ارتبط التذهيب بفن الخطّ العربي ارتباطاً وثيقاً تجلى ذلك في صناعة إبداعات فنية للتزيين، وإضفاء لمسة خاصة عليها، ما يعكس اهتمام الفنان أو الخطاط بإثراء عمله الفني، كما تميزت "دمشق"على وجه الخصوص بهذه المهنة فأنعشت صناعة الكتاب ونهضت به عبر امتهان البعض لفن التذهيب في زخرفة الرسوم والكتابة بكل أنواعها وأشكالها.

فنُّ الدقّة

يتميز التذهيب بالدقة العالية كونه واحداً من أجمل الفنون، إذ يعدُّ فناً من فنون الزخارف النباتية المنمنمة وأحياناً يكون زخرفة هندسية دقيقة مرفقة بزخارف نباتية دقيقة أيضاً، هكذا يقول الحرفي "ماهر بوظو" المتخصص بحرفة الدهان الدمشقي في حديث لمدوّنة وطن ويتابع: "ارتبط التذهيب بفن الخط العربي منذ زمن بعيد حيث كان يزيّن الخطاط مخطوطاته وكتبه بالزخارف النباتية وخصوصاً الكتب الدينية والمعلقات الشعرية وأغلفة الكتب المهمة والفخمة، وما زال هذا الفن موجوداً إلى يومنا هذا، وهو واسع الانتشار في مناطق "تركيا" و"إيران"، حيث تحوّل هذا الفن إلى لوحات مزيّنة بالزخارف النباتية والخطية والهندسية مختلفة الأحجام تعتمد على الورق المقهر للحفاظ عليها أكبر قدر ممكن، ومن أهم الأعمال التي يبدع بها المزخرف هي الحليات الشريفة التي تزيّن بالزخارف ويكتب فيها مديح للنبي محمد (ص)".

فنونٌ أصيلةٌ

ظهر فن الزخرفة والتذهيب ليكمل جماليات المخطوطات واللوحات الخطية بحيث تكون بصورة أكثر جمالاً وإشراقاً، تقول الفنانة التشكيلية "ريم قبطان": "تعددت أنواع الزخرفة عدا عن المواد الخام والألوان الطبيعية المستخرجة من الأحجار الكريمة، إضافةً إلى الذهب الخالص حيث استخدم في هذه الفنون بإضافة ظلال من الذهب بعيارات مختلفة لتزيين اللوحة الخطية، وتختلف النقوش والأشكال بحسب نوع الخط وموضوع اللوحة، فمنها ما يعتمد على الوحدات الزخرفية التقليدية المتكررة بانتظام ومنها ما يمزج ببعض الرسوم كالأشكال المختلفة من الأزهار والورود والحيوانات والطيور والإنسان والمناظر الطبيعية والأشكال الهندسية، لتشكل فن "المنمنمة" وهو فن الصور المزخرفة، وقد اشتهرت بهذه الفنون المخطوطات "العثمانية والبيزنطية والفارسية والهندسية"، ومن أشهر المدارس (العباسية والفاطمية والمغولية والصفوية) والمدرسة المعاصرة وهي مدرسة حديثة تطور فيها فن الزخرفة بعد دخول الفنون الأوروبية على فنون الزخرفة والمنمنمات.

الحلية الشريفة

الزخرفةُ الإسلاميّة

زخرفة مذهبة

وتتابع الفنانة "ريم" بالقول: "لقد أضيفت أيضاً الزخارف إلى صفحات الكتب وخصوصاً المصاحف، ليس فقط لجماليتها وإنما لناحية وظيفية حيث استخدمت فواصل زخرفية صغيرة للفصل بين الآيات، وظهرت" الشمسات" على شكل ميداليات لكتابة المعلومات بداخلها وزخرف القسم الأخير من الصفحة الأخيرة لتكتب فيه الخاتمة، واستخدم الإطار المزخرف الذي يحيط بالنص القرآني ليحافظ عليه ويحميه من أي إضافة أو حذف للآيات الكريمة، وتبقى هذه الفنون فنوناً بصرية حسّية تعتمد على إحساس الفنان ورؤيته في دراسة الكتلة والفراغ وإضافة الوحدات الزخرفية الجمالية إلى التكوين، وممكن أن تستخدم التكنولوجيا وفنون الغرافيك للمساعدة في تنظيم العمل والشكل الخارجي له، من دراسة وتكرار وتناظر مع المحافظة على تصميم الفنان والتنفيذ اليدوي، وسميت هذه الفنون بالفنون الإسلامية لأنها ظهرت في البلاد التي وصلت إليها الديانة الإسلامية، ولقد كانت المصاحف المذهبة في البلاد المسلمة هدايا يتبادلها الحكام، إذ كان فن التذهيب يعبر عن غنى الدولة التي جرى فيها تذهيب المصحف وقد استخدم هذا الفن أيضاً في تذهيب المخطوطات الدينية غير الإسلامية ولكن بأنماط مختلفة عن التذهيب الإسلامي".

قيمةٌ مضافةٌ

اقتصر فن التذهيب في الماضي على تذهيب كتاب الله عز وجل منذ العصور الإسلامية الأولى، وتطور مع تطور الخط بدءاً من "المدرسة الشامية" في الدولة الأموية، أما اليوم فأصبح فن التذهيب اختصاصاً بحد ذاته، ويقول شيخ كار حرفة الرسم النباتي على الخشب "عرفات أوطه باشي": "في الماضي اقتصر هذا الفن على الورق المستخدم للخط في حين يستخدم الآن هذا الفن حتى على الخشب، بتطور ملموس وملحوظ يظهر براعة وفن وتطور هذه الحرفة، ومع الوقت تحول فن التذهيب لقيمة مضافة، وأصبح فناً خالصاً وانتقل من مجرد تزيينات وتذهيب، إلى فن أساسي يعطي الخط الجمالية الخاصة والدليل على ذلك استعانة كل الخطاطين بالحرفيين المبدعين في مجال التذهيب، ولو دخلنا أي معرض للخط في كل دول العالم ليس فقط محلياً، سنجد أن كل لوحات الخط لا تخلو من فن التذهيب والزخرفة المرافقة، فأي لوحة خط لن تدخل في أي معرض للخط إن كانت تخلو من هذا الفن، لذلك التذهيب هو المؤشر الأول على رقي الخط وجماله".