منذ نعومة أظفارها تعلّقت الفنانة التشكيلية "منيرة الأشقر" بالألوان وما كانت تعنيها لها من تفاصيل كثيرة، فهي بالنسبة لها كالحياة التي تعطي الطاقة لمن حولها وتمدّها بالقوة، لتمرّ السنوات ويزداد حبها لفن الرسم الذي كرست له حياتها، حتى باتت اليوم واحدةً من الفنانات التشكيليات اللائي يشار لهنَّ بالبنان كفنانةٍ مبدعةٍ في تصميم أعمالها الفنية الغنية بلغة الرمز والتعبير.

حديثُ البدايات

عن بدايات موهبتها تقول الفنانة "الأشقر" وخلال تواصل المدوّنة معها عبر وسائل التواصل الاجتماعي: «أحببت رسم شخصيات الرسوم المتحركة منذ المرحلة الابتدائية، كنت أرسمها بالحبر الناشف على المقاعد بعد حفها لتصبح بيضاء اللون كالورقة، واهتممت بالفن ودراسته وتطورت موهبتي من خلال الدراسة بمركز الفنون التشكيلية.. أذكر أنه وفي المرحلة الإعدادية قدم لي المدرسون الدعم ضمن أجواء محفزة، وفي المرحلة الثانوية اخترت الفنون النسوية التي اعتبرتها الطريق الذي أحب أن أسلكه، وحصلت في الصف الثالث الثانوي على المركز الأول على القطر وقبلت ببعثة داخلية من قبل وزارة الثقافة وتم اختياري مع اثني عشر طالباً من مئتي متقدم، وتابعت طريقي في كلية الفنون الجميلة وتخرجت منها قسم الاتصالات البصرية عام 1996».

اللون هو الحياة بالنسبة لي يحرك ما بداخلي ويعطيني الطاقة، أميل للألوان القوية والحارة التي تعطي الحياة، وأفضل اللون الأزرق بدرجاته ودرجة من درجات اللون الأصفر، وأعدُّ خلق التوازن والحالة الإبداعية باللوحة عملية غير سهلة بل تحتاج إلى العودة إلى اللا وعي ليستطيع الفنان أن يبني ما بداخله

خطواتُ العملِ التشكيليّ

حول مراحل العمل تقول: «تختلف من فنان لآخر فكل فنان له طريقته بتشكيل اللوحة، وبالنسبة لي أساسيات تشكيل اللوحة هي اللون، دراسته، مزجه وأساسياته والتمكن من نسب اللوحة ودراسة أبعادها وتشكيلها، إذا كان الفنان متمكناً من دراسة (اللون، النسبة، التكوين، الأبعاد) ينطلق للوحة إبداعية أما بالنسبة للوحات الطبيعة أو الحركات الإنسانية فتكمل النسب والحجم واللون بعضها البعض وأرسم ما يمليه عليَّ إحساسي».

أثناء تكريمها في "سورية" سابقاً

الفنانة "منيرة" المولودة في السويداء عام 1970 ترى أنه لا يوجد فنان كامل بل هو في عملية بحث دائم لتطوير مهاراته للارتقاء برسالته الفنية.

وحول علاقتها مع الألوان تقول: «اللون هو الحياة بالنسبة لي يحرك ما بداخلي ويعطيني الطاقة، أميل للألوان القوية والحارة التي تعطي الحياة، وأفضل اللون الأزرق بدرجاته ودرجة من درجات اللون الأصفر، وأعدُّ خلق التوازن والحالة الإبداعية باللوحة عملية غير سهلة بل تحتاج إلى العودة إلى اللا وعي ليستطيع الفنان أن يبني ما بداخله».

لوحة بعنوان "سيدة الفراشات"

الغربةُ عن الوطن

لوحة بعنوان "شوق محجوب"

شغفي وحبي لبلدي كبيران لكن الظروف شاءت أن أنتقل إلى "مدريد" وحول انعكاس الغربة في تجربتها الفنية تكمل قائلةً: «أشعر بشرخ في روحي بسبب الشوق والبعد رغم أنني أزور بلدي في كل عام أو عامين، لكن وجع الحرب والمآسي ينعكسان في لوحاتي بطريقة حزينة، في "إسبانيا" لفتت أعمالي انتباه أحد الفنانين الذي أصر على دخولي رابطة "الفنانين المتضامنين في إسبانيا" هذه الرابطة التي تهدف لنشر الفن اللا مادي بكل أنحاء العالم وفي "إسبانيا" بالتحديد وتتكون من 82 فناناً وفنانة وكنت منذ عام 2016 الفنانة السورية الوحيدة بينهم، ونشطت في المعارض التي تقيمها الرابطة بشكل دائم وتعبر لوحاتي عن "سورية" وألم السوريين، وعن شوقي لكل ما تركته هناك، أحاول من خلال مشاركاتي أن أعكس حضارة وثقافة بلدي وأسعى بشكل دائم لنشر هذه الرسالة».

العملُ مع الأطفال

عملت الفنانة "منيرة" مسؤولة في قسم ثقافة الطفل في مديرية الثقافة لعدة سنوات، ورسامة للأطفال في عدة مجلات وحول هذه التجربة تقول: «منذ تخرجي وحتى سفري من "سورية" استمريت بالعمل مع الأطفال من خلال ورشات عمل دعم نفسي عن طريق الفن، وعملت في ورشات عمل مع المتضررين من الحرب من خلال التدريس بمركز الفنون التشكيلية في "السويداء" منذ عام 1996، وكذلك شغلت منصب مديرة له منذ عام 2003 وحتى 2015، كما عملت مشرفة على دورات الصغار والكبار ومشرفة على ورشات العمل في ملتقيات النحت الدولية وكانت من أنجح التجارب بالنسبة لي، كما عملت في مجلة "الطليعي" التي رسمت فيها لفترة معينة، تأخذ الطفولة حيزاً من اهتماماتي وأعدُّ التعامل مع الطفل غير سهل لإبراز موهبته حتى يستطيع الفنان أن يخرج ما بداخله، تعلمت من الأطفال وعلمتهم وتبادلنا بصدق هذه التجربة».

قراءةُ اللوحةِ

وتتابع قائلةً: «المرأة في لوحاتي هي الأم والأخت، المعطاءة وهي بذرة القمح والحياة، تظهر في لوحاتي المرأة المكافحة، الحالمة، الشامخة، المعطاءة، المملوءة بالفرح، وجودها خير في كل اللوحات، تضفي نكهة خاصة عليها وتعبر عما بداخلي، المرأة هي الوطن، كما أنها تعبر بجسدها وليونتها عن كل ما هو جميل، عندما أرسم اللوحة الإبداعية أشعر أنها ببداياتها مثل الطفل المولود حديثاً لا أشبع ولا أمل منها، أتغزل بها بعد الرضا عنها، أتأملها بشغف وأشعر بالحب تجاهها وأقرؤها مثل كتاب أو قصة، هي شيء من روحي تعني لي الكثير».

لغةُ الرمزِ

من جهته "عبد القادر الخليل" فنان وباحث تشكيلي سوري مقيم في "إسبانيا" يقول: «تعرفت إلى الفنانة "منيرة الأشقر" عام 2019 من خلال إحدى زميلاتي في "مدريد" ومن خلال مشاركتها في معارض جماعية في دعم الحقوق الإنسانية، تواصلت معها عبر موقع "فيس بوك" ورأيت بعض أعمالها الفنية وكتبت عنها في موقعي الخاص، ثم نشرت عنها في مواقع الفن ودعوتها للمشاركة في المعرض الدولي الذي نظمته العام الماضي والذي ما زال يتنقل من مدينة إلى أخرى منذ خمسة أشهر، وهو أحد المعارض الدولية المهمة المستمرة منذ عشرات السنين وشارك فيه ثمانون فناناً من جميع القارات».

ويتابع: «لوحاتها تجعل الجاهل مثقف من منبع الإحساس، لأنها جاءت من طابع داخلي إحساسي وروحي، أخذت لوحاتها من التعبيرية الهدف ومن الرمزية الإنارة، ومن التجريدية الحرية، ومن الواقعية الموضوع، ومن المرأة رمز الصمود، لها لغتها الفنية الخاصة التي تُنعش أبصار المتلقي في ألوان الأمل والشجن، وفي ألوان الحزن والكآبة، كما تُعطي في كثير من ألوانها أحلام المستقبل وإنارة السلام».

انعكاسُ الواقع

ويكمل الباحث "الخليل" بقوله: «تعكس الفنانة "منيرة" في لوحاتها تعابير المرارة التي غزت الأوساط الفنية والفكرية في فترة الحرب، وفي أعمالها الأخيرة بحثت عن أبعاد جديدة في الخيال وفي إيجاد لغة فنية لتصف بشكل حقيقي الظروف التي عاشت بها، كشفت التعبيرية عن الوجع الوجودي للفرد، هي لا تحاول التأثير في المشاهد للوصول إلى الجانب العاطفي الداخلي بل تريد أن يعرف الآخرون الحقيقة عن معاناة المجتمع الخوف، الموت، الدمار وفقد الحرية، وجسدت لوحاتها بألوان كثيفة أحياناً وألوان شفافة في أخرى كي تقص للمتلقي لقطات من الواقع المر».

مفهوميةُ العملِ الفنيّ

لم يكن موقف الفنانة "منيرة" الاختزال حين تناول موضوع المرأة، وحول ذلك يقول "الخليل": «الفنانة "منيرة" امرأة سورية تتمتع بثقافة فنية كبيرة وتتمتع بتجارب عملية ومسؤولية داخل الوطن، مما يعطيها مسؤولية أمام المجتمعات الأخرى ويمنحها صدق الحديث فيما تقول، تُدافع في التعبيرية عن الحرية الفردية وحرية العقيدة، حرية المرأة، حرية المجتمع في اختيار السلام والمساواة بين الرجال والنساء، التضامن الاجتماعي والعادات والتقاليد ضمن حدود الاحترام وعدم الإساءة للآخرين مهما اختلفت ألوانهم وعقيدتهم، عندما نتابع لوحاتها نشاهد بوضوح التوازن والانسجام في الأشكال ما يخلق مجموعات بصرية لا تشوبها شائبة، نرى مجموعة العناصر متناغمة والحجم المثالي، من حيث الخطوط نجد أن خطوطها مفتوحة تتمثل من خلال ضربات فرشاة متقطعة وتشير إلى أشكال محددة حين ترغب في وضع المتلقي أمام الموضوع، وأحياناً تتركها غير محددة لتسمح له أن يتصور ويتابع بفكره تجسيد أشياء يرغبها، ومن حيث اللون نستوعب الإضاءة ومصدرها ونرى تجسيد الأشكال، الظل والتظليل، وفي هذه السلسلة من الألوان يظهر موضوع اللوحة في المظاهر العامة المرئية والأشياء المخفية، ومن حيث الفراغ تحاول الفنانة جعل الصورة ثلاثية الأبعاد باستخدام الحجم بينما يشكل التكوين العامل المنظم لجميع العناصر التي يتكون منها العمل».

نشير إلى أنّ الفنانة "منيرة الأشقر" عملت مدرسةً لمادة الرسم والتصوير في مركز الفنون التشكيلية في "السويداء" منذ عام 1996 وحتى عام 2015 وشغلت منصب رئيسة مركز الفنون التشكيلية في مديرية الثقافة منذ عام 2003 وحتى انتقالها إلى "مدريد"، عملت محاضرةً في قسم الاتصالات البصرية في كليه الفنون الجميلة الثانية، شاركت بعدة معارض في "سورية"، "مصر" و"إسبانيا" ولها مقتنيات عدة في وزارة الثقافة وأخرى خارج "سورية " وهي عضو اتحاد الفنانين التشكيليين في "سورية".