تشير آثار "سلمية" إلى الازدهار الذي شهدته المدينة في العهد البيزنطي، ومن بعهده الأموي والعباسي، فقبو "عبد الجواد" أو ما يسمى الخزان الذي يقع جنوب جامع الإمام "إسماعيل" بـ15 متراً، هو من بقايا الآثار التي تشير لوجود بناء قديم كان في أعلاه برج مراقبة عالٍ لضرورته الماسة في تلك المنطقة المركزية، وتضاربت الآراء حوله لعدم استكمال دراسته.

رأيٌ ووجهةُ نظر

الباحث التاريخي الدكتور "أجفان الصغير" من شعبة آثار "سلمية" يقول: <<خزان الماء الأثري في "سلمية" يعود للعصر الأيوبي، وهو محفور في جوف الأرض وجدرانه ملاصقة لجدران الحفرة بعيداً عن الضوء والحرارة التي تتراوح بين 14و18 درجة مئوية، وهو أشبه ببئر اصطناعي، وما تزال تظهر على جدرانه الداخلية آثار مواد الرمل و"القصر مل" غير النفوذتين، من المواد نفسها التي طلي بها جب الزيت والماء في قلعة "شماميس" في العصر الأيوبي، إبان عهد "الكامل" من قبل السلطان المجاهد صاحب "حمص" سنة 627 هجري و1250 ميلادي وقت كان "المظفر" الأيوبي مستلماً مدينة "حماة".

وتوجد فيه تسعة عقود وأربعة أعمدة تحمل سقف هذا الخزان المتشبع بنش الماء فيه، وحجارته وتيجان أعمدته ليست متناسقة الأمر الذي يدل على أنه قد تم تجميع حجارته من المراكز الأثرية الدينية القديمة حوله>>.

الدرج المؤدي لقاع القبو

ويضيف الباحث: <<تبلغ مساحته 56 متراً مربعاً، وله إحدى وعشرون درجة تشكل درجاً ينزل إليه من جهة الجنوب بهدف تنظيفه دورياً، وتبلغ سماكته عن سطح الأرض ستة أمتار، وأرضه مكونة من طبقة الكتان الصلب غير النفوذ، وهو يقع على يمين الطريق الذي كان رئيسياً في "سلمية" ويسمى حالياً شارع الجسر، وكان الهدف منه تأمين المياه الاحتياطية للمباني المركزية والدينية حوله (الإمام "إسماعيل" والبناء الأثري الكبير) المغمور حالياً قبالته، وله فتحة في وسط سقفه لنشل المياه منه بواسطة الدلاء، وتظهر أماكن وضع القدمين للنشل اليدوي وعبر دولاب الدلاء، وكانت تغلق تلك الفتحة بإحكام، ولم تكن مهمته كخزان ماء فقط بل كركيزة قوية لحمل بناء ضخم في أعلاه، بدليل قرب أعمدة وعقود سقفه من بعضها بعضاً، وبقايا الآثار التي تشير لوجود بناء قديم كان في أعلاه، وفوق ذلك البناء برج مراقبة عالٍ لضرورته الماسة في تلك المنطقة المركزية وفي ذلك العصر الذي كان حافلاً بالصراعات>>.

دلائلُ التاريخ

الباحث التاريخي "نزار كحلة" له وجه نظر قريبة من رأي الباحث "الصغير" ويقول: <<يعتقد البعض أن تاريخ بناء قبو "حافظ عبد الجواد" يعود للعصر الأيوبي، وهذا غير مؤكد بسبب عدم وجود عناصر معمارية أيوبية مؤكدة، وما وجد منها هو معاد استخدامه مرة أخرى كما هو واضح من اختلاط العناصر المعمارية وإعادة استخدام الأعمدة والتيجان المتنوعة، إضافة إلى وجود كتابات يونانية على بعضها من خلال المشاهدة، والقبو عبارة عن خزان ماء والدليل جدرانه المطلية بمادة "القصر مل" غير النفوذة للماء، ويؤكد هذه الفرضية وجود فتحة مربعة في سقف القبو كانت على الأغلب تستخدم لرفع المياه بواسطة بكرة مع حبل ودلو للماء، أما الدرج فيبلغ عدد درجاته 21 درجة لتنظيف قاعه.

الباحث التاريخي الدكتور محمد الدبيات

ويرى الباحث أن موقع واستخدام هذا الخزان وطريقة الإقباء المعقود ووجود كمية كبيرة من أقنية المياه في "سلمية"، كلها تؤكد وفرة المياه آنذاك، فلا حاجة لبناء هذا الخزان الكبير للمياه إلا في الحالات السرية والحصار، وهذا ما يتوافق مع القرن الثالث الهجري، التاسع الميلادي، الذي ترافق مع وجود جماعات تعيش بشكل سري وهذا ما أثبته التاريخ.

مسحٌ وتنقيب

يقسم الخزان إلى 9 أماكن مربعة مفتوحة على بعضها، قسمت بواسطة 4 أعمدة مختلفة الطراز تعلوها بعض التيجان الأيوبية والكورنثية، عليها كتابات يونانية والسقف مفتوح بفتحة مربعة لأجل رفع المياه للأعلى، أرضه مبلطة بحجارة بازلتية ملساء مشذبة ومروبة منعاً لتسرب المياه.

الباحث التاريخي نزار كحلة

يقول الباحث الجغرافي الدكتور "محمد الدبيات": <<قام أحد أعضاء البعثة السورية الفرنسية بالمسح الجغرافي الأثري عام 2002 في الهوامش الجافة، وكنت أحد أعضاء فريقها وكان ممثل الجانب السوري الأستاذ "نظير عوض" وهو المدير الحالي للمديرية العامة للآثار والمتاحف في "سورية"، البعثة كانت برئاسة الباحث "جان كلود دوكور" الذي زار القبو ودرس الأوجه الأربعة لأحد التيجان، وتبين أنها تعود للعهد البيزنطي وأعيد استعمالها في القبو الذي يعتقد أنه يعود للعصر الأيوبي، وهذا ليس مكانها الأصلي ككثير من التيجان المبعثرة في شوارع "سلمية" والتي تزين الساحة ولكنها مهمة فهي تحمل تاريخ صناعتها وتؤكد على ازدهار "سلمية" في العصر البيزنطي وبعده في العهدين الأموي والعباسي، ولكنه لم يفسر وظيفة القبو، أما النص الموجود على التاج بالإضافة إلى الزخارف والرسوم فهو باليوناني (تحت رعاية الأرشمندريت توماس الموقر والمبارك حتى عام 869 الأندكتيون السادس) يقصد الأندكتيون بالتقويم السلوقي، وبالتالي يقول الكاتب إن عام 869 بالتقويم السلوقي هو 557، 558 ميلادي أي في العصر البيزنطي عندما كانت "سلمية" مدينة مهمة>>.

أجري هذا اللقاء 10 في كانون الثاني 2022.