بمساعدة جهاز المشي (ووكر) يحضر المخرج المسرحي "ضرام سفّان" مساءً كل يوم ليتابع تدريبات الفرقة المسرحيّة التابعة لمديرية ثقافة "دير الزور" التي عادت لنشاطاتها مؤخراً عبر عدة عروض مسرحيّة للأطفال.

يحرص "السفان"، الذي ألجأه لجهاز المشي حادثٌ ألمّ به منذ أعوامٍ خلت، على إحضار طفلته الصغيرة والوحيدة وزوجته العاشقة للمسرح، التي تساعده في التجهيز لأيّ عرض يقدمه.

بالفِطرة

درس "ضرام سفّان" الحقوق بجامعة "حلب" وتخرج منها، لكنها لم تستهوِه كما المسرح الذي كان ولا يزال شغله الشاغل منذ بدايات نشاطه الذي يعود لأربعين عاماً، بدأ وهو صغير ممثلاً فكاتباً، ليبقى الإخراج عالمه الذي يصوغ فيه إبداعه بحرفيّة عاليّة، واليوم يبثّ الحياة في مسرح "دير الزور" مع فرقة من الشباب بعد غياب لسنوات نتيجة الأحداث.

المخرج ضرغام سفان

أطلق عليه زملاؤه الناشطون في مسرح "دير الزور" لقب "الوادي" وكان ذلك في بداية الثمانينيات من القرن الماضي بعد أن خطّ مساره وسطع حضوره.

أسس أول فرقة وكانت من أولاد حارته يوم كان في مرحلة التعليم الأساسي (الصف السابع) كما يروي لمدوّنة وطن" eSyria": "كانت مبادرةً طفوليةً، فبعد انصرافنا من المدرسة كنا نؤدي مسرحيات نتوزع فيها الأدوار، أما المكان فهو شرفة منزل أهلي في حي الحميدية، ثم انتسبت لفرقة صغار المركز الثقافي العربي في "دير الزور" تحت إشراف المخرج المسرحي "أحمد الحسين" عام 1980 ومن الأعمال التي قدمناها وقتها "لولا البساط" و"أسود أبيض" ومن عناصرها المتميزة ( بسام سفان وياسر بدور وروان كريص وبتول الملا )، لاحقاً انتقلت للعمل مع فرقة الكبار التي يقودها المخرج المسرحي "أحمد الحسين" أحد أبرز قامات ومؤسسي المسرح في "دير الزور" ، قدمنا فيها عدة أعمال منها: "المعادلة"، "منسيّة"، "بلدي وهلم جرا"، و"فوق هذا المستطيل وقع حادث"، ومن فناني ذاك الجيل الذين برزوا (وليد حسّو، عبدالحميد عزاوي، لؤي بدور، نشأت مرعشلي) ".

عودة المسرح للحياة

بداياتُ المخرج

الفنان المسرحي أحمد عبد القادر

دخل "سفّان" عالم الإخراج عام 1983 وعن تلك الأيام يقول: "اتبعت دورة للإخراج والتمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية، كنت أصغر المشاركين والوحيد من محافظة "دير الزور"، تحت إشراف العديد من فناني المسرح أمثال "رياض عصمت" و"جهاد سعد" و"عماد عطواني" و"عبد الرحمن حمود"، تلك الدورة كانت بمتزلة المنعطف، حيث توجهت للإخراج وتمكنت من إخراج أول عمل عام 1985 وكان من تأليفي وإخراجي وهو بعنوان (النص الذي منعوه)، ثم شاركت في عدة مهرجانات ومنها مهرجان الشبيبة عام 1987 بمسرحية (يوميات مواطن عربي)، وحازت هذه المسرحية على جائزة أفضل عمل متكامل في ظل وجود العديد من المخرجين الكبار مثل الممثل والمخرج "أيمن زيدان" والراحل "حاتم علي" و"سمير الحكيم" والمخرج العراقي الكبير "مناضل داوود" ، العمل كان مفاجئاً للجميع والنص لشقيقي "بسام سفّان".

جوائز وتكريم

نال المخرج "ضرام سفّان"، خلال مسيرته الفنية العديد من الجوائز ومنها في مهرجان "طرطوس" المسرحي عام 1988 عن مسرحيته (أغنيات ليست للفرح) تأليف شقيقه "بسام سفان"، حيث نال جائزة اللجنة الخاصة عن العرض، وجائزة النص تأليفاً، وفي المهرجان المسرحي بـ"حلب" نال جائزة الإخراج لمسرحيته (الطوفان) عام 1989، وتتالت المشاركات في المسرح الجامعي الذي قدم فيه العديد من المسرحيات ومنها (مذكرات بيدق، بكرا لما بيرجعوا الخيالة)، وحازت على العديد من الجوائز، ولكنه انقطع عن العمل المسرحي لخلافات شخصيّة مع القائمين على المؤسسات الثقافية حتى العام 2006 ليعود ويشكل فرقة (الوادي) المسرحية التي قدمت أعمالاً عدة منها مسرحية (شيزوفرينيا)، تأليف حسام سفّان وإخراجه، وقُدمت في مهرجان "حماة" الجامعي وحازت على جائزتي أفضل ممثل للفنان "محمود الحسن" وأفضل إخراج، كما تم تقديم العرض نفسه في مهرجان الهواة المسرحي الأول في "سورية" الذي احتضنته العاصمة "دمشق"، العمل كان ممثلاً عن المركز الثقافي بـ"دير الزور" وحقق جوائز عدة منها جائزة أفضل ممثل ذهبت للفنان "محمود الحسن" وأفضل ممثلة لـ"ميرنا مالك"، وجائزة أفضل عمل وأفضل مخرج، كما حازت الفرقة على جائزة أفضل تجمع".

ثم تتابعت أعمال الفرقة حتى عام 2010 في مهرجانات وزارة الثقافة، حيث قدمت عدة مسرحيات وهي: (الأب ، ليلة مخمورة) ولمسرح الطفل جرى تقديم (مغامرة فراشة، الحلم، حكاية الصندوق، قمر شجر وعصافير، عندما تبكي الأنهار).

والعَودُ أحمدُ

عاد "السّفّان" لشغفه المسرحي الذي عكّره ما مرّ من أحداث أتت على النشاط المسرحي في "دير الزور"، بل وبمجمل العمل الثقافي، ليُشكّل بالتعاون مع مديرية الثقافة الفرقة المسرحية التي ضمت قرابة 30 شاباً وشابة ومن الصغار لتكون انطلاقة جديدة للمسرح، وعن ذلك يقول: "رغم الظروف الصعبة عملنا على تشكيل الفرقة واستقطاب الهواة الشباب من الجنسين، قدمنا مسرحيتين للأطفال الأولى بعنوان (علبة الألوان) والثانية (السجادة العجيبة) وهي مستوحاة من التراث الشعبي، عناصر الفرقة البارزين ( إيناس سفان، مهيار كريم، حيدر الراشد، مجد فياض، عمر شريدة، رؤى حاج موسى، حنين بسام، عمر بسام، خالد الطارش، ماتلدا سفان، فرح حمادة، فرح حاج موسى، رنا الحمود، أحمد خليوي، أحمد جنيد، لامار يساوي، مادلين السومة) وآخرين، ويجري التحضير لعمل للأطفال سيُعرض قريباً بعنوان (يوم حلو يوم مر)".

ويتابع بالقول : "لن نقتصر في أعمالنا على مسرح الطفل، بل سنُفعّل مسرح الكبار، والعمل الذي أشتغل عليه أجهد أن يكون جاهزاً للعرض في تشرين الأول القادم، هو عمل كوميدي بعنوان (قهوة مرة) مأخوذ عن نص للكاتب والمخرج المصري "خالد جلال" من نوع "تراجد كوميدي" أي الكوميديا السوداء، وما نحتاجه هو مزيد من الدعم بالتجهيزات الضرورية لعملنا، ومن يُتابع تدريبات الفرقة سيلفته مدى الشغف وعشق الشباب للمسرح رغم الأوضاع التي نمر بها، لدينا إصرار على أن نرسم البسمة من جديد على وجوه أهلنا".

انطلاقةٌ واثقة

يُعوّل الكثير من المهتمين بالشأن الثقافي على البصمات التي سيضعها المسرحي المُخضرم "ضرام سفّان" على انطلاقة العمل المسرحي بالمحافظة، الذي يحتاج قامات كبيرة لتؤطره وتُعطيه دفعة ثقة قوية كما يؤكد مدير المركز الثقافي بـ"دير الزور" "أحمد اليسّاوي": "لدينا خامات واعدة ومُبشرة تحتاج فقط من يُدربها ويقودها لاستحضار ما تكتنزه من طاقات، وللمخرج "سّفان" تاريخ طويل في العمل المسرحي، وهو من شيوخ الكار الذين نعتمد عليهم ويُمكنه فعلُ الكثير على هذا الصعيد.. هنالك مسرحيون كبار يُمكنهم المساهمة والمساعدة بخبراتهم التي نعرفها ويعرفها أصحاب الشأن، ونعوّل عليهم، ومنهم من هم في محافظات أخرى، ورغم الإمكانيات المتواضعة لكننا استطعنا إيجاد المكان المناسب الذي يحتضن أعمالنا المسرحية، وهو مكان واسع عبارة عن صالة كبيرة، مزوّدة بخشبة مسرح وما يلزمها".

لديه الكثير

ويقول الفنان المسرحي "أيمن عبد القادر": "التقيت الفنان "ضرام سفّان" صدفة على خشبة مسرح التجارة بـ"دير الزور" عام 1990، كنا نُحضر حينها لمهرجان الشبيبة الفرعي تمهيداً لاختيار أفضل عمل يمثل المحافظة، قدم "ضرام" مسرحية (الطوفان)، وقدمنا نحن مسرحية (سيمفونية الحرية) وقد اختارت اللجنة عمل "ضرام" ليمثل المحافظة وحصد معظم جوائز المهرجان، حينها بدأت التقرب منه، فاكتشفت فيه ذاك المتمرد على جميع القواعد والمدارس المسرحيّة وعملت ممثلاً لديه، بدأ يكتشف فيّ ما لا أعرفه عن نفسي، ومنحني بطولة العديد من مسرحياته مثل (الذروة، مذكرات بيدق، سقوط الماتادور)، ومن ذلك الحين تشكلت بيننا علاقة فنيّة ذات روحانيّة عاليّة هاجسها المسرح.. ويمكنني القول إن بإمكان "السّفان" فعلُ الكثير ولديه الكثير، فهو فنان امتلك أدوات مسرحه بمهنية عاليّة وهو سيضفي طابعاً مميزاً على المسرح العائد".

يذكر أنّ العام الحالي شهد انطلاقة المسرح في دير الزور بعد غياب قسري فرضته الأحداث التي عاشتها فترة سيطرة المجموعات المسلحة على المدينة، التي عملت على تدمير مركزها الثقافي الذي كان يضمُّ مسرحاً بكامل مستلزماته، عدا عن أقسامه الأخرى، وهي انطلاقة كانت لمسرح الطفل الغلبةُ فيه بانتظار توسّع مساحة العمل لجميع الفئات بما يُسهم في عودة الألق للعمل المسرحي ككل والذي سجل حضوراً عتيقاً في المحافظة والقطر.