التقت فنانات "تشكيليات أوغاريت" على مفرقٍ تستذكرن فيه ما كان للمرأة من قدسية ودور في نهضة الحضارة الأوغاريتية قبل 3000 عام قبل الميلاد وأكثر، فحاولن من خلال الفن الذي يقدمنه شرح كينونات المرأة السورية وتبيان ظلال زوايا حياتنا، واجتهدن في تثبيت دورهن في بناء الأسرة المتلمسة للفن الرّاقي بأنواعه.

ولادة الفكرة

ضمن لقاءات الفنانين التّشكيليين وملتقياتهم الدورية سجلت مجموعة من الفنانات حضورهن المميز، حيث تحمل كل واحدة منهن شذى من ربوع منطقتها السورية، وهكذا ولدت فكرة التّجمع الذي اتخذ اسم "تشكيليات أوغاريت" ليضم ست رسامات ونحاتات من مختلف المناطق السورية، وليوجدن في نشاطات أوسع خارج مراسمهن الخاصة.

جاء حماسي متوافقاً مع حماس سيدات هذا اللقاء، ورغبته القوية بنقل فكرة هذا التّجمع إلى كل التّجمعات النّسائية بكل اهتماماتها، كما التقى سعيي للتميز وهدف المجموعة في التميز حيث حققنا حضوراً لمسناه بعد كل فعالية ولقاء عملنا فيه ونظمناه

الملتقى الأول لهن كان عام 2018م في متحف مدينة "اللاذقية" حاضنة أوغاريت وحضارتها، وبرعاية برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، وتابعن لقاءاتهن ليكون لهن بعدها تنظيم العديد من الملتقيات في قلعة "دمشق" وحديقة "السبكي" وفي "مشتى الحلو"، بالإضافة إلى معارض كان آخرها معرض "مشوار".

أطفال المستقبل هدف تشكيليات أوغاريت

المرأة عنوان

لقاء مشتى الحلو

عن مجموعة "تشكيليات أوغاريت" تتحدث الفنانة "لينا ديب" لمدونة وطن "eSyria" بالقول: «تأسست مجموعتنا بهدف إبراز دور الفنانة السورية في المجتمع السوري على الساحة التّشكيليّة، ودورها الأساسي في بناء الأسرة إلى جانب مساهمتها الاقتصادية التي باتت ضرورة في وقتنا الحالي لتأمين معيشة الأسرة، وعملنا نحن كفنانات في المجموعة متكامل متناسق يبدأ من تأمين مشاريع جديدة وأفكار عمل وإنجاز متميزة».

الفنانة "لينا" خريجة كلية الفنون الجميلة، أخذت دراستها الأكاديمية بموهبتها نحو الإطار الصحيح في تجسيد أفكارها وأحاسيسها على سطح لوحات، يتلمس الناظر إليها فناً جميلاً خاصاً جمعت منمنماته من مدارس متعددة ليكون لديها مخزونٌ كبيرٌ من الغنى الفني والبصري، ولها اهتمام بالمرأة، ووفقاً لحديثها اعتمدت على التّراث باعتباره النّبع الوارد للأصالة الفنية والحضارية، حيث تستوقفها الرّموز التراثيّة بغناها اللوني، وبإلحاحها الشديد على تسجيلها باعتبارها تراثاً عريقاً يجسد لنا ملامح هويتنا الثقافية، هذا وقد خلق البحر في نفسها فسحة لصفاء الرّوح وجماليّة التأمل فكرسته في لوحاتها كرؤية تحليلية تعبر عن حالة أو حركة.

مع تشكيليات أوغاريت حياة أخرى لشجرات الحريق

تطويع الخامات

بدورها تَوّجت الفنانة "يسرى محمد" سعادتها بفكرة "تشكيليات أوغاريت" بتلبية دعوة الفنانتين "لينا ديب" و"أمل الزيات" لتكون ضمن لقاء هو الأول من نوعه في "سورية"، وقد سبقتهن لمثله تشكيليات المغرب العربي وفي حديثها: «جاء حماسي متوافقاً مع حماس سيدات هذا اللقاء، ورغبته القوية بنقل فكرة هذا التّجمع إلى كل التّجمعات النّسائية بكل اهتماماتها، كما التقى سعيي للتميز وهدف المجموعة في التميز حيث حققنا حضوراً لمسناه بعد كل فعالية ولقاء عملنا فيه ونظمناه».

وعن أعمالها تقول: «عام 1992 وفي معهد الفنون التّطبيقيّة قسم نحت تخرجت، وتابعت فيه كمدرّسة، استخدمت في عملي كل الخامات، آخرها الحجر القاسي المرادف لقسوة الحياة التي فُرضت علينا، فارتفعت القسوة في داخلنا وانعكست على سلوكنا فكان ميلُنا للقاسي من أدواتنا، واستطعت أن أجعل لأعمالي الصفة التي تميز انتماءها لي، فهي تسير وفق خط تبدأ فيه وتتابعه إلى النهاية كما القصة، وتتخلل زواياها حالات تعبيرية لا تخدش نظافة سطوحها، يقرؤها أغلب النّاظرين إليها والمهتمون باختلاف ثقافتهم، ووفق منظورهم وقناعاتهم».

مع فن الطفل

ابنة صافيتا الفنانة "علا هلال" شاركت بدورها في عدة معارض مشتركة داخل "سورية" بعد تخرجها في كلية الفنون الجميلة قسم النحت جامعة دمشق عام 2006، بالأسلوب التّعبيري نفسه الذي اشتغلت عليه أثناء دراستها، وبطرح أكثر خصوصية.

وعن انضمامها إلى "تشكيليات أوغاريت" أخبرتنا الفنانة "علا" بأنه جاء سبيلاً للتأكيد على أن فنانات سورية (عاملات كن أو متفرغات للفن أو أمهات)، قادرات على الوجود بقوة بالمشهد التّشكيلي السوري وقادرات على تكوين تجمع يطرح ويقدّم ويوّثق ويساعد على إفساح المجال لتقديم تجارب التّشكيليات السوريات.

وتضيف بحديثها عن أعمالها بمجموعة "تشكيليات أوغاريت": «أطرح من خلال تجربتي النّحتيّة مواضيع وهواجس الإنسان، والمرأة خاصة، وضمن مساعي المجموعة تطور الطرح للاهتمام بفن الطفل، واعتباره المتلقى الأهم فكانت الفرصة ذهبية للولوج إلى أعماقه والتّعامل معه بشكل أوسع، وتمكنا إلى حد ما من إسعاد الأطفال ومساعدتهم في كيفية التّعبير عن أحاسيسهم وأمنياتهم، فأغنوا بوجودهم وبفنهم نشاطنا الفني معهم».

الانتماء للفن

تفاعلت عضو اتحاد الفنانين التّشكيليين السوريين والعرب الفنانة "بتول المارديني" مع عرض الفنانة "لينا ديب"، وانضمت عام 2019 إلى المجموعة لتكون واحدة من الفنانات الست القادمات من محافظات سوريتنا الأم المختلفة، وهنا تحدثت الفنانة "بتول" عن رسالة تشكيليات أوغاريت فقالت: «بالإضافة إلى هوية كل وحدة منا والبصمة التي تميزها، كان لملتقانا رسالتان إحداها فنية تخصصية تهتم بإثبات دور المرأة في الساحة الفنية التّشكيليّة، والثانية تعكس التّلاحم والتّآخي والتناغم والعيش السلمي الذي كانت عليه "سورية" وستبقى إلى الأبد، وكان للفعاليات التي أقمناها أهدافٌ سامية فعالة، فيها توجه حثيث نحو الجيل الصاعد، فللفن دور كبير بارتقاء الأمم وتطور المجتمعات وهو الحافظ لتراثنا وإرثنا الحضاري وهويتنا الثقافية خاصة بعد المحنة العصيبة التي عاشها بلدنا خلال سنوات الحرب الأخيرة».

التعبير بالفن

عملت الفنانة "غادة حدّاد" المولودة في "حلب" بالمجال الفني وهي طالبة في الجامعة، وأنشأت مرسم تعليم الرسم لجميع الأعمار أسمته "مرسمي"، ومع انطلاقة تجمع "تشكيليات أوغاريت" عام 2018، حجزت لنفسها مكاناً ودوراً خاصاً له، ومن حديثها: «أكّد تجمع "تشكيليات أوغاريت" أن المرأة السورية تستطيع أن تحافظ على دورها وكيانها من أي منبر كانت فيه، وفي أي ظرف وحال، كيف لا وقد أنشأنا مجموعتنا في قلب المعاناة التي لامست كل عائلة سورية و كل مواطن سوري، واجتهدنا في تقديم العون بطريقتنا إذ عملنا مع جمعيات مختلفة وحاولنا مساعدتهم عن طريق الفن الذي لا يحتاج للغة مخاطبة إنما يكفيه التعبير عن طريق الرّيشة واللون أو الطينة والأزميل، فنحن فنانات نهتم وتعتني بمصلحة الجميع، وكل واحدة منّا تسعى إلى تقدم المجموعة وتنامي عملها متجاوزة كل الظروف.... وكل واحدة منّا تملك خطّاً فنياً مختلفاً عن الأخرى وهذا الموضوع حسب وجهة نظري يُغنينا كمجموعة ويتيح فرصة تطوير التّجربة الفنيّة الفرديّة لكل منا بشكل أفضل، وأتمنى أن نكون قد أثرّنا في محيطنا، وأضفنا شيئاً وإن كان بسيطاً إلى الحركة التّشكيليّة السورية».

الفن والمجتمع

الفنانة النحاتة "أمل الزيات" خريجة فنون تطبيقية عام 1995، رسمت مخططاتها المستقبلية لتفتح أمامها سبل التميز فكان أول معارضها 1997 وكانت لها المشاركة بأول ملتقى نحتي في "سورية"، وتتابعت أعمالها ومشاركاتها وتعددت مراحل تجربتها الفنية، وأخذت أعمالها طريقها نحو التّبسيط والرّاحة لتكون أجمل، وكان لكل معرض لها منحى متميزٌ مطوّرٌ غير مكرر محافظاً على البصمة الخاصة بها، رغم تنوع الخامة وتنوع أساليب استخدامها، فجاءت خطوطها البسيطة مفعمة بالإحساس.

عن انطلاقة "تشكيليات أوغاريت" تحدثت الفنانة "أمل الزيات" :«كانت الانطلاقة قوية بفكرتها وبأسلوب الطرح خاصتها، فجاءت على مستوى عالٍ بكل المقاييس، فاجتمعنا كفنانات سوريات ليكون لنا حضور مماثل لحضور الفنانين السوريين يحقق لنا نقلة مجتمعية نوعية تخص الفن التّشكيلي السوري النسائي، فعملنا على تحصيل الموافقات اللازمة في كل من وزارة الثقافة والسياحة، ومع بداية ملتقياتنا وضمن الإمكانات المتاحة حرصنا على استضافة فنانات تشكيليات أخريات معنا، منهن خريجات شابات نعطيهن فرصة بانطلاقة جميلة قدر الإمكان، وأخرى من الفنانات ذات المسيرة الفنية العريقة، كما حرصنا على تنوع الاختصاصات المشاركة معنا فكان معنا فنانات الحفر والتّصوير والنّحت».

تتابع الفنانة "أمل" :«إضافة إلى الشق الفني الذي عملنا عليه ذهبنا إلى توظيف الخبرة المجتمعية التي اكتسبناها بحكم تعاطي أغلبنا مع فعاليات مجتمعية كثيرة فرضتها الظروف واهتمت باللاجئين والأطفال، وهنا تمحور عملنا حول تقديم الدّعم النفسي من خلال الفن، فأعدنا توظيف هذا المحور في ورشات العمل التي كانت تتخلل ملتقياتنا مع الجمعيات، وكان لنا سعي في نقل هذه الخبرة إلى مستويات بحاجة لها في الوقت الذي لم يكن هناك حراك قوي فعال للفن التشكيلي ضمن الأزمة السورية، وتمكنا من احتواء مواهب أطفال نادي محافظة "دمشق"، كما نظمنا لقاءً متميزاً مع أطفال الـ SOS وأطفال "بسمة" للسرطان والشلل الدماغي وجمعية الإخاء السورية، وكان لأشجار "مشتى الحلو" حصة في ورشة عمل لإحياء وجودها بطريقتنا وبما وضعناه عليها من مجسمات وأشكال من الأسلاك، أما معارض تشكيليات أوغاريت فأخذت لها هدفاً آخر وهو الوقوف على ما وصلت إليه تجربة كل فنانة من فنانات المجموعة والتّطور الذي حققته ضمن هذه التّجربة الجماعيّة».