشخصية دور كبير في تثقيف الفرد والمجتمع، لكن بسبب ظروف الحرب التي مرت على بلادنا تعرض كثير منها للدمار أو الفقد في حين نجا بعضها الآخر وكان أصحابها أكثر حظاً.

قصة مكتبة

الشاعر "قحطان بيرقدار" مدير منشورات الطفل في الهيئة العامة السورية للكتاب ورئيس تحرير مجلة "أسامة" يروي لنا قصة فقده لمكتبته فيقول: «بدأت بتجميع مكتبتي الخاصة منذ أن كنت في المرحلة الثانوية، كنت أقتني أو أستعير بعض الكتب من مكتبة والدي وأحياناً أشتري بعضها من مصروفي الشخصي حيث كنت أعد كتب المنهاج الدراسي جزءاً منها، ومرحلة بعد أخرى بدأت تكبر هذه المكتبة وتضم عناوين عدة من الكتب، ولأن اختصاصي الآداب واللغة العربية، فقد تصدرت دواوين الشعر والكتب الأدبية قائمة الاهتمام ومنها (دواوين الشعر العربي قديمها وحديثها، الروايات العربية والعالمية، المجموعات القصصية، الكتب النقدية، الكتب المعرفية، المسرح، كان لدي مجموعة كبيرة من سلسلة المسرح العالمي التي كانت تصدر في "الكويت" وكذلك كتب "عالم المعرفة")، وبدأت تكبر مكتبتي من خلال اقتناء الكتب من معارض الكتاب التي تقام في مكتبة "الأسد"، ومعارض وزارة الثقافة التي تتخللها حسومات كبيرة على الكتب كنت أحرص على حضورها والاقتناء منها، حتى أصبح لدي غرفة كاملة أربعة جدران من الأرض للسقف عبارة عن رفوف مملوءة بالكتب وذلك قبل الأزمة في عام 2011 تقريباً».

مكتبتي الشخصية جاءت نتيجة سنوات وجهد طويل تم تجميع كتبها من مصادر عدة منها معارض وبسطات الكتب وعن طريق إهداء بعض الأصدقاء، وأخرى حصلت عليها من مكاتب كبيرة كالمكتبة الوطنية في "حلب"، حيث قمت بتصوير بعض الكتب التي لا يسمح باستعارتها وتجليدها تجليداً فنياً ولا سيما كتب "أفلاطون" و"أرسطو" وكل ما يتعلق بالفلسفة الإنسانية

هباءً منثوراً!

حتى ذلك التاريخ كان الشاعر "قحطان بيرقدار" يقطن في إحدى مناطق "ريف دمشق" التي اضطر أصحابها لتركها بسبب الأحداث وحول ذلك يقول: «شاءت الأقدار أن أخرج من بيتي مع من خرجوا بسبب الأزمة، تركته بما فيه، ومن ضمن ما تركته المكتبة التي لم أستطع أن أخرج منها سوى بعض الكتب ومعاجم اللغة العربية التي تهمني في عملي وبعض كتب النحو والصرف، أخرجت معي كتباً قليلة أما العدد الأكبر للأسف ذهب مع ما ذهب، وبعد أن تم تحرير تلك المناطق عثرت في بيتي على كتب قليلة جمعتها وأحضرتها لكنها لا تذكر من حيث العدد فالكمية الكبيرة فقدت ولا أعلم كيف».

جانب من مكتبة الشاعر "حيروقة"

وحول تبعات هذه الحادثة يقول الشاعر "قحطان": «هذا الأمر شكل لدي ردة فعل، فلم أعد أفكر في بناء مكتبة وبدأت اتجه نحو القراءة الالكترونية، وأصبح لدي مكتبة الكترونية كبيرة جداً ربما تعادل ثلاثة أضعاف مكتبتي الورقية التي كانت في بيتي، ولم أعد أقتني الكتاب الورقي بل أحرص أكثر على الكتاب الالكتروني ولا سيما في هذه الظروف التي نعيشها، ولدي حالياً مكتبة في مقر عملي في مجلة "أسامة" وفي مديرية منشورات الطفل، سأعود لبناء مكتبة عندما تتيح لي الظروف لكن حالياً أركز على الالكترونية أكثر من الورقية».

ظاهرة

يلاحظ الشاعر "قحطان بيرقدار" مؤخراً ظاهرة التخلي عن الكتب لدى بعض المثقفين ويقول: «بعض من يمتلكون مكتبات في بيوتهم أصبحوا يقومون بإهدائها إلى المكتبات العامة، أو لمن يريد الحصول على كتاب معين ولا أدري ما تفسير هذه الظاهرة لدى بعض المثقفين، لكن بالعموم لم يعد الكتاب الورقي كسابق عهده شئنا ذلك أم أبينا، رغم أن القراءة عبر الكتاب الورقي أكثر أصالة وحميمية، لكن الزمن تغير وبدأت القراءة الالكترونية والكتاب الالكتروني تثبت حضورها، حتى أننا على سبيل المثال أصبحنا نرى طلاب أطروحات الماجستير والدكتوراه يعتمدون على الكتب الالكترونية كمراجع، فلم يعد هناك مشقة في الحصول عليها بل أصبح كل شيء متوافراً على الانترنت».

الشاعر "قحطان بيرقدار"

ويرى الشاعر "قحطان بيرقدار" أنه رغم ذلك من المهم أن تكون هناك مكتبة في كل منزل، لأن حب القراءة يبدأ منها ولا سيما لدى الأطفال الذين من الضروري أن يجدوا حولهم مكتبة فينمو لديهم حب القراءة لتصبح عادة يومية في كل بيت.

جهد سنوات

من جهته الشاعر والأديب "عباس حيروقة" وعضو اتحاد الكتاب العرب وعضو جمعية الشعر يبدأ حديثه لمدونة وطن بقول "شيشرون": "إذا كان لديك حديقة ومكتبة فلديك كل ما تحتاجه" ويقول: «للمكتبات الشخصية المكانة الخاصة في حياة أي أديب وشاعر، وعلى الصعيد الشخصي قضيت الليالي الطوال قراءةً وبحثاً ومتابعةً لأهم الإصدارات وهي كل الأشياء الجميلة في هذا العالم لا بل كل هذا العالم، فلها الدور الكبير في تنشئة الأجيال وتثقيف المجتمع، لا أشعر بكينونتي كإنسان وشاعر إلا عندما أجلس قبالة هذه المكتبة وأتأمل العناوين فيها، وتأخذني لساعات طويلة وأعود بذاكرتي لآلية تجميعها، فلها أهمية كبيرة بالنسبة لي وبالنسبة للعائلة فكثيراً ما يعودون إليها ويتذوقون ما يحلو لهم بالمطالعة كل حسب اهتماماته، كما أشعر بأهميتها عندما يزورني بعض الأصدقاء والجيران ويستعيرون بعض الكتب ولا سيما الشباب والأطفال الذين يستعيرون كتب ومجلات الأطفال كمجلات "أسامة"، و"شامة"».

الشاعر "عباس حيروقة"

ويتابع: «مكتبتي الشخصية جاءت نتيجة سنوات وجهد طويل تم تجميع كتبها من مصادر عدة منها معارض وبسطات الكتب وعن طريق إهداء بعض الأصدقاء، وأخرى حصلت عليها من مكاتب كبيرة كالمكتبة الوطنية في "حلب"، حيث قمت بتصوير بعض الكتب التي لا يسمح باستعارتها وتجليدها تجليداً فنياً ولا سيما كتب "أفلاطون" و"أرسطو" وكل ما يتعلق بالفلسفة الإنسانية».

تأسيسها ومحتوياتها

وبحسب الأديب والشاعر "حيروقة" يتجاوز عدد الكتب في مكتبته الألفي كتاب، وهي متعددة المشارب الإنسانية كالثقافية من (فلسفة، شعر ، نثر، تاريخ، أدب عربي ومترجم) وحول تاريخ تأسيسها يقول: «لا يمكنني البت بتاريخ تأسيسها فمكتبة أي شاعر لا تؤسس بقرار أو تحت شعار معين، فكما هو معروف هي عملية تجميع تتم عبر مراحل تاريخية من خلال القراءة والاقتناء، فالمكتبة بشكل عام لدى كل الأدباء والشعراء والمهتمين مكتبة شاملة تضم مختلف أنواع فنون الأدب والإبداع من فكر وشعر ورواية وبحث وفلسفة بغض النظر عن المجلات والدوريات التي أتابعها كمجلة "المعرفة"، "الموقف الأدبي"، "عالم المعرفة"، ومجموعة من الدوريات التي أضع بعض الأعداد منها ولا سيما التي تحمل ما يروق لي أو ما كان ينشر لي بها، وأبرز الكتاب الذين أتابعهم أدباء "سورية" الكبار مثل "أحمد يوسف داوود"، "عبد الكريم الناعم"، "عصام ترشحاني"، "محمود علي السعيد" وبعض كتابات الباحث "محمد قجة"، "منذر لطفي"، "عدنان قيطاز" و"خالد أبو خالد" رحمها الله».

تكبر يومياً!

وبالنسبة للتغيير الذي يطرأ عليها يقول الأديب والشاعر "حيروقة": «يضاف إلى المكتبة بشكل يومي أو أسبوعي بعض الكتب والإصدارات لأصدقاء أعزاء تصلني بين فينة وأخرى، كما أضيف لها مما يمكن أن أقتنيه من معارض الكتب من إصدارات جديدة، قبل أن أكون عضواً في اتحاد الكتاب العرب اتبعت آلية لتجميع الكتب، وبعد انتسابي له أواظب على الحضور والمشاركة في فعالياته وأعمل على اقتناء معظم إصداراته سواءً من خلال الشراء أو الإهداء، لكل كتاب ذكرى كبيرة ما زالت تشغل حيزاً في ذهني من حيث تفاصيل الاقتناء وتاريخه وعملت على توثيق معظم الكتب من حيث المكان أو المعرض مع ذكر العام».

أخطار عدة

حسب ملاحظات الأديب والشاعر "حيروقة" تتعرض المكتبات الشخصية لأخطار عدة وحول ذلك يقول: «عندما كنت في "حلب" لأكثر من عشرين عاماً تعرض بيتي لعمليات سلب لكن أحمد الله أن المكتبة لم تتعرض لأي سرقة، كنت أشعر بالخوف لفقد الكتب ولا سيما المجلدات التي أسميها "الذهب الأحمر" والتي عملت على تصويرها وتجليدها، ربما تم العبث بها وتخريب بعضها لكن لم أفقد أي كتاب، ولكن أفقد بعضها من خلال استعارة بعض الأصدقاء أو الرواد بحكم أنني لم أوثق الكتب التي تمت استعارتها فأقفد بعضها، ولكن بسبب الحرب تعرضت المكتبات الشخصية لزملائي وأصدقائي لعمليات سرقة وإتلاف وحرق وإهمال وسقطت الكتب في برك المياه، ولا شكّ أن مكتبات البسطات التي نراها على الأرصفة هي لأصحاب مكتبات، عمل الورثة أو الأبناء بعد وفاتهم على التفريط بها وبيعها، فالبعض يرى أنها عبء على منزله، وعندما أكون أمام بسطات الكتب أرى إهداء الكتاب لأصحاب المكتبة الذين عمل ورثتهم على بيعها».

ويرى الأديب والشاعر "حيروقة" أن الحفاظ على المكتبات الشخصية بعد وفاة أصحابها في حال لم يكن أحد الورثة من محبي القراءة، يكون عبر إهداء محتوياتها إلى مؤسسات معنية سواء جامعات أو فروع اتحاد الكتاب العرب أو مديريات الثقافة، ليتم الاحتفاء بها وأن تعمم التجربة في جميع المحافظات.

نشير إلى أن اللقاءات جرت بتاريخ 24 نيسان 2022.