لم يكن التمثيل عملاً مقبولاً بالنسبة لعائلة الفنان (محمد ناصر الشبلي)، حين بدأ مشواره من منطقته (بيت سحم) في ريف دمشق، وعمره آنذاك 16 عاماً، لكن حصوله على جائزةٍ في مشاركته المسرحية الأولى (مخفر حارتنا) إلى جانب الفنان أيمن زيدان والإعلامي جمال الجيش، وتتالي تجاربه أكّدت للأهل صواب ما يفعله.
من قبو الابتدائية
يستعيد الشبلي ظروف البدايات مع (منظمة شبيبة الثورة)، ويقول في حديثٍ إلى (مدوّنة وطن): "شكّلت مع عددٍ من الأصدقاء فرقةً مسرحيةً، وصممنا منصّةً للعرض في قبو ابتدائية (بيت سحم)، تجاوزنا صعوباتٍ كثيرة أبرزها غياب الكهرباء، وقدّمنا عروضاً مهمة منها "القاعدة" لبريخت و"المهرج" لمحمد الماغوط، عرضنا في المحافظات ومناطق ريف دمشق، استخدمنا العربة الجوالة، ونقلنا مسرحياتنا إلى حيث استطعنا".
طوّر الشبلي أدواته بالعمل والقراءة والمتابعة، فدرس الموسيقا بشكلٍ شخصي ثم بدأ الكتابة للمسرح بالتوازي مع الإخراج، والبداية مع (تساؤلات) تلتها (سمرمر) أخرجها تامر العربيد للمسرح القومي. وكتب أيضاً (انتظار تشالينجر) مستنداً إلى حادثة انفجار صاروخٍ أمريكي، ومن اتفاقية أوسلو استوحى (مظلة العم سيمون)، إضافة إلى (الكسوف) و(رسالة إلى السيد الرئيس)، ليصبح في رصيده حوالي 30 نصاً مسرحياً، آخرها (جاءت معذبتي) يستعد لإخراجها بالتعاون مع القطاع الخاص.
تراكمُ التجارب
التجريب في عناصر العمل المسرحي بما يعنيه من تراكم، كان حافزاً للمزيد حتى بعد أن أصبح عمره الفني 44 عاماً، وعلى حد قوله: "في المسرح قداسة تربطك بالكلمة والجمهور والمشهدية والخشبة وما سواها، لذلك بعد كلّ إنجاز يصبح الدافع والرغبة أكبر"، وفي السياق ذاته ينحاز الشبلي نحو المسرح الكوميدي الشعبي لكوّنه "أقرب للجمهور كما يمكن تحميله إسقاطاتٍ وأفكاراً جريئة"، كما يميل للحالة الاستعراضية في المسرح الغنائي، ويرى أنّها "مكملةٌ للحالة الدرامية والأغنية فيها مشهدٌ قائم بذاته".
لكن ماذا عن تقييمها عروضاً (درجة ثانية) من قبل البعض إذا ما قُورنت مثلاً بـ(عروض النخبة)؟ يقول الشبلي: "الأمر يتوقف بدايةً على الحالة الإبداعية ضمن الطرح المُقدّم أيّاً كان شكله أو نوعه أو تسميته، لكن ما الذي تعنيه (عروض النخبة)، البعض يحلو له القول بأن هناك من لا يفهمني، برأيي العرض النخبوي هو عرضٌ أستمتع به وأستفيد منه كمُشاهد، عرضٌ يتضمن قيمةً فنيةً وفكريةً بغض النظر عن شكله".
يُفضل الرجل تسمية ما يقدمه بـ(السهل الممتنع) وهنا مكمن الإبداع فيه، يقول: "أسأل نفسي دائماً من سيأتي لمشاهدة العرض؟، لذلك ما أنجزته هو مسرحٌ للجميع"، ومن جهةٍ ثانية، يُشير إلى أنّ المسرح لدينا لم يستطع استقطاب القطاع الخاص بسبب حالة الاحتكار التي مارستها جماعة النخبة، ومن ثم كان انحياز الإعلام لمصلحة هؤلاء بسبب المعارف والعلاقات.
يقول لـ(مدوّنة وطن): "مديرية المسارح مشكورةً تقوم بما عليها كجهةٍ رسميةٍ لكن الإشكاليات تتعلق بالعاملين في هذا المجال، الأمور مُحتكرة والإعلام مُوجّه لدعم البعض، لو كان هناك استراتيجية للعمل لاختلف الوضع ولتنشّط القطاع الخاص ومسرح المنظمات الشعبية، سنشهد حينها تنوّعاً وحراكاً حقيقياً وتنافساً ينعكس على جودة العروض، للأسف الغالبية تتعامل مع الحالة بدافع مادي".
مسرحٌ لأطفالِ الحرب
تشعّبُ المهام رافق الشبلي في مسرح الطفل أيضاً، ومما قدمه (رحلة إلى القمر) مع المركز الثقافي الألماني، و(حكايات) عرضها في الحدائق والشوارع، إلى جانب (القبطان والفئران)، (الريشة البيضاء)، (الطائر الناري)، (سندريلا) والكثير غيرها، وعمّا يحتاجه الطفل في المسرح، يقول: "حين نكتب نصاً مسرحياً للأطفال، نبحث في الخط العام للألوان في الديكور والأزياء، ثم الموسيقا والفكرة، وعلى أية حال لا يمكن الاهتمام بعنصرٍ على حساب البقية".
يطمح الفنان إلى تقديم عرضٍ مسرحي للأطفال متطوّرٍ من حيث التقنيات، ليشمل مثلاً (الأكروبات) وخيال الظل، لكن الإمكانيات لا تسمح حالياً كما لا يوجد جهات معنية بتبني الفكرة. يشرح الشبلي للمدوّنة: "البعض مصرٌ على التعامل مع الطفل كمتلقٍ درجة ثانية، لكننا انتهينا من حكايات الملك والوزير، والخير والشر، تعالوا نبحث في احتياجات الطفل الذي كَبرَ في الحرب، نحتاج إلى ورشة عملٍ متكاملة في هذا الميدان".
ومع أن عمره اليوم 60 عاماً، لا زال يؤدي حركات القفز والرقص وما إلى ذلك، فكيف تجري هذه الموازنة؟، يشرح: "أستمتع كطفلٍ حقيقةً، وتبدأ مُتعتي مع قراءة النص، مع كل صفحة تنقص سنةٌ من عمري، لأعود طفلاً يشبه الطفل الذي يشاهدني، الفكرة أن تُصدق ما تقوم به".
بعيداً عن التلفزيون
شارك الشبلي في أعمالٍ تلفزيونية تركت أثراً في الجمهور، فكانت بدايته مع (نهاية رجل شجاع)، ثمّ (الجوارح)، (يوميات مدير عام)، (أخوة التراب)، (عيلة 5 نجوم)، (عودة غوار) لكنه ابتعد عن التلفزيون لمصلحة المسرح، والسبب كما يحكيه للمدوّنة: "يُفترض أن تتصاعد الأمور نحو الأفضل على صعيد الأدوار والمشاركات لكن حصل العكس، الأمر يتعلق بتركيبة الشلل والدعم، كما ذكرت سابقاً ليس لدينا استراتيجية فنية، والدليل ما تعيشه درامانا اليوم".
يرفض الفنان العمل الفني من مبدأ (يوم بيوم)، وهو ما يحدث حالياً برأيه، ولا سيّما بوجود شركات إنتاج همها الربح، وأكبر دليلٍ هنا مسلسل (باب الحارة)، يقول الشبلي: "معظم نجوم سورية شاركوا في هذا العمل ثم شتموه، أقبلُ هذا من ممثلٍ جديد له ظروفه وأسبابه، لكنه غير مفهوم ولا مقبول ممن هم غير مضطرين".
تاريخُهُ يشهدُ لهُ
يشارك محمد ناصر الشبلي في مسرحية (رحلة الحظ)، يعدّها ويخرجها الفنان عبد السلام بدوي، عن نص لـ"نور الدين الهاشمي"، ويفترض أن تعرض في مهرجان مسرح الطفل قريباً، يقول "بدوي" لـ(مدوّنة وطن): "(شهادتي مجروحة) بالفنان الشبلي، لكن تاريخه يشهد له وأعماله تدلل على موهبته في التمثيل والكتابة والتلحين، الموهبة تُمنح لأصحاب القلوب البيضاء، وهو واحدٌ منهم، صاحبُ نصوصٍ وألحانٍ مميّزة، ومخرجٌ على قدر من الاحترافية".
يضيف "بدوي": "لم يكن الحظ إلى جانبه في مهنةٍ تغيب فيها الأضواء عن البعض لكنهم مبدعون وفنانون بمعنى الكلمة، أعتزُّ به وبالعمل معه".