تتعرض المكتبات الشخصية لخطر يهدد كينونتها عند وفاة أصحابها، قد يرميها بعض الورثة دون أي تقدير لقيمتها أو قد تحظى بوريث يحافظ عليها ويطورها لأنه أدرك منذ الصغر أهمية الكتاب.

تراكم إنساني

من الأشخاص الذين حافظوا على الموروث من الكتب د. "نبيل نادر قوشجي"، رئيس المجلس العلمي (البورد السوري) لاختصاص التشريح المرضي للفم والوجه والفكين، ورئيس الرابطة السورية للتشريح المرضي للفم والفكين، الذي يقول في تصريح خاص لمدوّنة وطن: «أحد الكتب في مكتبتي ورثته عن جدي الذي اشتراه عام 1873 قبل قرن وعامين من ولادتي وتوقعيه موجود عليه، منذ الصغر كنت أسمع من والدي عن مكتبة جدي ثم كبرت بين رفوف مكتبة عائلتي الضخمة، والتي لم أجد أكبر منها حتى زيارتي للمركز الثقافي العربي، بدأت بشراء الكتب من مصروفي الخاص وقمت بإضافتها للمكتبة إذ تأصلت عادة القراءة لدى عائلتنا منذ الطفولة وكان من الطبيعي أن يطلب الطفل زيادة رفوف الكتب حتى امتلأ الجدار بالكامل، وأصبحت غرفة نومي عبارة عن سرير ومكتبة».

شخصياً أفضل قراءة الكتب الورقية لأن فيها تواصل مباشر مع الكتاب، لكن تغير وضع المكتبة حالياً لدى كثيرين من كونها موجودة على أرض الواقع إلى مكتبة افتراضية موجودة على الهاتف المحمول أو الحاسوب

ويتابع د. "قوشجي": «بدأت بشراء مجلة "العربي" التي جمعت أعدادها مع سلسلة "المكتبة الخضراء" عندما كنت في المرحلة الابتدائية، وكلما تقدمت بالسن كلما أصبحت نوعياً في انتقاء الكتب، وذلك بعد انتهائي من قراءة جميع كتب مكتبة المركز الثقافي العربي، وقراءة جميع الكتب الموجودة في القاعة الثالثة بمكتبة "الأسد"، وكنت حينها في السنة الدراسية الثالثة لطب الأسنان.. بدأ اهتمامي بموضوع اللغات وطب الأسنان ثم اتجه نحو الطب، وأصبحت المكتبة مقسومة إلى نصفين نصف للكتب الأدبية، ونصف للكتب العلمية وكتب اللغات».

د. "نبيل قوشجي" مع مكتبته

تنوع وشمولية

في عمله

أصبحت مكتبتي متنوعة جداً وحول ذلك يشرح د. "قوشجي": «بدأت بكتب الثقافة العامة ثم اتجهت نحو الأدب، وفي مرحلة الاختصاص بدأت تأخذ منحى طبياً.. فيها كتاب بأربعة آلاف صفحة عن مرض السرطان، وآخر بألفين وخمسمئة صفحة عن تشريح الجثث، وبجانبه كتاب بثمانين صفحة بعنوان "وجيه البارودي طبيباً وشاعراً وإنساناً"، كما تحوي كتباً (أدبية، علمية، تاريخية، جغرافية، سياسية، لغوية)، وتقدر بحوالي ألفي كتاب، وأكثرها قرباً إلى قلبي سلسلة كتاب "لسان العرب" التي اشتريتها عند حصولي على أول راتب من عملي كمحاضر في إحدى الجامعات الخاصة».

جزء من حياتنا

للمكتبة أهمية خاصة بالنسبة للدكتور "قوشجي" وبالنسبة لعائلته، وعنها يقول: «المكتبة هي جزء من حياتنا وجزء من ثقافتنا، عندما يواجه أحد أفراد العائلة أي إشكالية يتجه لكتاب ما أو إذا أراد الاطلاع على الشعر يقرأه من ديوانه مباشرةً، وعندما يواجه معضلة جغرافية يستخدم الأطلس لحلها، توجد فيها كتب "الأنسكروبيديا" بثلاث لغات التي تساعد على تقوية المعرفة واللغة معاً، ويمكن لأحد أبنائي أن يقارن بين معلومة موجودة في عدة مصادر، إضافةً إلى المعاجم المتوفرة بالخمس لغات التي أتكلم بها، وأصبح أبنائي يستوعبون فكرة قاموس (إنكليزي ـ إنكليزي، أو ألماني ـ ألماني وهولندي فرنسي)، وباتوا يدركون معنى القاموس الطبي، قاموس "ويبستر"، عدا عن القواميس العربية الأصيلة».

المدربة في التنمية الذاتية "رهف الصفدي"

ويرى الدكتور "قوشجي" صاحب رواية "أنا أعرف من قتلني"، أن هناك لعنة أسوأ من العزوف عن القراءة هي الهاتف المحمول، حيث قتلت التكنولوجيا الحميمية مع الكتاب، وأصبح جزء كبير من طلاب الجامعات يميلون لتحميل الكتب على الهاتف المحمول دون قراءتها، وتحولت أعداد الصفحات إلى (غيغا) تنتظر من يتصفحها.

المكتبة... ملجأ

من جهتها "رهف الصفدي" مدربة في التنمية الذاتية في عدة مراكز تدريبية تقول: «مكتبتي خاصة بي أسستها بمجهودي الشخصي، وأهم الكتب التي تحتويها هي ضمن اختصاص الأدب العربي لأنه مجال دراستي، بالإضافة إلى الشعر والأدب الجاهلي، المعاصر والحديث، وعندما اتجهت لدراسة التنمية الذاتية بدأت أتوسع في مجال التدريب».

وتتابع: «هي ملجأي الذي ألجأ له كلما دعت الحاجة، أو عندما أشعر بالرغبة في اكتساب معلومات أكثر، أو إذا أردت الهروب من الواقع وتنبع أهميتها بالنسبة لي من الكتاب بحد ذاته فهو جواز سفر يمكن للمرء أن يسافر فيه لأي مكان يريده، يدخل به إلى أكثر من عقل ويتعرف فيه إلى أكثر من شخص، يستطيع التعرف من خلاله إلى الحضارات الماضية والتجوال في أبعاد العقول الإنسانية».

حسب الاهتمامات

تقول المدربة "رهف الصفدي": «تأسست مكتبتي منذ كنت في الصف التاسع، بدأت بجمع المجلات والروايات ثم جمعت الكتب عن طريق الشراء أو تبادل الكتب مع الأصدقاء أو هدايا من المعارف، في السابق قرأت كتب الأدب وحالياً أقرأ للكتاب؛ "ستيفن"،"أوشو"، "إبراهيم الفقي"، حيث تغيرت المكتبة حسب اختصاصي واحتياجاتي والآن تطورت وأصبحت أكثر تخصصاً في مجال التنمية».

وترى المدربة "الصفدي" أن التغييرات تطرأ على جميع المكتبات ولا سيّما في حال موت أصحابها، فإذا كان الأقرباء غير مهتمين بالكتاب يقومون ببيعها أو رميها وهي ميراث ثمين لمن يقدر قيمته، وميراث لا قيمة له لمن لا يعرف قيمة الكتاب والقراءة.

المكتبة الإلكترونية

بحسب المدربة "الصفدي" تطورت المكتبة ولم تعد ورقية فقط، بل أصبحت هناك المكتبة الالكترونية والكتب المسموعة التي يتوجه لها الجيل الجديد نظراً لغلاء سعر الكتب أو لعدم توفر المكان للاحتفاظ بعدد كبير منها وتقول: «شخصياً أفضل قراءة الكتب الورقية لأن فيها تواصل مباشر مع الكتاب، لكن تغير وضع المكتبة حالياً لدى كثيرين من كونها موجودة على أرض الواقع إلى مكتبة افتراضية موجودة على الهاتف المحمول أو الحاسوب».

نشير إلى أن اللقاءات جرت بتاريخ 25 نيسان 2022.