تُؤمن النحاتة "يسرا محمد" بضرورة إيصال المُشاهد إلى مكانٍ ما، في الفُرجة أو الفِكر، يتكئ على ذاتيته وتلقيه، لذلك تبدو أعمالها، على اختلاف الخامات وأمكنة العرض، مُحددةً بخطوطٍ ومعالم واضحة، تحكم البداية والنهاية فيها، لتكتمل وتظهر بذاتها، وسواءً كانت نُصباً أم بروتريهات أم تكوينات، يظهر الاشتغال على سطوحها وقِوامها، مُتقناً، بمهارةٍ تُعلّي من شأن العمل، وقدرته على المُحاورة.

تخرجت محمد في معهد الفنون التطبيقية التابع لوزارة الثقافة، وبدأت مشوارها بالمشاركة في مختلف المعارض، ثم اتجهت إلى العمل في ديكور مسرح الطفل، ومنه انتقلت إلى الملتقيات النحتية، في سورية وخارجها، إلى جانب التدريس في المعهد نفسه، وهي مرحلة تصفها بالأساسية في حياتها، لم تتعارض مع احتراف النحت، بل أتاحت لها التجربة في عدة مجالات، من بينها السفر إلى إسبانيا لحضور سلسلةٍ من الملتقيات الدورية بإشراف النحات "أكثم عبد الحميد".

تُؤكد الفنانة ضرورة تعليم الطلاب، كل ما يخص النحت على مختلف الخامات (خشب، حجر، صب برونز، تشكيل بالمعدن)، إضافةً إلى الخصوصية التي يجب أن يصل إليها كل طالب. تُضيف في حديثٍ إلى "مدوّنة وطن": فترة الدراسة في المعهد عامان، وهي قصيرة نوعاً ما، أحاول خلالها أن يحصل الطالب على جميع المعلومات التي تجعل منه نحاتاً تقنياً كما يجب.

مهارةٍ تُعلّي من شأن العمل

تختار محمد مواضيعها بوصفها حالاتٍ تعبيرية، تكويناتٍ ووجوهاً ووضعيات جسد، ومعها تبدأ حواراً روحياً وجدلاً، وصولاً إلى النتيجة التي ترغب بها وترضى عنها. تقول أيضاً: الخصوصية في العمل أمرٌ مهمٌ جداً، وسِمة للنحات، بالنسبة لي العمل النحتيّ خلقٌ يجب أن يكون مكتملاً، من حيث الكتلة والسطوح والخطوط واللون، لا أقبل بعرض أي منحوتة ما لم يكن خلقها مكتملاً، هذا قانونٌ أساسي عندي، وينطبق على الخامات كافة (حجر، خشب، بازلت).

تمر أعمال النحاتة في مرحلتين، تبدأ الأولى بإظهار الكتلة الأساسية، ثم تقوم بتنظيف السطوح، والعمل على رسم المعالم التي تُريد، وهي المرحلة التي تُوظّف فيها الغرافيك لإبراز هويتها، لكنها معنيةٌ دائماً بما يُناسب المساحة حولها، فالكتل الضخمة من الحجر والخشب تحتاج مكاناً واسعاً، يُتيح لها إمكانية التحكُم ويستوعب ما يصدر عن العمل من أصوات ونفايات، في حين أن العائق الأول في العمل هو غياب الكهرباء، أما البيع فهو ليس هدفاً مع أنه ضروري للاستمرار برأيها.

تختار مواضيعها بوصفها حالاتٍ تعبيرية

عن آراء الناس في النحت، تقول للمدوّنة: نحنٌ جزء من المجتمع، لا يمكن لنا المُتابعة من دون مختلف الشرائح، ومهما كانت آراؤهم، فنحن نعيش في حالة جدلٍ تُعطي دافعاً مهماً للعمل الفني. وعلى ذلك، تتوقع محمد أن يتفاعل المتلقي مع ما يراه، بالشكل والانطباع الذي يُريده.

في رصيد النحاتة مشاركاتٌ كثيرة، في معارض وملتقيات، في (جبلة، مشتى الحلو، دمشق، حمص)، ترى أنها أساسية للاستمرار والحضور على الساحة الفنية، في حين تفتح المشاركات الخارجية أبواباً أوسع للتعرف على أدوات وأساليب مختلفة في عوالم النحت، منها مثلاً في (إسبانيا وقبرص).

كتل ضخمة من الحجر والخشب

الفنان أحمد الصوفي، وصف يسرا محمد، بالفنانة التي خطّت طريقها بتأنٍ وهدوء، حتى حققت تميزاً بأعمالها. وأضاف للمدوّنة: يتمتّع أسلوبها ببنائية متماسكة، يتراوح بين التعبيرية والتجريد، وهو مزيجٌ، يشعر النحاتون عادةً بخطورة طرق أبوابه، لأن له أدواته وفكره الخاص، بحيث يصعب على أي فنان، صياغة فضاءاته المدروسة التي تحمل بين طياتها (الفكرة، التكوين، الكتلة، الفراغ)، وتوزيعها بما يخدم موضوعه وما يعتمل في عوالمه الخاصة، إذا لم يكن متمكناً من أدواته.

وأشار الصوفي إلى العمق والروح والفكرة المترابطة، الحاضرة دوماً في أعمالها، في الصالات أو الأعمال النصبية، لذلك يصح القول برأيه أنها تسير في طريقٍ تعرفه جيداً.

بدوره النحات وضاح سلامة، تحدث عن الهوية الخاصة للفنانة، في الأسلوب والاتجاه والمدرسة الفنية، ومدى قدرتها على طرح أفكارها بحرفية عالية جداً. وقال للمدوّنة: نجد في أعمالها النحتية، خطوطاً وسطوحاً مدروسة، كإيقاعٍ متوازن، فنياً وتقنياً وروحياً. وبحكم الزمالة التي تجمعهما في المعهد، أشار سلامة إلى متابعتها لطلابها وملاحقة التفاصيل في منحوتاتهم.