بالرغم من مرور أكثر من ألفي عام على بنائها، لا يزال الكثير من الأبراج الحجرية الموزعة على عدد من قرى "السويداء" محافظاً على متانته البنائية، لتبقى هذه الأبراج التي شيدتها أيادٍ ماهرة، شاهداً حيّاً على فن العمارة في ذلك الزمن الذي بنيت فيه بقصد الدفاع عن الوجود وحماية من يقطنها، والناظر إليها سيلحظ أنّ الأحداث التي مرت على هذه المنطقة مؤرشفة داخل أسوار هذه الأبراج التي تحمل معها حكايا الماضي لتقصها على أجيال الحاضر.

حجر البازلت

بات حجر البازلت الذي شيدت به هذه الأبراج بمنزلة المؤرخ التاريخي لحقب زمنية مضت عليها مئات السنين، حيث يقول رئيس دائرة آثار "السويداء" "وليد أبو رايد" لمدوّنة وطن eSyria: "من اللافت أن معظم هذه الأبراج لا تزال قائمة حتى الآن، ومن الممكن استخدامها في حال تأهيلها، ومن هذه الأبراج برج "عريقة" الذي تم تشييده في منطقة اللجاة، ويعود تاريخ بنائه إلى عصر البرونز الوسيط، وقد بني على سفح تلة، وهذا ما دفع القائمين على البناء إلى تشييد طابقه الأرضي ضمن حفرة أرضية لتسوية السطح، وهنا يبرز ما كان يتميز به هؤلاء من مهارة بفن العمارة، حيث يتألف الطابق الأرضي من غرفٍ ثلاث مبنية وفق تقنية الدعائم، وتمّت إحاطة هذا البرج بسورٍ ضخم، ومن المرجح أن هذا البرج كانت له وظيفة دفاعية، وهو محاط بمنازل قديمة آثارها ما زالت باقية".

دقة وإتقان

ويبين "أبو رايد" أن الأبحاث والدراسات التي أجريت تؤكد أن برج "عريقة" بني وفق مخطط هندسي غاية في الدقة والإتقان، ويدل البناء المؤلف من طابقين أنه كان يضم حامية للحراسة والمراقبة في ذلك العصر، وهو يحكي قصة حضارة مضت عليها مئات السنين، كنظام فن العمارة في ذلك الزمن، وطريقة تأمين الحماية للقرى، واللافت أن معظم هذه الأبراج تعود لعصر البرونز الوسيط.

برج عريقة

ويلفت "أبو رايد" إلى أنّه من الأبراج أيضاً برج "كوم العزابات"، ويقع إلى الغرب من طريق "بريكة-صلاخد"، ضمن تكوينات صخرية انهدامية شديدة الوعورة، ومن الواضح أن ساكني تلك المنطقة في العصر الوسيط استخدموا جزءاً من هذا البرج خاصة السفلي كبركة لحفظ مياه الأمطار، وهذه البركة ما زالت موجودة تستخدم من قبل السكان الحاليين لتجميع المياه، واللافت أن هذا البرج تم تشييده للمراقبة وخاصة أنه كانت تحيط به قرية صغيرة، وبما أن هذا البرج لا يزال في حالة بنائية جيدة فيستخدم حالياً للحراسة وحماية المواشي والأشجار الحراجية.

حصون للدفاع

يقول الباحث الأثري "حسن حاطوم" إن أماكن إقامة الأبراج تدل على أن الهدف من تشييدها كان بقصد الدفاع، وخير مثال على ذلك برجا "الغيضة" اللذان تم بناؤهما على كتفي الوادي الذي أقيمت ضمنه قرية "الغيضة" القديمة، ورغم أنها مهجورة منذ سنوات إلا أنها ما زالت صالحة للسكن، وقد استخدمت هذه البيوت لإنجاز مسلسل "وحدن".

حسن حاطوم

ويشير "حاطوم"، إلى أن البرج الأول بني عند السفح الجنوبي للوادي من الحجر البازلتي ذي الحجم الكبير، بينما شيّد البرج الثاني في قلب القرية وهو دائري ويتألف من طابق واحد، وهذان البرجان حالتهما البنائية جيدة حتى تاريخه، ومن المؤكد أنهما كانا يستخدمان للدفاع عن القرية التي يعود تاريخها إلى عصر البرونز الوسيط، وهذه المنازل مبنية من الحجر البازلتي الخالص وهي غاية في الروعة والجمال، ويقع ضمن هذه القرية نبع ماء غزير لا يزال يسقي العطاش حتى الآن، إضافة لتدويره طواحين الحبوب المائية التي ما زالت في حالة جيدة".

ويختم الباحث الأثري بالقول: "استخدام الحجارة ذات الأحجام الكبيرة في بناء هذه الأبراج يدل على أنها دفاعية، وخاصة أن بناءها يأتي دائماً على مشارف قرى مشيّدة منذ أكثر من ألفي عام، وحالياً هناك الكثير من السكان المحليين أعادوا استخدام هذه الأبراج لأغراض حماية الممتلكات".

وليد أبو رايد